كيفية أداء صلاة الجماعة
صلاة الجماعة
الصّلاة هي ثاني أركان الإسلام بعد الشّهادتين، وهي من أعظم الأعمال في الإسلام، حيث إنّها عمود الدّين، فمن تركها فكأنّهُ قد ترك الإسلام برمَّته، ومن صَلُحَت صلاتهُ صَلُحَت سائر أعماله، وصلاة الجماعة أحبّ الأعمال إلى الله تعالى لارتباطها بأهمّ الفرائض، وهي أكثر أجراً من صلاة الفرد، وربما تكون صلاة الجماعة في المسجد أو في مجموعة من الأشخاص، يأتمّون بإمامٍ واحد يتبعونه في حركاته وسَكَناته. وصلاة الجماعة خير للمُسلم من صلاته بيته، فقد ورد أنّ المُصطفى - عليه الصّلاة والسّلام - قال: (صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين دَرَجَةً).
وقد التزم رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام - بأداء الصّلاة جماعةً منذ أن فُرِضت الصّلاة حتى توفّاه الله، وحثَّ أصحابه على ذلك، وتكون الجماعة في المسجد بشكلٍ خاص في الصّلوات الآتية: صلاة الجمعة، والفرائض الخمس، وصلاة العيدين -عيد الفطر وعيد الأضحى-، وصلاة الاستسقاء، وصلاتا الكسوف والخسوف، وصلاتا التّراويح والوتر في رمضان.
معنى الصَّلاة
الصّلاة لغةً هي: الدعاء ، وقيل هي: التّعظيم. أمّا في الاصطلاح فهي أقوالٌ وأفعالٌ مُفتَتَحةٌ بالتّكبير مَختومةٌ بالتّسليم مع النّية بشرائطَ مخصوصةٍ.
عرَّفها الحنفيّة بأنّها الأَفعال المَخصوصة من القيام والقراءة والرُّكوع والسُّجود. وقيل: هي أقوالٌ وأفعالٌ مُفتَتَحةٌ بالتّكبير، مُختَتَمةٌ بالتّسليم، بشرائطَ مخصوصةٍ.
كيفيّة الصّلاة الجماعة
تختلف طريقة الصلاة خلف الإمام بحسب حال المأموم وتنقسم بناءً على ذلك إلى ثلاثة أقسامٍ هي:
- أن يدرك المأمومُ الإمامَ من بداية الصّلاة ويستمرّ معه إلى نهايتها: في هذه الحالة يجب على المأموم الاقتداء بالإمام في كل حركاته وسَكَناته لا يزيد شيئاً ولا يُنقص، فقد قال -عليه الصّلاة والسّلام- بخصوص ذلك: (إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ بهِ ، فإذا رَكَعَ فاركَعوا ، وإذا رفعَ فارفَعوا ، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوساً). وكيفيّة صلاته كأيّ صلاةٍ أُخرى، تَبتدئ بتكبيرة الإحرام، ثمّ قراءة الفاتحة قائماً، ثمّ الرّكوع، ثمّ الرّفع منه، ثمّ السّجود، ثمّ الرّفع منه، وتكرار ذلك مع الإمام في كلّ الرّكعات حتّى يصل إلى التشهّد الأخير، ثمّ التّسليم.
- أن يدرك الإمامَ في الابتداء ثم يعرض له عارضٌ يضطرّه لمُغادرة الصّلاة (السّابق): وهذا يجب عليه أن يخرج من الصّلاة إن عرض له أثناء الصّلاة عارضٌ، كأن تذكّر أنه بلا وضوءٍ، أو نزف أنفه دماً كثيراً، أو فسد وضوءه أثناء الصّلاة، فيقضي ما به ويتوضأ إن كان بحاجة للوضوء، ثم يُدرك الإمام ليُتمّ معه الصّلاة ويُتمّ ما فاته منها.
- أن لا يدرك الإمام في بداية الصّلاة حتّى تفوته ركعةٌ أو ركعتان ويُدركه في الختام (المسبوق): ويجب عليه أن يقتدي بالإمام قائماً كان أم قاعداً، فيأتمّ به ويُصلّي بصلاته، حتّى إذا انتهى الإمام من صلاته أتمَّ ما فاته منها.
