ما المقصود بالذرة
تعريف الذرة
الذرة (بالإنجليزية: Atom) هي أصغر جزء يمكن تقسيم المادة إليه دون أن يؤدي ذلك إلى إطلاق أية جسيمات مشحونة كهربائيًا، كما تعد الذرة أصغر وحدة تمتلك الخصائص المميزة لعنصر كيميائي في المادة؛ لذا فإنها وحدة البناء الأساسية للكيمياء.
ظهر مصطلح (ذرة) لأول مرة في اليونان القديمة، ولكن لم يُثبت وجودها حتى أوائل القرن 19 نتيجةً للتجارب التي قام بها العالم جون دالتون، ومع التطور العلمي أصبح من الممكن رؤية هذه الذرات عن طريق المسح المجهري النفقي في القرن 20.
تركيب الذرة
تتكون الذرة من جزأين رئيسيين ، كما هو موضح أدناه:
- النواة الذرية الصغيرة
تحتوي النواة الذرية الصغيرة على جسيمين:
- البروتونات موجبة الشحنة.
- النيوترونات متعادلة الشحنة أو الغير مشحونة.
تدور سحابة الإلكترونات السالبة حول النواة وتمتاز بأن حجمها يفوق حجم الذرة بكثير.
تتولّد بين البروتونات والنيوترونات والإلكترونات قوة جذب تساعد على ربط أجزاء الذرة معًا، وبالرغم من أن معظم الذرات في الطبيعة تتكون من هذه الأجزاء الثلاثة إلا أن ذرة الهيدروجين (H) تعد استثناء، فهي تحتوي على بروتون واحد وإلكترون واحد فقط.
حجم البروتونات، والنيوترونات، والإلكترونات صغير جدًا، لأن 99% من حجم الذرة تقريبًا فراغ، ومن الجدير بالذكر أن عدد البروتونات في نواة الذرة يحدّد نوع العنصر، في حين أن عدد الإلكترونات المحيطة بالنواة يحدّد نوع التفاعلات التي يمكن للذرة القيام بها.
الخصائص الأساسية للذرة
الكتلة الذرية والنظائر
النواة التي تحتوي على 6 بروتونات و6 نيوترونات تمتلك نفس الخصائص الكيميائيّة التي تمتلكها نواة تحتوي على 6 بروتونات و8 نيوترونات؛ ذلك أنّ عدد النيوترونات في النواة يؤثر على كتلة الذرة فقط (خواصّها الفيزيائية) ولا يؤثر على خواصّها الكيميائية.
ويُطلق على نوى الذرات التي تمتلك العدد نفسه من البروتونات وأعدادًا مختلفة من النيوترونات اسم (النظائر)، وفي الطبيعة نجد أن جميع العناصر الكيميائية تمتلك عدّة نظائر.
شكل الذرة
لا يوجد شكل محدد لمعظم الذرات بالرغم من تمتع بعضها بالشكل الكروي التام، ويعود السبب في ذلك أنها تُغير شكلها تبعًا لحالتها الفيزيائية وعدد الإلكترونات الموجودة في مدارها الأخير، أيّ أنّ الذرات متغيرة الشكل.
مراحل اكتشاف الذرة
اكتشفت الذرة على عدة مراحل ، وخلال رحلة اكتشافها مرت بالعديد من الفرضيات، بدايةً بتلك الفرضيات التي بُنيت على المعتقدات الدينية السائدة، نهايةً بالفرضيات التي بُنيت على أسس تجريبية وعلمية.
الفلسفة الذرية لليونانيين الأوائل
كان الفيلسوف اليوناني ديموقريطوس أول من أطلق في عام 430 قبل الميلاد على اللّبنات الأساسية المكونة للمادة لفظ ذرة (atoms)، والتي تعني حرفيًا (غير قابل للتجزئة)، وكان يعتقد بأن الذرة تتمتع بمجموعة من الصفات، كما هو موضح أدناه:
- منتظمة.
- صلبة.
- غير قابلة للضغط أو للتدمير.
- متحركة بأعداد لانهائية عبر الفضاء الفارغ حتى تتوقف.
- الاختلافات في الشكل والحجم الذري هي التي تُحدد الخصائص المختلفة للمادة.
استمر اليونانيون بوضع نظرياتهم حول الذرة ليأتي أرسطو ويرفض فكرة وجود الفراغ، لأنه لم يستطع تصور تحرك الأجسام بسرعة متساوية عبره، لذا تعد النظرية الذرية اليونانية ذات أهمية تاريخية وفلسفية، لكن ليس لها أي قيمة علمية؛ لأنها لم تُبنَ على قياسات أو تجارب.
ظهور العلوم التجريبية
مهّدت أفكار مجموعة من العلماء الطريق أمام ظهور العلوم التجريبية، كتعبير العالم الإيطالي جاليليو جاليلي عن اعتقاده بإمكانية وجود الفراغ.
ظهر أول علم تجريبي لتفسير الذرة على يد الكيميائي روبرت بويل، الذي درس منهجية الهواء في عام 1658م، ونشر قانونه الفيزيائي الذي ينص على أن الضغط والحجم يرتبطان عكسيًا ببعضهما البعض.
بدايات النظرية الذرية الحديثة
قدّم الكيميائي والفيزيائي الإنجليزي جون دالتون أول تطبيق للنظرية الذرية الحديثة للكيمياء في كتابه النظام الجديد للفلسفة الكيميائية؛ وفيما يأتي أبرز إنجازاته:
- بيّن في كتابه صورة مادية لكيفية اتحاد العناصر لتكوين مركبات.
- استنتج قانون النسب المتضاعفة (النسبة بين كتل العناصر المتحدة في التفاعل يُمثّل عدد صحيح وليس كسر).
