ما الفرق بين القضاء والقدر والمكتوب؟
ما الفرق بين القضاء والقدر والمكتوب؟
القضاء والقدر من أركان الإيمان التي لا يتمّ إيمان عبدٍ إلا بإيمانه بالقضاء والقدر خيراً أو شراً، مع الإيمان بأن تصريف الأمور بيد الله -تعالى- وأنَّه لا يكون شيء ولا يتحول متحول ولا يسكن ساكن إلا بأمر الله -تعالى- فهو المتصرف بالكون.
وأنَّ الأشياء تأتي كما قدرَّها -سبحانه-، فأشكال الأشياء ومواعيدها ووصفها وجنسها، كل ذلك لا يأتي عبثاً وإنما يأتي بقدر الله -تعالى- وقدرته، والأدلة على ذلك ما يأتي:
- قال الله -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
- قال الله -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ) .
معنى القضاء
معنى القضاء في اللغة متعدد على معانٍ عدة وهي كما يأتي:
- قضاء بمعنى حَكَمَ، ومنه قوله -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ).
- قضاء بمعنى فرغ، تقول: قضيت الحاجة؛ أي فرغت منها.
- قضاء بمعنى أدّى وأنهى، تقول: قضيت ديني.
- قضاء بمعنى مضى، تقول: قضى فلان؛ أي مات.
- قضاء بمعنى صنع، يقال: قضاه؛ أي صنعه، ومنه قوله -تعالى-: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) .
- بمعنى القدر.
المعنى في الاصطلاح، فقد تعددت التعريفات وتشعبت في بيان مفهوم القضاء ويمكن الاقتصار على أحد هذه التعريفات، يقول الجرجاني: "الحكم الكلي الإلهي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد".
معنى القدر
معنى القدر في اللغة متعدد على معانٍ عدة وهي كما يأتي:
- القدْر، بمعنى مبلغ الشيء ومنزلته، قال الله -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
- القدرة، تقول: لا قدْر لي على فلان؛ أي لا قدرة.
- قدّر، من التقدير، تقول: كم تقدر الثمن؟
- قَدَر، بمعنى جاء على المقدار، قال الله -تعالى-: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ) .
- القَدَر، يقدره الله من القضاء.
القدر في الاصطلاح عرّفه الجرجاني: "تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخاصة، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان وعين وسبب معين عبارة عن القدر".
الفرق بين القضاء والقدر
ذهب العلماء إلى التفريق بين القضاء والقدر في مذاهب كثيرة، وفسروها بتفسيرات متعددة، قابلة لتكون صحيحة بمجملها على الرغم من تعدد الأقوال فيما بينها، ونذكر هنا بعضاً من هذه المعاني والفروقات فيما يأتي:
- يذهب كثير من العلماء، أنه لا فرق، ولا اختلاف بين القضاء والقدر
وأنهما مصطلحان مترادفان، لا يختلفان في المعنى، وكلاهما في معنى واحد، قال الإمام الخطابي : "وجماع القول في هذا الباب أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه".
- يرى كثير من العلماء أن القدر سابق على القضاء
ويجعل ذلك في ترتيب ومراحل يمرّ بها القضاء والقدر، منها ما قبل القضاء والقدر، ومنها ما هو بعد القضاء والقدر، ومثال على ذلك ما ذهب إليه العلامة أبو هلال العسكري ، حيث يقول: "فالمشيئة قبل الإرادة، والإرادة قبل القدر، والقدر قبل القضاء، والقضاء قبل الإمضاء، وهو الخلق، وهو إبراز المعدوم في الوجود، وتأليفه، وتركيبه".
- يرى كثير من العلماء أنَّ القضاء سابق على القدر، والقدر يأتي بعد القضاء
حيث إنَّ القضاء هو الحكم بالكليات؛ أي إنَّ الله -تعالى- لمَّا أراد أن يخلق الخلق، جعل للخلق إرادة كُليَّة مجملة غير مفصلَّة، فحكم بها وأمر بها، ثم بعد ذلك فصَّل الأمور، وجعلها في جزئيات صغيرة وحكم بها بالتفصيل، وهكذا يكون الكُلي سابق على الجزئي والكلي؛ هو القضاء، والجزئي، هو القدر، إذاً فالقضاء سابق للقدر.
أقوال العلماء فيما سبق تُشير إلى أنَّ الاختلاف ليس جوهرياً، وإنما هو اختلاف أقرب إلى كونه اختلافاً اصطلاحياً، وهو نوع من الاختلاف في التعبير عن شيءٍ واحد، يتفق عليه الجميع، ولو استخدمنا القضاء بمعنى القدر، أو القدر بمعنى القضاء، فلا شيء يمنع من ذلك.
ما هو المكتوب؟
الله -تعالى- كتب ما هو كائن وما سيكون في كتابٍ عنده فلا تبديل فيه، والقضاء والقدر مكتوبان في كتاب عند الله -تعالى- وكل شيء قدره الله -تعالى- وقضاه فهو مكتوب، لا تبديل في ذلك غير أنَّ المكتوب عند الله -تعالى- شيئان بينهما ما يأتي:
- شيء قابل للنقص والزيادة
وهو ما أمر الله -تعالى- به أن يكون، ولكن الله -تعالى- قد يغير ذلك بسبب أفعال هذا العبد، فإذا وصل العبد رحمه -مثلاً- فإنَّه يزيد في عمره أو في رزقه، وهذا هو المكتوب والموجود بأيدي الملائكة ، فإذا دعا العبد ربَّه بطول الأجل، استجاب الله له وأمر الله -تعالى- بمحو ما غير ذلك وتبديله، وهذا هو قول الله -تعالى-: (يَمحُو اللَّـهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ).
وهذا يدلُّ عليه ما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ). فإنَّ البسط و الرزق يتغيران تبعاً لفعل العبد، فإذا أحسن في العمل بسط الله له الرزق والأجل.
وما بعد التغيير والتبديل وهو الثابت، هو المكتوب في أمّ الكتاب، أمَّا ما قبل التغيير فهو مكتوب عند الملائكة للتنفيذ، أما المكتوب عند الله -تعالى- فلا يتغير، ولا يتبدل.
- شيء لا يغيره الله -تعالى-، وهو الذي قُدَّر أن لا يتغير ولا يتبدل فلا مُغيِّر له، ويدلُّ عليه ما في الآية السابقة: (وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ).