لذة التقرب إلى الله
لذة التقرب إلى الله
إنّ التقرّب إلى الله من الأمور التي يحتاجها كلّ مسلمٍ، بل إنّ يوم الإنسان لا يكتمل ما لم يتقرّب إلى الله -تعالى- ولو بشيءٍ بسيطٍ، فالله -تعالى- خلق الإنسان وجعل له طريقين لا ثالث لهما، طريق الحقّ والهداية والذي يُتوّج بلقاء الله في الآخرة، وطريق الباطل والضلال الذي يتزعّمه الشيطان؛ فالإنسان إن لم يتقرّب إلى الله فسيجذبه الشيطان إليه.
الأمور التي تُعين المُسلم على التقرّب إلى الله
التقرّب إلى الله ليس محصورًا بأعمالٍ مُعيَّنةٍ، بل كُلّ عملٍ فيه خيرٌ للفرد وللمجتمع تجتمع فيه النيّة الصالحة، و الإخلاص لله -تعالى- هو عملٌ يتقرّب بهِ المُسلم إلى الله، ومن هذه الأعمال على سبيل المِثال لا الحصر، ما يلي:
- قراءة القرآن بتدبرٍ وتمعنٍ، والحرص على تفهّم معانيه ومقاصده: وذلك بما حصل مع الصحابي الجليل الذي حَرِصَ على تلاوة سورة الإخلاص في صلاتهِ، فأحبّها؛ لأنّ فيها صفة الرحمن، فأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ الله يحبّه.
- التقرّب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض: وذلك بما ورد في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
- المحافظة على ذكر الله -سبحانه وتعالى-: قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، فالمداومة على ذكر الله -عزّ وجلّ- تتحقّق بها المعيَّة التي فيها عين التقرّب إلى الله -سبحانه وتعالى-، فذكر الله يُرطّب القلب ويجعلهُ مستشعرًا بعظم الله وقربه منه.
- مُجاهدة النفس وتقديم أمر الله -سبحانه وتعالى- على هوى النفس: وذلك هو الجهاد الحقيقيّ الذي فيه يتميز الإنسان الذي يُقاد بنور الله -سبحانه وتعالى-، والإنسان الذي يتّبع هواه ويعيش في حلقة مُغلقة وهي الشهوات وإشباع هوى النفس.
- التفكّر والتأمل في أسماء الله -تعالى- وصفاته: إنّ ربط أسماء الله وصفاته في السلوكيّات الفرديّة لها أثرٌ عظيمٌ في التقرّب لله -عزّ وجلّ-، وإنّ المُسلم الذي يعي ويدرك المعنى الحقيقي لأسماء الله -تعالى- وصفاته، يعيش مع الله في كلّ وقتٍ وحينٍ.
فضل التقرّب إلى الله
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ) ، في هذه الآية الكريمة وضَّح الله -سبحانه وتعالى- جزاء المقرّبين، وبيّن أنّ الذين سبقوا بالإيمان هم من حازوا هذا الوصف، وقد أوضح أيضًا أنّ هذا الوصف ليس حصرًا عليهم، بل هنالك من يأتون من المُتأخرين، يكونون ضمن هذا الفوج.
وقد بيّن المفسّرون أنّ المقرّبين هم من يُؤدّون أعمالهم على أكمل وجهٍ، ويبذلون كلّ جهدهم لينالوا هذه المرتبة، وهي مرتبة القُرب من الله -سبحانه وتعالى-، وأوضح الله -تعالى- أنّه يتقرّب ممّن يتقرَّب منه أضعافًا، وهذه هي الغاية من تشريع الطاعات ؛ فهي حلقة الوصل بين العبد وربّه، فبها يتحصّلون على الثواب والقُرب من الله -سبحانه وتعالى-.
وكان ممّا ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلّم-: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في ملأٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَأٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).
وفي هذا الحديث الشريف يؤكّد الرسول -صلى الله عليه وسلّم- أنّ حُسن الظن بالله هو من أهمّ الأمور التي تُعين على التقرّب لله -عزَّ وجل- بالإضافة إلى المُداومة على ذكر الله -سبحانه وتعالى- ليس في نفسه فقط، بل في مجالسهِ مع الناس، وأن التقرّب إلى الله -سبحانه وتعالى- ولو بشيءٍ قليل يُقابلهُ الله بالكثير ويتقرّب منه أكثر من ذلك.
آيات تتحدث عن حبّ الله والتقرّب إليه
دعا الله تعالى عباده إلى حبّه والتقرّب إليه في الكثير من المواضع، وبيّن أنّ حبّه من صفات المؤمنين ، ومنها ما يلي:
- قال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّه).
- قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
- قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
- قال الله -تعالى-: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.