شروط صحّة الصَّلاة
عدَّ الفقهاء للصّلاة بعضاً من الشّروط التي يجب أن تجتمع فيها وإلا بَطُلَت الصّلاة، وتلك الشّروط هي: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ورفع الحَدَث، وإزالة النَّجاسة، وستر العورة، ودخول وقت الصّلاة، واستقبال عين القبلة ، والنِّية. اعتبر بعض الفقهاء أنّ بعض تلك الشّروط من الأركان، بينما اعتبرها غيرهم شروطاً، ويرجع سبب خِلافِهم إلى اختِلافِهِم في مَفهومِ الشَّرطِ والرُّكن، وقد ذُكر هنا بعض الشّروط المُجمَع على كونها شرائط للصّلاة عندهم فقط، بينما ذُكر في باب الأركان خلافهم فيها تفصيلاً، وبالآتي بيانٌ لذلك:
- الطَّهَارة: وقد جعل الفقهاء الطَّهارةُ أربعة أنواعٍ، هي: طهارة الجسم من الحَدَث، لقول رسول الله -عليه الصَّلاة والسّلام- في الحديث الصّحيح: "'(لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيرِ طَهْور)'"، وطهارة البدن من أيِّ نَجاسة عالقةٍ فيه، وطهارة الثّيابِ من النَّجَاسَةِ، وطهارَةُ مكان الصّلاة.
- العلمُ بدخول الوَقت: فإن لمعظم الصّلوات وقتاً مُعيَّناً لا يجب أن تَقَعَ إلا فيه، ولا تَصِحُّ صَلاةُ من لم يعلم دخول وقتها حتّى إن تَبيَّن لَه بَعدَ ذلك أَنّها صادفت وقتها المشروع، ويمكن معرفة دُخولِ وَقت الصَّلاة بالعلم اليقينيّ المُعتمِد على أدلَّةٍ محسوسةٍ، كرؤية الشّمس وهي تغرب للدلالة على دخول صلاة المغرب، أو الاجتهاد المُعتمِد على دليلٍ ظنيّ كالظلّ والقياس، أو التّقليد، فإذا لم يتمكّن له معرفة وقت الصّلاة بالعلم اليَقينيُّ أو الاجتهاد، كجاهلٍ بأوقات الصَّلاة ودلائِلِها، فإنّه يجوز له أن يُقَلِّد إمّا العالِم الذي اعتَمد على دليلٍ مَحسوس، أو الذي اعتمد على الأدلة الظنيّة بالاجتهاد.
- وقد اختصر العلماء المُختصّون عناءَ البحث في وقت الصّلاة، إذ وضعوا للصّلاة مواقيتَ دقيقة يَعلمها جميع المُسلمين، كما أنّ الأذان يصدح في جميع بقاع الأرض مُعلناً دخول الصّلاة ، وإنّما تَرِد مثل هذه المسألة على جاهلٍ بالوقت، أو غافلٍ عنه، أو مقيمٍ في مكان خالٍ ليس فيه أحد.
- سَتر العورة: يُقصدُ بالعورة شرعاً: كلُّ ما وجبُ على المسلم سَترُه أو يَحرُم النَّظرُ إليه، وحُدودُها في الصَّلاةِ للرَجُل ما بينَ السُّرَّةِ والرُّكْبَة، فيجب ألّا يَبْدو شَيءٌ من ذلك الموضع في الصَّلاة، وحُدودُها بالنِّسبَة للمَرْأَة كُلُّ الجسد باستثناء الوجه والكَفَّين، فيجب ألا يَبدو شَيءٌ ممّا عدا ذلك في الصّلاة.
- استقبالُ القِبلة: حيث يَجِب على المُصلّي استقبال القبلة للصّلاة، وتكون القبِلة باتّجاه مكّة المُكرّمة، ويتمّ تحديد ذلك الاتّجاه لكلّ دولة ومنطقة على حدة، وقبلة كل بلدةٍ معلومةٌ لأهلها بالتّناقل، ويمكن الاستدلال على القِبلة بطريقتين، أولاهما أن يَكون المُصَلّي قَريباً من الكَعبة بِحيث يُمكنه رُؤيتها مباشرةً، فيجبُ عليه أن يستقبِلَ عَينَ الكعبة يَقيناً، فإن لم يفعل بَطُلت صلاته، وثانيهما أن يكون بعيداً عن القبلة بحيث لا يُمكنه رُؤيتها، وهنا يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة مُعتمداً على الأدلَّة الظَنيّة إن لم يملك الدَّليل القَطعيّ.
أركان الصَّلاة
اختلف الفقهاء في أركان الصَّلاة ، فعدَّها بعض فقهاء الحنفيَّة أربعة؛ هي: تكبيرة الإحرام، والقراءة، والرُّكوع، والسُّجود، والرّاجح عندهم أنّها خَمسة أركان هي: تكبيرة الإحرام، والقراءة، والرُّكوع، والسُّجود، والقيام. أمّا المالكيّة فهي عندهم تسعة، وهي: تكبيرة التّحريم، وقراءة الفاتحة، والقِيام، والرُّكُوع، والسّجود، والرّفع منهما، والفصل بين السَّجدتَين، والجلوس، والتّسليم.
