ما الحكمة من تكرار القصص في القران الكريم
الحكمة من تكرار القَصص القرآنيّة
كُرِّرت بعض القَصص والأخبار في القرآن الكريم؛ للعديد من الحِكَم، والغايات، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- إظهار فصاحة وحُسْن كلام القرآن الكريم ضمن أكثر الدرجات رِفعةً، وفضلاً، وبطريقةٍ مُميّزةٍ تُذهل العقول؛ إذ تُذكَر القصّة نفسَها في أكثر من موضعٍ، بسياقٍ جديدٍ مُختلفٍ عن سابقه؛ ليكتشف القارئ بذلك العديد من العِبَر والدلالات الجديدة التي تُجدّد همّته، وتُحيي نَفْسه لتلاوة آيات القرآن.
- ضمان وصول وتحقُّق الفَهْم المطلوب الذي أراده الله -تعالى- للناس، وتوثيق المعلومات والأحكام في عقولهم وقلوبهم.
- إيصال رسالة الإسلام وتبليغها إلى أكبر عددٍ ممكنٍ من العباد؛ فقد نزل القرآن الكريم مُنجَّماً مُتفرِّقاً، وتنوَّعت الأساليب فيه؛ فتارةً ترهيباً وتخويفاً للناس مِمّا حَلّ بغيرهم من الأقوام حين رفضوا اتِّباع الحقّ، وحاربوه، وتارةً ترغيباً في ما ناله غيرهم مِمَّن اهتدَوا إلى طريق الحقّ والصلاح؛ فلم يقتصر الإسلام على قوم محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-؛ بل أُنزِل إلى الناس كافّةً.
- مُواساة النبيّ محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، وتثبيته لحَمْل رسالة الإسلام؛ قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هـذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ)، كما تُبيّن القَصص القرآنيّة ما لاقاه رُسُل الله -عليهم السلام- من قِبل أقوامهم، ونهاية حال مَن خالفَهم، وبيان تأييد الله -عزّ وجلّ-، ونُصرته لأنبيائه ورُسُله، ومَن أيَّدَهم وآمنَ بهم من العباد، وفي القَصص القرآنيّ أيضاً رسالةٌ لِمَن أعرضوا عن دِيْن الله، وشريعته ، والتحذير من السَّير على طريقهم.
- تتبُّع ما حدث ووقع فِعليّاً؛ لأخذ العِظة والعِبرة، وتثبيت فؤاد الرسول -كما تقدّم-؛ ولذلك لم تُذكَر أيّ قصّة من قَصص الأنبياء كاملةً في أيّ مَوضعٍ من مَواضع القرآن، باستثناء قصّة يوسف -عليه السلام- في السورة التي سُمِّيت باسمه.
- ضَرْب الأمثال، وإعادة سَرْد وصياغة الكثير من القَصص في القرآن؛ بهدف الاستدلال على حدثٍ أو أمرٍ أراده الله -تعالى-، وتدعيمه.
- تذكُّر القَصص دائماً، وتثبيت الأخبار في القلب والعقل، والحصول على الفائدة المَرجُوّة منها؛ فقد يغفل البعض عن أمورٍ مُهمّةٍ؛ ولذلك عُرِضت القَصص في أكثر من مَوضعٍ وسورةٍ.
- التأكيد على عدّة أمورٍ لا بُدّ من الالتفات إليها، وإعطائها أولويّةً؛ إذ يُعَدّ الأسلوب القَصصيّ من الأساليب المرغوب فيها؛ ممّا يعني مَيل المسلم إلى الاستماع إليها، وقراءتها، وتكرارها؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ*حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)؛ فلكلّ ما ذُكِر في القرآن الكريم عدّة حِكَم مُهمّة في حياة المسلمين.
- إيصال المعنى بأدقّ التعابير والأوصاف المُختلفة للقصّة الواحدة.
تعريف القَصص القرآني
القََصَص لغةً: مصدر قصَّ، وهو: تتبُّع الخَبر، وجَمْعه، ونَقْله، وسَرْده، وإعلامه، وقد ورد لفظ القَصص في القرآن الكريم في أكثر من مَوضعٍ بمعنى تقفّي الأَثَر والأخبار، كقوله -تعالى-: (قالَ ذلِكَ ما كُنّا نَبغِ فَارتَدّا عَلى آثارِهِما قَصَصًا)، وقَوْله -تعالى-: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، وقَوْله أيضاً: (لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلـكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ)، وقَصص القرآن هي: ما أخبر به القرآن الكريم مِمّا يتعلّق بماضي الأقوام السابقة، ورسالات الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، وغيرها من الأحداث والوقائع.
مُميّزات القَصص القرآنيّ
تتميّز القَصص القرآنيّة بعدّة أمور مُختلفة عن غيرها من القَصص، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- بيان بلاغة القرآن، ودقّة وَصْفه الوقائع بالتفصيل، وبيان ما آلَ إليه حال الأقوام السابقين من هدايةٍ، أو عذابٍ، وقد حقَّق أسلوب القصّة في القرآن الكريم ذلك؛ قال -تعالى-: (لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلـكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ)، إذ لم تُذكَر القصّة في القرآن للتسلية، والسَّرْد، ومعرفة سوابق الأحداث فقط.
- تكامُل عناصر بناء القَصص القرآنيّة ، كما أنّ أحداثها واقعيّةً بعيدةً عن المُبالغة، والأكاذيب، والأساطير؛ فقد وَصفَها الله -تعالى- بأنّها حَقٌّ؛ فقال: (إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا اللَّـهُ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بالإضافة إلى أنّ موضوعات القصّة هادفةً، وواضحةً تُؤثّر في المسلم من جوانب عدّةٍ، وتُثير تفكيره؛ للبحث، ومعرفة المَزيد؛ قال -تعالى-: (فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ)، فللتفكُّر بمعاني القصّة ونتائجها وَقْعٌ قويٌّ في النَّفْس والقلب؛ ولذلك يحرص المسلم بعد التفكُّر في القَصص على التمسُّك بإيمانه، والسَّعي إلى الاجتهاد في العمل الصالح.
- ذِكْر قَصص القرآن مُوجَزةً؛ للاستشهاد والاستدلال بها؛ إذ لم تُذكَر في كثيرٍ من المَواضع كاملةً؛ وذلك لتنسجم مع الفكرة العامّة للسُّورة.
- انفراد قَصص القرآن بأسلوبها اللافِت الذي يجذب القارئ؛ لإتمامها، ومعرفة تفاصيلها، والتأثُّر بأحداثها، والتفاعُل مع الغرض الأساسيّ منها، ويكون التأثُّر لهدفٍ أرادَه الله -تعالى-؛ فتُذكَر جُزئيّةٌ مُعيَّنةٌ من القصّة؛ لتثبت في عقل قارئ القرآن ونفسه، ويبتعد عن الالتفات إلى الأمور الزائدة غير المُهمّة والتي قد تُشتّت انتباه القارئ عن إدراك الغاية المَرجُوّة منها.
- تَطرُّق قَصص القرآن إلى جوانب عدّةٍ من أكثرها تميُّزاً الجانبُ الدينيّ؛ لتتعمّقَ بذلك المفاهيم والأحكام الإسلاميّة التي أرادها الله -تعالى- في النفوس، ويمتثل المسلمون لتلك الأحكام برضا وقناعةٍ تامّةٍ.