لماذا سمي ذو القرنين بهذا الإسم
ذو القرنين
ذو القرنين رجلٌ صالحٌ موحّدٌ لله تعالى، ذكره الله تعالى في القرآن الكريم بلقبه: ذي القرنين، حيث قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا)، وغزا ذو القرنين عبّاد الأصنام حتى بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له ملوك الأرض، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى رزقه العديد من الصفات القياديّة، ومنها:
- السعي من أجل سيادة العدل والفضيلة: حيث إنّ القائد يسعى دائماً لنشر العدل والحقّ، ومحاربة الظلم والفساد، ولا ينتظر جزاءً من أحدٍ من الناس، بل يجعل عمله كلّه خالصاً لله وفي سبيله، وهذا ما حدث مع ذي القرنين حين طلب القوم الذين بين السدين منه بناء سدٍ؛ ليحميهم من ظلم يأجوج ومأجوج، مقابل أن يعطوه مالاً، فبنى لهم ما هو أقوى من السدّ وهو الردم، ولم يأخذ منهم مقابل ذلك شيئاً.
- العمل بمبدأ العقاب والثواب: ومن صفات القائد الناجح أنّه يعاقب المخطيء والمقصّر، ويكافئ المثابر الناجح، الذي يقوم بالأعمال الصالحة، وأقلّ ما يمكن أن يقدّمه كمكافأةٍ للمُجدّين والناجحين: الكلمة الطيّبة، والثناء الجميل، وكذلك كان ذو القرنين يفعل، كما قال الله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)، وأمّا إذا اقترنت الكلمة الطيّبة بالمكافأة الماديّة؛ فستحقّق نتائج عظيمةً في نفس الرعيّة.
- التمكين: والتمكين هو السلطان والقدرة، والملك الذي أعطاه الله إياه، حيث قال تعالى: (إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا).
- العدل في الحكم: يمكن القول أنّ العدل هو استعمال الأمور في موضعها من غير إسرافٍ ولا تقصيرٍ، ولا تقديمٍ ولا تأخيرٍ، فالعدل يبعث على الطاعة، وبه تصلح الأعمال وتكثر الأموال ، وقد كان ذو القرنين قائداً عادلاً، وظهر ذلك جلياً حين حكم على الذين وكلّه الله تعالى بالقضاء والحكم في أمرهم، بأن يعذّب الظالم منهم بظلمه.
- محاربة الفساد: من الجدير بالذكر أنّ محاربة الفساد والفاسدين من أهمّ أدوار القائد ؛ لأنّ الفساد من أخطر ما يمكن أن يصيب الرعية بعد الشرك بالله؛ ولذلك قام ذو القرنين ببناء ردمٍ بين رعيته وبين يأجوج ومأجوج؛ ليعزلهم عن الفساد ويحفظهم من شر المفسدين، وحتى لا تتم الخلطة بين المؤمنين والمفسدين، فيصيبهم ما أصابهم، من الأعمال الباطلة التي تخالف الفطرة.
سبب تسمية ذي القرنين بهذا الاسم
اختلف أهل العلم في سبب تسمية ذي القرنين بهذا الإسم، حيث يرى الحسن البصري أنّ سبب التسمية يرجع إلى أنّ ذلك الرجل كان له ضفيرتان من شعرٍ يطأ فيهما، وقال آخرون: إنّه كان في رأسه ما يشبه القرنين، وقال بعض أهل الكتاب : إنّه سمّي بذلك؛ لأنّه ملك الروم وفارس، ومن العلماء من قال: إنّ السبب هو بلوغه قرني الشمس شرقاً وغرباً، وملّكه ما بينهما من الأرض، ومن أصحاب هذا الرأي الزهري رحمه الله، ووردت روايةٌ فيها ضعفٌ عن وهب بن منبه أنّه قال: (كان له قرنان من نحاس في رأسه)، وروى إسحاق بن بشر عن عبدالله بن زياد بن سمعان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّه قال: (دعا ملكاً جباراً إلى الله تعالى، فضربه على قرنه فكسره ورضّه، ثمّ دعاه فدقّ قرنه الثاني، فكسره، فسمّي ذا القرنين)، وأمّا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيرى أنّ سبب التسمية يرجع إلى أنّ الرجل ناصح الله تعالى فناصحه، ودعا قومه إلى الله تعالى، فضربوه على قرنه فمات، ثمّ أحياه الله ودعاهم إلى الله مرةً أخرى فضربوه على قرنه الآخر فمات، فسميّ بذي القرنين.
قصة ذو القرنين
بدأت قصة ذي القرنين في القرآن الكريم، بذكر صفاته ومنها: التمكين وإعطائه الأسباب، ثمّ أخبر الله تعالى أنّ ذي القرنين ذهب إلى رحلةٍ باتجاه مغرب الشمس، حيث قال تعالى في سورة الكهف :(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)، وفي تلك الرحلة، شاهد ذو القرنين الشمس تغرب في ماءٍ وطين، وكان ذلك حسب ما رآه وليس كما في الحقيقة، وبينما هو هناك وجد قوماً كفّاراً، فخيّره الله تعالى بين قتالهم وعذابهم، أو دعوتهم للإسلام ، ثمّ ارتحل ذو القرنين نحو مشرق الشمس، حتى وجد الشمس تشرق على أقوامٍ ليس لهم من لباسٍ يستترون به عنها، حيث كانوا يختبئون بالتراب حتى تغرب الشمس، ثمّ يخروجون منه، كما قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا)، فدعاهم ذو القرنين إلى الله تعالى، ثمّ علمهم كيف يصنعون أكواخاً تقيهم من أشعة الشمس، وحرّها، وبعد ذلك توجّه ذو القرنين إلى طريقٍ بين المشرق والمغرب من جهة الشمال، فوجد الجبال الشاهقة، حتى وصل إلى منطقةٍ فيها حاجزين عظيمين، وهناك قال له الناس: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)، حيث كان يأجوج مأجوج مشهورون بالقتل، والنهب والسلب وكافة الشرور، فقام ذو القرنين بردم حاجزٍ بينهم وبين يأجوج ومأجوج ، ثمّ ردّ الأمر لله تعالى، حيث قال: (قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).