لماذا سميت سورة الحجر بهذا الاسم
لماذا سميت سورة الحجر بهذا الاسم
سمِّيت سورة الحجر بهذا الاسم؛ لأنَّ آياتها تحدَّثت عن قوم ثمود؛ وهم أصحاب الحجر، والحجر اسم المنطقة التي كان يسكن بها قوم ثمود وهي وادي بين المدينة والشَّام، وسورة الحجر سورةٌ مكيَّةٌ ، عدد آياتها تسعٌ وتسعون آيةً، ولا يُطلق اسمٌ آخر على هذه السُّورة غير اسم سورة الحجر، ومنطقة الحجر؛ مدينة قوم سيدنا صالح -عليه السلام-؛ ويُطلق عليهم قوم ثمود، وعند ذهاب النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك مرَّ بمنطقة الحجر مروراً سريعاً؛ لأنَّها منطقة عذاب فيجب على من يمرُّ بهذه المنطقة الإسراع، فقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، وسبب تعذيب الله -تعالى- لقوم ثمود؛ هو تكذيبهم لنبيِّ الله صالح -عليه السلام-، وعدم إيمانهم بجميع الرُّسل السَّابقة، فالحجر اسمٌ لمنطقة قوم ثمود؛ وهي وادي يمرُّ به من يذهب من الشَّام إلى الحجاز.
قصَّة أَصحاب الحجر
أرسل الله -تعالى- سيدنا صالح -عليه السلام- إلى قوم ثمود؛ وقد كانوا يسكنون في وادي الحجر، وهي المنطقة الواقعة بين المدينة المنوَّرة والشَّام، إذ يمرُّ بهذه المنطقة كلُّ من كان ذاهباً من الحجاز إلى الشَّام أو عائداً من رحلته، ولمَّا دعا سيدنا صالح -عليه السلام- قومه إلى عبادة الله -تعالى- وحده؛ كذَّبه قوم ثمود، وبذلك كذَّبوا جميع الرُّسل -عليهم السلام- الذين أرسلهم الله -تعالى-، فدعوة الرُّسل -عليهم السلام- واحدةٌ وهي عبادة الله -تعالى- وحده، ومن كذَّب واحداً من الرُّسُل -عليهم السلام- فقد كذَّب جميع الرُّسُل -عليهم السلام- من قبله، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ* وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ).
وأرسل الله -تعالى- معجزة النَّاقة لقوم ثمود، وأمرهم بتقسيم الماء بينهم، فيجعلون للنَّاقة يوماً كاملاً من الماء الذي يستقون منه، ويجعلون لهم يوماً كاملاً من الماء الذي يستقون منه، وأخبرهم بالمحافظة على النَّاقة وحمايتها وعدم مسِّها بأيِّ سوءٍ أو تعذيبٍ، فإن قاموا بتعذيبها أو إيذائها فسينالهم عذابٌ عظيمٌ وشديدٌ من الله -تعالى-، لكنَّ قومه كذَّبوه وقاموا بذبح النَّاقة التي أرسلها الله -تعالى- لهم موعظةً وهدى، فأرسل الله -تعالى- عليهم العذاب؛ فدمّرهم جميعاً، قال الله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ).
كان صالح -عليه السلام- يعظهم بآياتٍ كثيرةٍ في الكون من حولهم وفي أنفسهم، لإقناعهم بالإيمان بالله -تعالى- وحده، لكنَّهم كذَّبوه وكذبَّوا ما جاء به من آياتٍ ومعجزاتٍ، وكان قوم ثمود يسكنون في بيوتٍ محصَّنةٍ متينةٍ وقويةٍ، حيث قاموا بنحت الجبال وجعلها بيوتاً لهم يتحصَّنون بها، لكنَّ هذه البيوت الشَّديدة لم تحصِّنهم من عذاب الله -تعالى-، فقد أرسل الله -تعالى- عليهم صيحةً شديدةً دمّرتهم جميعاً، فلم تغنِ عنهم حصونهم شيئاً من العذاب الشَّديد، قال الله -تعالى-: (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ* فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
مقصود سورة الحجر
بدأت سورة الحجر بأسلوب التحذير والتهديد؛ لتبيّن سوء عاقبة من يُكذّب برسل الله -تعالى- وأنبيائه في كافة الأزمنة والعصور، قال -تعالى-: (رُبَما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا لَو كانوا مُسلِمينَ* ذَرهُم يَأكُلوا وَيَتَمَتَّعوا وَيُلهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوفَ يَعلَمونَ)، يتَّضح مقصود سورة الحجر جليَّاً واضحاً في إظهار القرآن الكريم بأنَّه أعظم كتابٍ في جمع معاني الحقِّ وإيصالها بشكلٍ واضحٍ، فقد كانت آيات قصَّة قوم ثمودٍ واضحةً جليةً، لا يمكن لأحدٍ إنكارها أو عدم فهم مقصودها، فقد جاءت آيات قوم ثمود واضحة جليَّةً في الدلالة على رسالة التَّوحيد لله -تعالى- وحده وترك الشِّرك والجهل، ولفظ الحجر يدلُّ على مقصود السورة، وهو الجمع والإحاطة بكلِّ الجوانب دون إغفالِ أيِّ جزءٍ منه، مثل القرآن الكريم الجامع لكلِّ ما يصلح للأمَّة الإسلاميَّة بكلِّ وضوحٍ.
وترشدنا سورة الحجر أيضاً إلى مقصودٍ أساسيٍّ، وهو المحور الأوَّل في سورة الحجر؛ وهو توضيح جزاء الكافرين والمكذِّبين للدِّين الحقِّ، البعيدين عن عبادة الله -تعالى- وحده، فكلُّ ما جاءت به سورة الحجر من موضوعاتٍ مختلفةٍ من قصَّة أصحاب الحجر، أو آيات الكون، أو مشاهد يوم القيامة، وجميع التَّوجيهات والآيات التي تسبق القصص في سورة الحجر ترجع إلى المقصود الأساسي في السُّورة؛ وهو بيان قدرة الله -تعالى- وعظمته، وقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)، فهذه الآية تدل على صفة الأقوام المكذِِّبين الذين لا ينفع معهم الإنذار ولا يستجيبون للدَّعوة الحقِّ.
وتخبرنا سورة الحجر عن الذين يظنُّون أنَّ الله -تعالى- لا يُعذِّب أحداً؛ فتخبرهم بقدرة الله -تعالى- على إنزال العذاب الشَّديد بالقوم المكذبين؛ قال الله -تعالى-: (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ)، وتدلُّنا على الكيفيَّة الصَّحيحة لتعامل المنذر مع المنذرين المكذّبين بدعوته، وتتحدَّث سورة الحجر عن محورٍ أساسيِّ تمَّ ذكره في سورة البقرة؛ وهو إخبارنا عن الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه الآخر، وتُعدُّ سورة الحجر مقدِّمةً أساسيةً لأربع سورٍ تأتي من بعدها تتحدَّث في محورها عن دوافع حمل الإسلام كلِّه، فهي السُّورة التي تنذر وتوجِّه وتوطئ لما بعدها من السُّور، وتتحدَّث سورة الحجر عن آيات الكون؛ كالسَّماء وما فيها من بروج، والأرض الممدودة، والرَّواسي الرَّاسخة، والنَّبات، والرِّياح، والماء، والسُّقيا، والحياة، والموت، والحشر، وقصص الأقوام السَّابقة.