قالَ الشَّافعية إنّها سَبعَ عَشرَة رُكناً هي: النِيَّة، وتَكبيرةُ الإحرام، والقيام لها، وقراءة الفاتحة، والقيام لها، والرُّكوع، والرَّفع منه، والقِّيامُ له، والسُّجود ، والرَّفعُ منه، والجُلوس بين السَّجدَتين، والجُلوسُ للسَّلام، والسَّلام، والطُّمأنينة، والاعتدال، وترتيبُ الأركان، ونيَّة الاقتداءِ في حقِّ المَأمُوم. وعدَّها الحنابلة أربعة عشر ركناً، هي: القيام مع القُدرة، وتكبيرة الإحرام ، وقراءة الفاتحة، والرّكوع، والرّفع منه، والسّجود على الأعضاء السّبعة، والاعتدال منه، والجلسة بين السَّجدَتَين، والطُّمأنينة في جميع الأركان، والتّرتيب، والتَّشَهُد الأخير، والجلوس له، والصّلاة على النّبي عليه الصّلاة والسّلام، والتّسليمتان.
أهمية صلاة الجماعة
دعا الإسلام إلى المُحافظة على صلاة الجماعة والالتزام بها، وجعل لمن أطاع ربه في ذلك أجراً عظيماً، وتوعّد من ترك الجماعة وتخلّف عنها بلا عذرٍ أو سببٍ قاهر، حيث ورد أنّه - عليه الصّلاة والسّلام - قال: (لقد هممتُ أن آمرَ رجلًا يُصلِّي بالناسِ، ثم أخالفُ إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها، فآمرُ بهم فيَحرِقوا عليهم، بحِزَمِ الحَطبِ بيوتَهم. ولو علِم أحدُهم أنه يجدُ عظمًا سمينًا لشهِدَها - يعني صلاةَ العشاءِ)، وذلك إنّما يدلّ على أهميّتها وعدم التّهاون فيها.
حكم الصّلاة الجماعة
اختلف الفقهاء في صلاة الجماعة على عدة أقوال، فمنهم من تشدد بها ومنهم من توسط في حكمها، وبيان أقوالهم فيما يأتي:
- ذهب الحنفيّة وفريقٌ من الشافعيّة إلى أنّ صلاة الجماعة واجبةٌ على كلّ مسلمٍ ذكرٍ بالغٍ عاقلٍ قادر، واستدلوا بعدة أدلة منها أنّه روي عن النّبي - عليه الصّلاة والسّلام - قوله: (لقد هممتُ أن آمرَ رجلًا يُصلِّي بالناسِ، ثم أخالفُ إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها، فآمرُ بهم فيَحرِقوا عليهم بحِزَمِ الحَطبِ بيوتَهم. ولو علِم أحدُهم أنه يجدُ عظمًا سمينًا لشهِدَها - يعني صلاةَ العشاءِ)، ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بتارك الصلاة فدلَّ على وجوبها، واستدلوا كذلك بأنّ الأمّة من عهد رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- إلى هذا اليوم قد واظبت على صلاة الجماعة وعلى النّكير على تاركها، ومُواظبة الأمة عليها بهذا الوجه دليلٌ على وجوبها.
- ذهب الشافعيّة في الرّاجح عندهم والصّحيح عند الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ صلاة الجماعة سنَّةٌ مؤكّدة، واستدلّوا بقوله عليه الصّلاة والسّلام: (صلاةُ الجماعةِ تَفضُلُ صلاةَ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين دَرَجَةً)، فلو أنّها واجبةٌ لما قارن بينها وبين صلاة المنفرد، بل لذكر فرضيّتها وعدم جواز صلاة المُنفَرد إلا في حالاتٍ استثنائيّة.
- ذهب الشافعيّة في قولٍ والحنابلة في الرّاجح عندهم أنّ صلاة الجماعة فرض كفاية ، وإن أقامتها جماعةٌ من المسلمين سقطت فرضيتها عن باقي الأمة، فإن اتّفق أهل بلد على تركها قوتلوا عليها، وأقلّ الجماعة اثنان.
- ذهب الظاهريّة إلى أنّ صلاة الجماعة فرضٌ على كل مسلمٍ ذكرٍ قادر بالغ، وأنّه إن سمع الأذان وجب عليه أن يُلبّي، فإن تعمّد ترك صلاة الجماعة بغير عذر بَطُلت صلاته، فإن كان لا يسمع الأذان فيجب عليه أن يُصلّي في جماعةٍ مع واحد أو أكثر، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحداً يُصلّيها معه، فيجوز له حينها الصّلاة مُنفرداً، أمّا من له عذر فيجوز له التخلّف عن الجماعة.