ما الفرق بين الهمز واللمز
معنى الهمز واللمز
عرّف العلماء الهمز واللمز كما يأتي:
- معنى الهمز لغةً: همز يهمزُ هَمْزًا فهو هامِز، ويهمز أي: يغمز، أو يطعن، أو يعيب الشخصَ في غيبته، ويأتي منها همْز الشياطين أي قذْف الوساوس في قلب الإنسان، ويُقال: همز به الأرض؛ أي صرعه.
- معنى اللمز لغةً: لمز يلمزُ فهو لامِز، ويُقال لمز الشخص؛ أي أشار إليه بشفتيه، أو عينيه، أو يديه؛ ليعيب بتلك الحركة شخصاً آخر، مع التكلّم بكلامٍ خفيّ يعيب الشخص، ويعرّف الهمز واللمز بأنّه الانتقاص من شخص بعينه أو بعرضه تلميحاً دون الصراحة في ذلك.
الفرق بين الهمز واللمز
غالباً ما يُقصد من الهَمْز واللَّمْز مَقصَدٌ واحد، وهو الانتقاص من الناس، أو ذِكْر عيوبهم، لكنّ بعض العلماء فرّقوا بينهما؛ فذكروا أنّ الهمز أشد من اللَّمْز، وبعضهم قال بأن اللَّمْز يكون بحديث اللِّسَان أي: بالقول، بينما الهَمْز يكون بالفعل؛ كحركة يدٍ، أو غمزعينٍ. وفي القرآن الكريم ذكر الله -تعالى- الهمز واللمز موضحاً قُبح إتيانهما في عدة مواضع، منها: قول الله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)، أي: لا يعب بعضكم بعضاً، وقوله أيضاً: (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) وكذلك قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ).
وقد يُقصد بالغمز بالعين الخيانة والغدر،وهو محرّمٌ أيضاً؛ كأن يعطي رجلٌ الأمان لشخصٍ يتحدّث إليه، ثم يغمز بعينه رجلاً آخر ليعتدي عليه من خلفه، وقد يكون الغمز بالعين من رجلٍ إلى امرأةٍ، وكذلك التواصل المحرّم بين الرجل والأجنبية عنه، فهذا أيضاً كسابقه داخل في الغمز المنهي عنه، وهكذا فإن الإسلام قد حرّم الهمز واللَّمْز، سَواءٌ ترتّب عليه الطَّعْن في الناس، والانتقاص منهم، أو الاستهزاء والسخرية بهم، أو الاعتداء عليهم وخيانتهم، أو كان بنظراتٍ محرّمة من رجلٍ إلى امرأةٍ لا تحلّ له، فكلها حرّمها الله -تعالى- فقال: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ).
السخرية في الإسلام
حرّم الإسلام قبيح الخُلق، وسيء الأفعال، وجعل من أشدّ الأخلاق تحريماً التَّسَبُّبُ في تفريق الناس عن بعضهم، ومن ذلك تحريم الهمز واللمز، اللذان يقصدان بشكل واضح الاستهزاء والسخرية من الناس، وقَد عدّ الله -تعالى- السخرية والاستهزاء من أخلاق المنافقين ؛ فهي صفة ملازمة لهم، ولا يليق بمسلم التَخَلُّق بأخلاق المنافقين، قال تعالى: (يَحْذرُ المُنَافِقونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تحْذرُونَ)، فالإسلام قبّح السخرية والاستهزاء؛ لأنهما ينبعان من شعورالمُسْتَهْزِئ بالغرور، والكبر ، والاستعلاء على الناس؛ فلا يستشعر استحقاق الناس للاحترام والتوقير، بل إلى التصغير والانتقاص، وقَد حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الداء، وقرن وجوده في قلب المَرْء بسوءِ العاقبة ؛ حتى ينفّر منها المسلمين، فقال: (لا يدخلُ الجنَّةَ مَن كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ. قال رجلٌ: إنَّ الرَّجلَ يحبُّ أن يكونَ ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنةً. قال: إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ. الكِبرُ بَطرُ الحقِّ وغمطُ النَّاسِ)، وللسخرية أنواعٌ وأشكال عدّة، منها:
- الاستهزاء بالله تعالى، وهي أقبح أنواع السخرية، وأعظمها حرمةً، فالله -تعالى- واحد أحد، خالق واجدٌ، لا يشبهه أحد، حاز صفات الكمال والجلال، فإذا كفر بوجود الله -تعالى- كافر، واعتقد أنّه ما من إلهٍ خلق هذه السماوات والأرض، كان هذا استهزاءً به سبحانه، وإذا أنكر امرؤٌ صفاته -سبحانه- فجعل له شريكاً يُعبَد من دونه، كان هذا استهزاءً وكفراً به. ومن الاستهزاء كذلك وصف الله -سبحانه- بما لا يليق من الصفات، ومثال ذلك ما ذكره الله -تعالى- في كتابه العزيز، حيث قال: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)، ومن الاستهزاء بالله تعالى، الاستهزاء بالقرآن الكريم ، والطعن في آياته، وأحكامها ووصفها بالنقص والعجز، وهذا كله من الاستهزاء به سبحانه.
- الاستهزاء بالأنبياء والرسل، وهذه عادة الظالمين في كَلّ قومٍ أُرسل إليهم نبيٌّ من عند الله سبحانه، أن يكْفروا به ويكذّبوه، ويستهزؤوا به، ويصفوه بصفاتٍ لا تليق بمقام النبوة والرسالة، وهو أشرف خلق الله، اصطفاه عليهم ليبلغهم رسالاته. فقوم نوح استهزؤوا بنبيهم عندما رأوه يبني السفينة في الصحراء، وكذلك قوم هود ، وقوم صالح ولوط عليهم السلام، وحتى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لم يسلم من استهزاء الكفار، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا*إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا)،
- الاستهزاء بعموم الناس، ومن ذلك الاستهزاء بأهل الدين والعمل الصالح، وبعضهم يَسْتَهْزِئُ بخِلْقَة الناس، وأشكالهم، وصورهم، مع علمهم بأنّ الله -تعالى- هو من صورهم على هذه الهيئة، وهناك من يَسْتَهْزِئ بالمقصّرين من المسلمين، ويَتَأَلَّى على الله -تعالى- أنه لن تُقبل توبته ، أو عودته عن معاصيه، وهي من أكبر الذنوب عنده سبحانه؛ فهذا تطاول على حكم الله ومشيئته، وأيضاً لا يجوز لمسلمٍ أن يُقَنِّط أخاه من رحمة الله، وتوبته عليه؛ ففي الحديث الصحيح: (أنَّ رجلًا قال: واللهِ! لا يغفِرُ اللهُ لفلانٍ. وإنَّ اللهَ تعالَى قال: من ذا الَّذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفرَ لفلانٍ. فإنِّي قد غفرتُ لفلانٍ، وأحبطتُ عملَك). فبدلاً من أن يَسْتَهْزِئ المسلم بأخيه المقصر، عليه أن ينصحه ويوجّهه إلى فعل الصواب، وأن يحذَر مما حذّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ)، أي يكفيه من الشر أن يحتقِر أخاه المسلم، وفي ذلك إشارة واضحة إلى قُبح الاحتقار والاستهزاء، وسوءِ عاقبة ذلك الفعل عند الله -تعالى- وعند رسوله صلى الله عليه وسلم.