ما الحكمة من بقاء باب التوبة مفتوحاً أمام العاصي
الحكمة من بقاء باب التوبة مفتوحا أمام العاصي
جعل الله -تعالى- برحمته باب التوبة مفتوحاً أمام عباده، حتى وإن كان الذنب كبيراً، واستثني من ذلك الشرك بالله -تعالى-؛ فقال: (نَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ)، وتوجد العديد من الحِكَم لإبقاء باب التوبة مفتوح، وعدم إغلاقه في وجه أحد، ومن هذه الحِكَم ما يأتي:
- رحمة من الله -تعالى- بالعاصي، وحفظاً له من اليأس، وهي كذلك رحمة من الله -تعالى- بالمجتمع؛ كي لا يشقى بسبب العُصاة.
- رحمة من الله -تعالى- بالحياة وحركتها؛ فلو لم يكن باب التوبة مفتوحاُ لكان مصير كلّ عاصٍ إلى النار، وهذا يؤدّي بالعاصي إلى الإكثار من الذنوب؛ لعلمه بمصيره المحتّم، إذ أنّه لا فرق بين الذنوب القليلة والكثيرة، ولكن عند علمه أنّ هناك توبة مفتوحةً بوجه كُل عاصي فإنه يتوب ويتوقّف عن ذنوبه.
- حماية الإنسان من الهلاك؛ لكثرة تعرضه للخطأ والمعصية؛ فلو آخذه الله -تعالى- بذنوبه لأهلكه.
- محبة الله -تعالى- لعباده التائبين، وعدم مؤاخذتهم بالمعصية فور حصولها وارتكابها، لعلّمه أنهم مُعرضون للخطأ، وغير معصومون؛ فمن أسمائه -عزّ وجلّ- الغفور والتواب، فهو الذي يغفر لهم ذنوبهم، ويجبر قلوبهم برحمته وتوبته عليهم.
التوبة من المعاصي
التوبة الحقيقية من المعاصي تكون بتركها والابتعاد عنها، مع الندم على فعلها، والعزم على عدم الرُجوع إليها، وليس قولها باللسان فقط، وهذه هي التوبة التي سمّاها الله -تعالى- في القُرآن الكريم بالتوبة النصوح، بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، وهذه التوبة سهلة ويسيرة على من علم عظمة الله -تعالى-، وعظيم نعمه عليه؛ فالعلم بالنعمة يُقابل بالشكر والعبادة.
في أي وقت يقفل باب التوبة
بيّن الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام- الوقت الذي يقفل فيها باب التوبة وتكون حينها التوبة غير مقبولة، وبيانها فيما يأتي:
- عند طُلوع الشمس من مغربها؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها، فإذا طَلَعَتْ فَرَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ، فَذلكَ حِينَ: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ، أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْرًا})، وجاء في الأثر عن قتادة أنّ ابن أُمّ مكتوم قال: إنّ باب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، وحين يراها الناس يؤمنوا جميعاً، ثُمّ تلا قوله -تعالى-: (لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا).
- عند الغرغرة؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغرُ)؛ أي عند بُلوغ الروح مخرجها؛ لأنّه عندها يرى الإنسان مقعده من الجنة والنار، فيؤمن لما يراه من حقّ في كلام الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الوقت أخبر الله -تعالى- عنه بقوله: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)، وفي هذه الحالة قد يرى الإنسان الملائكة ، وجاء عن المناوي أنّ التوبة في حالة اليأس من الحياة -مثل لحظة الغرغرة- غير مقبولة؛ لأنه يُشترط في التوبة العزم على تركها؛ وهذا لا يتحقق إلّا في حال الحياة.
والحكمة من عدم قبول التوبة في هذه الأوقات هي أنّ هذه الأوقات فيها دلالات واضحة على تغيّر حال الإنسان وبدء يوم القيامة، وابتداء مشاهدته للغيب؛ فما كان غيباً على الإنسان يُصبح مُشاهداً؛ فلا ينفع الإيمان حين حصول ذلك؛ فذلك حال الإيمان حين الغرغرة، وكذلك عند طُلوع الشمس من مغربها يُقفل باب التوبة ولا يُفتح بعدها؛ لإنذارها بقيام الساعة.