لماذا صلاة الظهر والعصر سرية
لماذا صلاة الظهر والعصر سرية
إنّ التلاوةَ في صلاة الظهر والعصر سريّة، ولم يأتِ نصٌ في بيان الحكمة من ذلك، إلا أنّ بعض العلماء ذكروا أنّ وقت صلاة الظُّهر والعصر؛ هو وقت انشغالٍ وعملٍ وسعيٍ لطلب الرزق، فيناسبه أن تكون التلاوة سريّة؛ لأن العقل حينها يكون ممتلئاً بأشغال الحياة وأعمالها، فيتحقّق الخشوع والتفكُّر في الصلاة، فيشتغل الشخص بقرءاته بينه وبين نفسه، ولا ينشغل بشيءٍ آخر، أما الصلاة الجهريّة، فإنّ الليل غالباً يقلُّ فيه المشاغل وكذا الفجر، فإنّ المرء لم يبدأ في انشغالاته بعد، فيكون القلب فارغاً، فيستمع بإنصاتٍ ليستفيد ويتدبّر من قراءة الإمام الجهريّة.
أُمِرَ المُصلّي باعتدال الصوت في القراءة، أي ما بين الجهر والسّر، لقوله -تعالى-: (وَلا تَجهَر بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِت بِها وَابتَغِ بَينَ ذلِكَ سَبيلًا)، فالصلاة المقصودة هُنا؛ صلاة التهجّد والقيام، فإذا صلّى المُصلّي وكان بالمجلس مُستيقظين ونائمين، فيقرأ باعتدال؛ مُراعاةً للنّائمين ولينتفع السامعين، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة التهجّد بالجهر، فيتعرّض المشركون بالسّب على القرآن وعلى من أنزله -عزّ وجل-، فأتى النّهي عن الجهر، فانتهى النبيُّ عنه، ثم أصبحت تفوت الفائدة على أهل بيت النبي ومن يستمع، فأمر الله -تعالى- بالاعتدال بين الجهر والسر، وعلى المسلم أن يُطبّق أحكام الله -تعالى- ويقتدي بنبيّه -عليه الصلاة والسلام-، فيفعل ما يأمره به وينتهي عما نهى عنه حتى لو لم يتوصّل للحكمة، غير أنّه لا مانع من البحث عن السبب بعد التنفيذ والالتزام بالهديِ النبوي، قال -تعالى- :(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال : (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).
قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر
ورد في السنة النبويّة قدْر ما يُقرأ من القرآن في صلاة الظهر والعصر، فعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَقرَأُ في الظُّهرِ وَالعَصرِ ب {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}، وَنَحوِهما، قالَ عَفَّانُ: وَنَحوِهما مِنَ السُّوَرِ)، فهذا الحديث يدلّ أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يُخفِّف القراءة في صلاة الظهر والعصر، وورد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أيضاً أنه كان يُطيل القراءة في أوقاتٍ أُخرى، وقد وصف الصحابة هذه الإطالة بمقدار ذهاب الشخص للبقيع، فيقضي حاجته ويتوضّأ ثُم يعود، والنبيّ ما زال في الركعة الأولى، فصلاة النبيّ فيها مراعاة لوضع المُصلّين، حيث يُطيل في الركعة الأولى؛ ليدركه المُتأخّرون، ويقرأ في أول ركعتين الفاتحة وسورة بعدها؛ لأنّ النّاس أنشط في بداية العبادة، ويقتصر في آخر ركعتين على الفاتحة؛ حتى لا يملّ المصلّي أو يقلّ تركيزه.
ومما ورد من سنن الصلاة دعاء الاستفتاح، والاستعاذة، وقول آمين بعد تأمين الإمام، وقراءة سورة أخرى بعد الفاتحة، فعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِن صَلَاةِ الظُّهْرِ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ في الأُولَى، ويُقَصِّرُ في الثَّانِيَةِ ويُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وكانَ يَقْرَأُ في العَصْرِ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ وسُورَتَيْنِ)، ومن السنن أيضاً قول المُصلّي: "سبحان ربيَّ العظيم" في الرّكوع، و قول: "سبحان ربيَّ الأعلى" في السجود، ويدعو بين السجدتين، فقد جاء عن حذيفة -رضي الله عنه- (أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: "ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي)، ومن الاستحباب عند جمهور الفقهاء قراءة طوال المُفصَّل، وطوال المُفصَّل هي التي تبدأ من سورة الحجرات إلى نهاية سورة البروج.
أهمية الصلاة في الإسلام
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي لا يكتمل إسلام العبد إلا بها، فمن عظمتها أنّها فُرِضت في السماء في ليلة الإسراء والمعراج ، والمحافظة عليها علامة على حُبِّ العبد لربه، وشُكره على نعمه، وهي من أفضل الأعمال، فحين سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللَّهِ؟ قالَ: الصَّلَاةُ علَى وقْتِهَا)، والصلاة طهارةٌ ونقاءٌ للجسد والروح من المعاصي والذنوب، وقد خصّها الله بالذكر من بين سائر العبادات في عدّة مواضع، مثل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وتكرّر ذكرها في السنة النبويّة، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتقوا اللهَ في الصلاةِ، اتقوا اللهَ في الصلاةِ، اتقوا اللهَ في الصلاةِ)،، وتركُ الصلاةِ ظلمٌ للنّفس، ففي الصلاة استسلام وخضوع لأمر الله -سبحانه وتعالى-، ويتحصّل منها التربية الإيمانة الصحيحة؛ من صدقٍ، وصبرٍ، وجهادِ نفسٍ، وتقوى، وتوكلٍ على الله -عز وجل-، وفيها تمام التجرّد لله -تعالى- والاستعانة به.
والصلاة عماد الدين؛ فهي أعظم عبادة في الاسلام، ومن عظمتها أنّ الشرائع السماوية جميعها قد اشتركت في هذه العبادة، ولا تسقط مهما كان حال الشخص، فالمواضع التي يَشُقّ على المسلم فيها تأديتها كاملة فإنّها تُخفَّف، والأمر بالطهارة للصلاة وبناء المساجد؛ كُلُّ هذه أمورٌ تُظهر لنا عظمة الصلاة ومكانتها في التشريع الإسلامي، وفيها ترويضٌ للنفس على قبول الأوامر الإلهية، ولها آثار على حياة المسلم العملية؛ فهي ناهيةٌ عن الشر، وآمرةٌ للخير، قال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، وبها تجتمع الأُمّة على كلمة التوحيد، حين يتّجه المسلمون إلى نفس القبلة، ففي المسجد تُبنى الدعائم الأساسية للمجتمع الإسلامي. والحفاظ والحرص على الصلاة دليلٌ واضح على الإيمان، وقوّته، والتقوى ، وحُبّ الصلاة وتعظيمها يُشير إلى حُبّ العبد لله -عز وجل-.