كيفية تكفير الذنوب
كيفية تكفير الذنوب
إنّ لتكفير الذنوب أسباباً كثيرة يأخذ بها العبد المُذنِب؛ حتى ينال عَفو الله -تعالى-، ورضاه، وبيان بعض هذه الأسباب فيما يأتي:
- التوحيد
وهو أعظم الأسباب وأجلّها، وقد جعله الله -تعالى- شرطاً لمغفرة الذنوب والمعاصي؛ فلا يغفر الله -تعالى- الشِّرك، ولا يغفر لِمَن أشركَ به؛ ولا يُخلَّد في النار مُوحِّدٌ لله -تعالى- مهما بلغت ذنوبه، و التوحيد الذي يعمُر قلب المؤمن تعظيماً وإجلالاً لله -سبحانه- سببٌ في مغفرة الذنوب وإنْ كثُرت، وربّما بدّل الله -تعالى- سيئاته حسنات.
- الطاعات المُختلفة التي يُكفّر الله -تعالى- بها الذنوب، والمعاصي، ومن هذه الطاعات:
- الصلاة؛ فقد جعل الله -تعالى- محافظة المسلم على أداء الصلوات الخمس سبباً في مَحو الذنوب والخطايا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ: ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا).
- الصيام؛ وهو باب لتكفير الذنوب والمعاصي؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ.).
- الحجّ المبرور ، والعمرة طريق لتطهير المسلم من الذنوب؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ). كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ).
- الوضوء؛ وهو سبب من أسباب تكفير الذنوب؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ).
- الرحمة الواسعة من الله -تعالى- لعباده المسلمين من غير سبب مُوجِبٍ لها، وإنّما تكون بكرم الله -تعالى-، وفَضله.
- شفاعة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للمسلمين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيِّرْتُ بين الشفاعةِ وبين أن يَدخلَ نِصفُ أمتي الجنةَ فاخترْتُ الشفاعةَ لأنَّها أعمُّ وأكفأُ).
- المُداوَمة على الاستغفار؛ فالاستغفار يمحو الذنوب والخطايا مهما بلغت ؛ قال -عليه الصلاة والسلام- أنّ العبد المُذنِب: (قال ربِّ أذنبتُ آخرَ، فاغفِرْ لي، قال : أَعَلِمَ عبدي أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذُ به ؟ قد غفرتُ لعبدي فلْيعمَلْ ما شاء).
- ذِكر الله -تعالى- في كلّ حالٍ يُكفّر الله -تعالى- به الذنوب والخطايا، ومن هذه الأذكار ما يأتي:
- التأمين خلف الإمام في الصلاة عند قراءة الفاتحة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- الحَمد بعد الانتهاء من أكل الطعام؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ أكلَ طعامًا ثُم قال: الحمدُ للهِ الّذي أطعمَنِي هذا الطعامَ، ورزَقَنِيهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ).
- التسبيح والتحميد؛ فقد قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مَن قالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ ولو كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).
- القيام في شهر رمضان إيماناً واحتساباً لله -تعالى-؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
- التوبة النصوح، وقد اتّفق المسلمون على أنّها من أسباب تكفير الذنوب والمعاصي، ولا بُدّ لقبول التوبة من توفُّر خمسة شروط، وبيان هذه الشروط فيما يأتي:
- الإخلاص لله -تعالى- في التوبة؛ بأن تكون خالية من الرِّياء، والخوف من الناس.
- النَّدَم والانكسار بين يدَي الله -تعالى-؛ لِما اقترفه من ذنوب ومَعاصٍ.
- الابتعاد عن المعصية التي تاب منها ، وعدم العودة إليها، ورَدّ الحقوق إلى أصحابها.
- الحرص على عدم العودة إلى الذنوب، وعَقد العزم على اجتنابها.
- الإقبال على التوبة في الوقت الذي تُقبَل فيه؛ فلا تنفع التوبة عند موت الإنسان وحضور مَنيّته، ولا تنفعه كذلك عند إغلاق باب التوبة؛ أي عند طلوع الشمس من مَغربها.