- اقترح أن جميع ذرات عنصر معين لها نفس الكتلة الثابتة.
- خَلُص إلى أنّ العناصر تتفاعل بنسب محددة لتشكيل مُركّبات؛ لأن الذرات المكوّنة لها تتفاعل بنسب محددة لإنتاج المركبات.
تلا دالتون العالم جاي لوساك الذي توصل إلى العلاقة التي تربط الكتل الكيميائية التي تضمنتها نظرية دالتون الذرية، ووسّعها إلى العلاقات الحجمية للغازات.
نَشَر دالتون ملاحظتين تُعرفان باسم قانون جاي لوساك لدمج الغازات، ومفادها أن الغازات تتحد دائمًا بأبسط النسب عندما تتفاعل مع بعضها البعض.
الأساس التجريبي للكيمياء الذرية
بُنيت الأسس التجريبية للكيمياء الذرية على فرضيات أولية، ففي عام 1811م اقترح أفوجادرو فرضيتين؛ هما كالآتي:
- يمكن ضم ذرات الغازات الأولية معًا في جزيئات بدلاً من وجودها كذرات منفصلة.
- تحتوي الأحجام المتساوية من الغازات على أعداد متساوية من الجزيئات.
لكن منع ولاء الكيميائيين لمبادئ العالم يونس ياكوب بيرسيليوس (الذي حدد الأوزان الذرية للعديد من العناصر بدقة شديدة) من قبول أفكار أفوجادرو حتى أوائل ستينيات القرن 19، أما عدد الذرات الموجودة في الجزيء فأنظمة الترميز الكيميائي المعتمدة قديمًا كانت فوضوية.
في عام 1819م اعتمد مؤيدو النظام المستخدم اليوم تدوينهم الكيميائي على قانون تجريبي صاغه العالمان الفرنسيان بيير دولونغ وأليكسي بتي فيما يتعلق بالحرارة النوعية للعناصر، لكن وجد أن لهذا القانون استثناءات كثيرة ولم يكن مفهومًا بالكامل لحين تطوّر نظرية الكم في القرن 20.
في عام 1858م أعاد الكيميائي الإيطالي ستانيسلاو كانيزارو إحياء أفكار أفوجادرو، وشرحها في المؤتمر الكيميائي الدولي الأول، وفي غضون بضع سنوات، قبلت فرضيات أفوجادرو على نطاق واسع في عالم الكيمياء.
الأوزان الذرية والجدول الدوري
مع اكتشاف المزيد من العناصر خلال القرن 19، بدأ العلماء يتساءلون عن كيفية ارتباط الخواص الفيزيائية للعناصر بأوزانها الذرية، وعليه أسّس الكيميائي الروسي ديميتري مندلييف نظامه على الأوزان الذرية للعناصر كما حددتها نظرية أفوجادرو للجزيئات ثنائية الذرة.
في 1869م قدّم ديميتري ورقته البحثية التي وضع فيها القانون الدوري، لكن نُسب الفضل إلى العالم كانيزارو لاستخدامه أساليب غير قابلة للشك في تحديد الأوزان الذرية، فهو تخطى ديميتري في ترتيبه للعناصر، كترتيب ذرة الهيدروجين لأنها غريبة.
رتّب ديميتري 63 عنصرًا معروفًا في ذلك الوقت في 6 مجموعات وفقًا لأعداد التكافؤ (قدرة العنصر على الاتحاد في مركب ما)، وأدرك أن الصفات الكيميائية تتغير تدريجيًا مع زيادة الوزن الذري.
تنبأ ديميتري بضرورة وجود عنصر جديد أينما كانت هنالك فجوة في الأوزان الذرية بين العناصر المتجاورة، وبذلك كان نظامه أداة بحث وليس مجرد نظام تصنيف.
النظرية الحركية للغازات
توصل عالم الرياضيات السويسري برنولي في عام 1738م إلى أول معالجة رياضية كمية للنظرية الحركية، وفيما يأتي أبرز إنجازاته:
- صوّر الغازات على أنها متكونة من عدد هائل من الجسيمات في حركة فوضوية سريعة جدًا.
- اشتق قانون بويل بافتراض أن ضغط الغاز ناتج عن التأثير المباشر للجسيمات على جدران الحاوية الخاصة به.
- أدرك الفرق بين الطاقة الحرارية (بالإنجليزيّة: Heat) ودرجة الحرارة (بالإنجليزيّة: Temperature)، فالحرارة تجعل جزيئات الغاز تتحرك بشكل أسرع، بينما درجة الحرارة تقيس فقط ميل الحرارة للتدفق من جسم إلى آخر.
استمرت النظرية الحركية للغازات بالتطور ليأتي العالم كلاوسيوس ويضع أول صيغة رياضية لهذه النظرية، ثم تلاه عالما الفيزياء ماكسويل وبولتزمان اللذان أدخلا رياضيات معقدة في الفيزياء لأول مرة منذ نيوتن.
من الأمثلة على إدخال الرياضيات في الفيزياء استخدام ماكسويل قوانين نيوتن للميكانيكا في نظرية الاحتمالات لإنتاج وظيفة التوزيع الشهيرة الخاصة به لسرعات جزيئات الغاز، كما قدّم أساسًا رياضيًا لنظرية أفوجادرو.
افترض ماكسويل وكلاوسيوس وبولتزمان أن جسيمات الغاز كانت في حركة ثابتة، وأنها صغيرة مقارنةً بمساحتها، وأن تفاعلاتها كانت قصيرة جدًا، ثم ربطا حركة الجسيمات بالضغط والحجم ودرجة الحرارة.