ما المقصود بعالمية الإسلام
إنّ الدين عند الله الإسلام
شاءتْ إرادة الله -تعالى- أنْ تُختمَ الرّسالات السّماوية برسالة الإسلام، وأنْ يكون النبي محمّد -عليه الصلاة والسلام- خاتم الأنبياء والمرسلين، ولأجل ذلك فقد جعل الله رسالته للنّاس كافة؛ فقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )، ولكي لا يكون للنّاس على الله حجّةً بانقطاع الرّسالات أو اندثارها، فقد تكفّل الله -سبحانه- بحفظ هذه الرّسالة الخاتمة من التحريف والتبديل والاندثار؛ فقال عزّ وجلّ: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، وقد اشتملت رسالة الإسلام على خصائص تؤهّل أتباعها لمهمّة الاستخلاف في الأرض وفق منهج الله تعالى، وأودعها من المزايا ما يجعلها قادرةً على سياسة الناس بالحقّ، والعدل ، والرّحمة، ومن أهمّ هذه المزايا والخصائص أنّها رسالةٌ عالميةٌ، فما المقصود بعالمية الإسلام؟
المقصود بعالمية الإسلام
يُقصد بعالمية الإسلام: أنّ الإسلام هو الدّين الذي اختاره المولى سبحانه، وارتضاه لجميع البشرية إلى قيام الساعة ، وهو دين جاء شاملاً لكلّ مناحي الحياة، وملبيّاً لجميع متطلبات النّاس، وهو صالح للتّطبيق في كلّ زمانٍ ومكانٍ، وغير مختصٍّ ببلادٍ دون بلادٍ، ولا بأمّةٍ دون أخرى، ولا بعرقٍ دون آخر، وهو قادر على أنْ يكون عالمياً لكونه شاملاً، وكاملاً، وخالداً، وممّا يؤكّد عالميته أنّ مصدره ربانيّ، وهو -سبحانه- ربّ العالمين، قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، والذي أنزل القرآن على قلب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- هو ربّ العالمين، وأراده أنْ يكون كتاباً، وتشريعاً، وذكراً للعالمين؛ فجاءتْ كثير من آياته تخاطب النّاس كلّهم، ومثاله قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، كما أنّ محمداً -عليه السلام- رسولٌ للعالمين، جاء في الصحيح قوله صلّى الله عليه وسلّم: (وأُرسِلْتُ إلى الخلْقِ كافَّةً، وخُتم بي النَّبيُّون)، والكعبة المشرّفة كذلك قبلة للعالمين، قال سبحانه: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)، ثمّ إنّ ممّا يؤكّد عالمية رسالة الإسلام قيامُ النبي -عليه الصلاة والسلام- بإرسال رسائل إلى ملوك الفرس والرّوم وغيرهم، يدعوهم فيها إلى الدّخول بالدّين العالمي الجديد، فضلاً عن الوفود والرّسل الذين بعثهم إلى عددٍ من الزعماء لنفس الغاية، وقد بشّر النبيّ الكريم بانتشار الإسلام، وأخبر بحتمية خروج الدّين من حدود مكّة والجزيرة العربية إلى فضاءات العالم الرّحبة؛ فقال: (واللهِ ليُتِمَّنَ هذا الأمرُ، حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموت، لا يخافُ إلّا اللهَ، أو الذئبَ على غنمِهِ).
تأكيد القرآن على عالمية الإسلام
لقد تضافرت النّصوص الشرعية في القرآن الكريم على التّأكيد على عالمية رسالة الإسلام ، والقرآن هو مادّة هذه الرّسالة الأولى، فليس عجباً أنْ تتوالى الآيات في تعميق هذه المسألة في نفوس الأتباع والنّاس جميعاً، وبيان ذلك فيما يأتي:
- ذكر بعض الباحثين أنّ الآيات التي تشير إلى عالمية الإسلام تفوق بعددها المئة وخمسين آية.
