كيف يكون يوم القيامة
تبدل أحوال الكون يوم القيامة
شاء الله -تعالى- بحكمته أن تكون هُناك العديد من العلامات التي تُبيّن قُرب اليوم الآخر ، وهذه العلامات تدُلّ على تغيّر الأحوال وتبدُّلها، كما وتدلّ على قرب الحساب وما يعقبه من أحداث.
ومن هذه العلامات انبساط الأرض حتى تكون مُستوية، وتشقق السماء وانفطارها، وخروج الحمم من البحار، وغير ذلك من الأحداث التي تغيّر نظام الكون، وسيتمّ توضيح بعض هذه الأحوال والأهوال في المقال تالياً.
أهوال يوم القيامة
هُناك الكثير من الأهوال التي تحدث في نظام الكون يوم القيامة ، وبيانها فيما يأتي:
- الأهوال التي تحدث للسماء
تتبدّل ملامح السماء يوم القيامة؛ وذلك إثر تصدّعها وانشقاقها، وتخلل أركانها؛ مما يؤدي إلى انهيارها، كما أنّها تتحرّك حتى تموج في بعضها، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا).
كما ويتغير لونها وشكلها وتأخذ شكلاً آخر؛ ليُشاهد الإنسان ما كان غيباً عنه، قال -تعالى-: (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ)؛ فيكون لونها أحمراً كلون الورد، وتكون كالزيت المغليّ أو كالرصاص المصهور، وتُصبح ضعيفة؛ لنزول ما فيها من الملائكة .
وقد وصف الله -تعالى- ضعفها بقوله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ)، ويكون فيها أبواب؛ لكثرة تشقُّقها، ثُمّ تنزّل الملائكة إلى أرض المحشر من هذه الأبواب؛ طاعةً لأمر الله -تعالى-، وفي النهاية تُطوى وتزول وتُبدّل بسماءٍ أُخرى، قال -تعالى-: (يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّماواتُ).
- الأهوال التي تحدث للشمس والقمر
تُظلم الشمس يوم القيامة، ويذهب نور القمر، ثُمّ يُجمعان ويُرمى بهما، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الشَّمْسُ والقَمَرُ مُكَوَّرانِ يَومَ القِيامَةِ)؛ أي ملفوفان إلى بعضهما مع ذهاب نورهما، ويُرمى بهما.
- الأهوال التي تحدُث للنجوم والكواكب
تنطفئ النجوم وتُعتم، ويتغيّر شكلها، وهو ما يُسمى بالطمس، كما أنّها تتساقط، وأمّا الكواكب فإنّها تنكدر وتُظلم، كما أنّها تتوقّف عن الحركة والدوران، وجاء ذكر بعض هذه الأحداث بقوله -تعالى-: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ)؛ أي تناثرت وتغيّر شكلها بعد أن كانت مُتناسقة.
- الأهوال التي تحدث للأرض والجبال
تسير الجبال، وتكون كالهباء المنثور، وتتشقق الأرض، وبعد النفخة الأولى تُطوى الأرض وتُبدّل بأرضٍ غيرها، كما أنّ كُل ما فيها من جبال ومُرتفعات وغير ذلك لا يكون كشكله المعتاد، وتكون كالبساط؛ قال -تعالى-: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا).
فالأرض ثابتة لوجود الجبال فيها، ولكن بعد زوال الجبال المُثبتّة لها يحدث لها كُلّ هذا التغير، من زلزلة وغير ذلك، وتُصبح كالرمال بعد أن كانت ثابتة وصلبة، قال -تعالى-: (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا).
وتكون الجبال كالصوف المنفوش، ثُمّ تُنسف حتى تكون هباءً منثوراً، ولا يبقى منها أثر، قال -تعالى-: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الجِبالِ فَقُل يَنسِفُها رَبّي نَسفًا * فَيَذَرُها قاعًا صَفصَفًا)؛ أي بلا ارتفاعٍ أو انخفاض.