- الأعمال الصالحة التي يُؤدّيها المسلم في حياته
أو التي تُؤدّى عنه بعد مَماته؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ).
- الابتلاءات التي تُصيب المسلم
وتكون سبباً في تكفير خطاياه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ).
- الدعاء الخالص من المؤمنين بالمَغفرة والرحمة
كدعاء المُصلّين للميّت بالمغفرة عند أداء صلاة الجنازة عليه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ).
- الفِتَن التي تُصيب المسلم في قَبره
كضمّة القَبر، والخوف الذي يُصيبه من هول ما يراه من عالم الغَيب، بالإضافة إلى الأهوال التي تكون في يوم القيامة، والمصائب، والشدائد التي تحدث فيه، وقد ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ استدلالاً بحديث: (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ).
الذنوب التي تُكفّرها الأعمال الصالحة
اتّفق فقهاء المذاهب على أنّ الأعمال الصالحة من الطاعات والعبادات سببٌ في تكفير صغائر الذنوب والمعاصي التي يرتكبها المسلم، واتّفقوا كذلك على أنّ كبائر الذنوب إذا تاب منها المسلم قبل موته وتوفّرت في توبته شروط التوبة النصوح، فالله -تعالى- يقبل توبته، ويعفو عنه إن شاء -سبحانه وتعالى-، إلّا أنّ أقوالهم تعدّدت في تكفير الأعمال الصالحة لذنوب الكبائر إذا مات صاحبها دون توبة منها، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الأعمال الصالحة سببٌ في تكفير صغائر الذنوب، أمّا الكبائر فلا بُدّ من توبة نصوح تتوفّر فيها شروط قبول التوبة؛ حتى يمحوَ الله -تعالى- هذه الكبائر
وذلك لقول النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)، وهذا هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، ومنهم: الكاساني الحنفيّ، و ابن عبدالبرّ المالكيّ، وعبدالملك الشافعيّ.
- الأعمال الصالحة باب لتكفير صغائر الذنوب وكبائرها على حَدٍّ سواء، دون فرق بينها
وهو قول ابن المنذر، وابن حزم؛ وذلك لعموم قوله -تعالى-: (إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ).
- كبائر الذنوب قد تُكفرّها الحَسَنات الكبيرة التي قَوِي فيها إخلاص العبد المسلم لله -تعالى-
وهو ليس بالأمر اللازم المُطَّرد؛ وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القَيِّم، وابن حجر العسقلانيّ؛ وذلك لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
باب التوبة مفتوح
جعل الله -تعالى- باب التوبة مفتوحاً لجميع عباده المُذنِبين، فلا يحول بين العبد المُذنب والتوبة شيء، ولا يردّ الله -تعالى- توبة عبد مُذنبٍ أتاه طائعاً لأمره، مُقبلاً بقلبه، راضياً بقضائه، نادماً على فِعله، ولا يقنط المسلم من رحمة الله -تعالى-، وعَفوه عنه، ولا يَيأس من توبة الله -تعالى- عليه؛ فرحمة الله -تعالى- تسبق غضبه.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ)، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في حديث آخر: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا).
وينبغي على المسلم أن يتوجّه إلى الله -تعالى- بإخلاص، وصِدق في توبته، ويدعو الله -سبحانه وتعالى- بإلحاح واجتهاد، ويسارع في التوبة عند وقوعه في الذَّنب، ولا يلتفت المُذنِب إلى وساوس الشيطان التي تصدّه عن التوبة، وتُبعده عن رضوان الله -تعالى-؛ فالعبد المسلم يخشى عقاب الله -تعالى-، ويرجو رحمته.
وخوف المسلم واستحياؤه من ذنبه أمرٌ يُحمَد عليه، ولكن دون أن يصل به ذلك إلى حَدّ القنوط من رحمة الله -تعالى-، واليأس من عَفوه، وإنّما يُقبل على الله -تعالى- بالتوبة؛ حتى يُطهّره الله -تعالى- من ذنوبه.