- ورد في القرآن الكريم أربع آيات تؤكّد أنّ القرآن دعوةً إلهيةً موجّهةً لكلّ البشر، وهو ذكرٌ للعالمين جميعهم، يقول سبحانه: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ)، وتكرّرت الآية الكريمة في سورة ص، في الآية السابعة والثمانون، وفي سورة القلم، في الآية الثانية والخمسون، وفي سورة التكوير، في الآية السابعة والعشرون.
- استنبط أهل التفسير من الآية السابقة ما يؤكّد حقيقة تفرّد القرآن بعالمية التبليغ؛ فجاءتْ الآية بصيغة الحصر، وهي بذلك تنفي عن كتاب الله كلّ صفةٍ تنافي كونه عالمياً، وتشير أيضاً إلى كونه كتابٌ يحمل التّذكير للعالم كلّه؛ فهو يخاطب الجنّ والإنس، كما أنّه يخاطب الأفراد والجماعات والدّول.
- يُلاحظُ أنّ لفظ العالمين يعمّ أولئك الذين عاصروا حياة النبي عليه الصلاة والسلام، من الجنّ والإنس، وممّن جاءوا بعدهم من ذريّاتهم إلى أنْ تقوم السّاعة، ويعرفُ أهل اللغة أنّ صيغة الجمع إذا جاءتْ معرّفة، فإنها تدلّ على العموم والاستغراق.
- لا يمكن إغفال حقيقة أنّ عموم رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتحقّق إلّا بعالمية القرآن الكريم الذي أُنزل عليه، حيث قال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).
خصائص رسالة الإسلام
الإسلام دين الله، ورسالته الخاتمة للعالمين، وهذا يقتضي تميّزه عن غيره من الشرائع التي تعرّضت للتحريف والتبديل، كما أنّه متفوّق على كلّ القوانين والمناهج التي سنّها البشر بعيداً عن المنهج الرّباني، ومن أهم خصائص رسالة الإسلام:
- دين نسبه الله -تعالى- لنفسه؛ فقال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
- الإسلام دينٌ يوافق الفطرة السّوية، وقد أكّد المولى سبحانه هذه الحقيقة؛ فقال: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، لذا فإنّ القرُب من أحكامه وامتثال تشريعاته يمنح العبد راحةً وطمأنينةً، وشعوراً بالسّعادة والأمن.
- دينٌ أنتج للعالم حضارةً إنسانيةً في كافّة المجالات العلمية والأخلاقية، وانفتحت على الآخر، واعترفت به، وقامت على مبدأ العالمية؛ فتحمّلت المسؤولية بأمانة الله دون تماييز على أساس طبقيٍ، أو عرقيٍ، أو غيره، بل تعاملت مع الجميع على أساس من العدل والمساواة والرّحمة وفق مقتضيات الوحدانية لله التي تشكّل أصلاً أصيلاً يجمع كلّ الأنبياء ورسالاتهم تحت لوائه.
- الإسلام دينٌ يجمع بين أشواق الرّوح ومتطلبات الجسد، وتطلّعات العقل؛ فكان بحقّ دين الوسطية والاعتدال والتّوازن، بحيث يقوم على الموازنة في الحقوق والواجبات، ويدمج بين المثالية والواقعية، ويعترف بالملكية الفردية دون تغوّل على المصلحة الجمعية للنّاس.
- شكّل فشل الأنظمة والمناهج الأخرى التي جرّبها العالم في قيادة البشرية عاملاً جديداً في التأكيد على قدرة الإسلام في حمل راية الاستخلاف في الأرض، وبضدّها تعرف الأشياء.
- الإسلام دينٌ يحمل كلّ مقوّمات الحياة الفاضلة الرّاشدة؛ فهو لا يفصل الدّين عن واقع الحياة، بل جعل من شرائعة ونظمه وأحكامه نبراساً للحياة الآمنة في الدنيا، والسعادة يوم لقائه سبحانه، قال الله عزّ وجلّ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، وهذا ما عفلتْ عنه القوانين الوضعية ومناهجها القاصرة.