- الأهوال التي تحدث للبحار
تسجّر جميع البحار يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)؛ أي تُصبح ناراً فتيبس الأرض، وتُصبح بلا ماء، وقد جاء ذكر البحار بصيغة الجمع؛ للدلالة على كثرتها وعظمتها، وذهب ابن عباس إلى احتماليّة وجود النار في قاع البحار؛ فهي الآن غير مسجورة، ويوم القيامة يسجّرها الله -تعالى- ويجعلها ناراً.
أحداث يوم القيامة بالترتيب
ترتيب أحداث القيامة يكون كما يأتي باتّفاق الفقهاء، ولكنّ الاختلاف كان بينهم باحوض أيكون قبل السراط أم بعده:
- البعث
يقوم الناس من قبورهم إلى المحشر، وينتظرون الحساب وهم قيام، ويغشاهم الخوف، مع شدّة العطش، وبعد الانتظار الطويل بمقدار خمسين ألف سنة يكون حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- موجوداً في أرض المحشر ؛ ليسقي منه من كان على هديه وسُنّته؛ فيكون هذا الأمان الأوّل لأهل المحشر، قال -عليه السلام-: (ثم يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا كأنه الطَّلُّ ، فيَنْبُتُ منه أجسادَ الناسِ ، ثم يُنْفَخُ فيه أخرى ، فإذا هم قِيامٌ ينظرونَ).
- الشفاعة العُظمى
يشفع النبي -عليه الصلاة والسلام- لجميع الخلائق؛ وتكون شفاعته بأن يتوجّه إلى الله -تعالى- بالدعاء؛ ليعجّل للناس الحساب، ولا يجد النّاس من يدعوا لهم سوى النبيّ -عليه السلام-، مع أنّهم يكونوا قد توجّهوا إلى عدد من الأنبياء في ذلك، ولا يجيبهم سوى النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-، ودليل ذلك ما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه السلام- قال أنّ الله -تعالى- يقول له: (يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ)؛ فتكون شفاعته العظمى.
- العرض
يكون بعرض أعمال العباد، وخلال العرض يكون الحساب الأوّل وتطاير الصُحف؛ فمن الناس من يأخذ كتابه بيمينه وهم أهل الجنّة، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ)، ومنهم من يأخذه بشماله وهم أهل النار، قال -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ)، ويقرأ كلّ واحد منهم كتابه، ويحاسب النّاس بعد ذلك؛ إثباتاً للحُجّة على النّاس وبياناً لصدق ما جاء في الكُتب من أعمال.
- الميزان
توزن الأشياء التي في الصُحف، وبعدها ينقسم الناس إلى أزواج؛ ليذهب كُلّ شخصٍ مع من كان على شكل أعماله، ويُقام لواءٍ لكل نبي؛ ليدخل النّاس تحت هذه الألوية حسب أعمالهم، ويقسّم الناس فيُحشر الجاحد مع الجاحد، والظالم مع الظالم ، قال -تعالى-: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ).
كما وتكون هُناك ظُلمة قبل النار؛ ليسير كُل إنسانٍ بما معه من نور حسب عمله، ويسير النّاس إلى أن يضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور، قال -تعالى-: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، فيقع المنافق مع غير المؤمن في النار.
- الصراط
يكون على النار، ويكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو له ولأمّته بالتسليم فيقول: (اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ)، ويمُر كُل إنسانٍ عليه حسب عمله، وينجو من غفر الله -تعالى- له، ويسقط في النار من شاء الله -تعالى- له العذاب، وبعد الصراط يُجمع أهل الجنّة ؛ ليُقتص لهم من بعض، ويُخرج الله -تعالى- من قلوبهم الغل.
- الجنّة
يدخلها النبي -عليه الصلاة والسلام- أوّلاً، ثُمّ فقراء المهاجرين، ثُمّ فقراء الإنصار، ثُمّ فقراء الأمة، وأمّا الأغنياء فيؤخرهم الله -تعالى-؛ للحساب الذي بينهم وبين الناس، قال -عليه السلام-: (أوَّلُ من يدخُلُ الجنَّةَ من خلقِ اللهِ : الفقراءُ المهاجرون الَّذين تُسَدُّ بهم الثُّغورُ ، وتُتَّقى بهم المكارهُ ، ويموتُ أحدُهم وحاجتُه في صدرِه لا يستطيعُ لها قضاءً).