كيف يكون حب الرسول
مظاهر حب الرسول
طاعة الرسول واتّباعه
يُقصد بطاعة الرسول فعل المسلم لكلّ ما أمر به الرسول وترك كلّ ما نهى عنه، وذلك إن كان أمره يفيد الوجوب ونهيه يفيد التحريم، سواءً كان ذلك في القول أو العمل أو الاعتقاد، ولكن إن كان الأمر يدلّ على الندب والنهي يدلّ على التنزيه فلا يترتب أي إثمٍ أو حرجٍ في الفعل أو الترك.
حكم طاعة الرسول
نصّت العديد من آيات القرآن الكريم على وجوب طاعة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:
- قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ)، فقد ورد الأمر من الله -تعالى- بالإيمان برسله، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإيمان بالرسل يستلزم تصديقَهم والإيمان بكلّ ما يبلّغوه عن الله، مع الحرص على طاعتهم واتّباعهم وتنفيذ أوامرهم، والنبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- واحدٌ من الرسل؛ ممّا يعني أنّه داخلٌ في مضمون الحكم العام بوجوب الإيمان بالرسل ممّا يستلزم على كل مسلمٍ طاعته.
- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ)، فالله -تعالى- اختصّ نبيّه محمداً -عليه الصلاة والسلام- بالتأكيد على وجوب طاعته؛ فرسالته آخر الرسالات، ممّا يدلّ على كمال حكمة الله -تعالى-.
- قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)، فقد اقترن الأمر بطاعة الله بالأمر بطاعة رسول الله في الآية الأولى؛ ممّا يدلّ على الجمع بين الطاعتين، أمّا الآية الثانية فأكّدت على عموم الطاعة للنبي في كلّ ما يأمر به، ومن الجدير بالذكر أنّ طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وجبت على المسلمين في حياته وبعد وفاته؛ إذ إنّ النصوص التي أوجبت طاعته جاءت عامّةً لم تُقَيّد بأي زمنٍ.
مظاهر طاعة الرسول
هناك العديد من المظاهر التي تدلّ على طاعة المسلم للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:
- الاهتداء بهديه والحرص على القيام بسنته، ومن سننه: صلاة الوتر، وصلاة الضحى، والسنن الرواتب، وغيرها.
- السعي في كسب وطلب الحلال في سائر الأمور والشؤون.
- الحرص على مساعدة الفقراء والمساكين والإحسان إليهم.
أهمية طاعة الرسول
أمر الله -تعالى- بطاعة أنبيائه ورسله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ)؛ وتجدر الإشارة إلى أنّ الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل تتمثّل في الطاعة، وتأكّدت طاعة الرسول محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-لأنّ رسالته كانت خاتمة الرسالات.
وتكمُن أهمية طاعته في عدة أمورٍ، يُذكر منها أنّ طاعته:
- علامةٌ على محبة العبد لله -تعالى-، حيث قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي).
- سببٌ في نيل الأمان من عذاب الله، فقد حذّر الله -تعالى- من مخالفة أمر رسوله بقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فلا يمكن تقديم أي قولٍ غير قول الله -تعالى- على قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
- مرتبطةٌ بطاعة الله -تعالى-، فطاعة الرسول في الحقيقة طاعةٌ لله -تعالى-، قال سبحانه: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ)، ذلك أنّ أوامر الرسول ونواهيه من عند الله، لقوله سبحانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
تعظيم الرسول وتوقيره
يُقصد بتعظيم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- اعتقاد المسلم بأنّ سنّته خير السنن فيحبّه ويتّبعه حقاً في الظاهر والباطن، مع الحرص على عدم تجاوز حدود الله أو الغلوّ أو التقصير، وهناك العديد من دلائل توقير النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، منها: الصلاة عليه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، والأمر بالصلاة عليه يقتضي الوجوب؛ لذا قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (رغِمَ أنْفُ رجلٍ ذكِرْتَ عندهُ فلم يُصِلّ عليّ).
نصرة الرسول والدفاع عن سنته
إن من أوضح الأدلة التي تبيّن صدق محبة المسلم للرسول نصرته والدفاع عن سنته، قال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، والقدوة في ذلك الصحابة -رضي الله عنهم- الذين قدّموا وبذلوا أعظم الأعمال الصادقة الدالّة على حبهم وإيثارهم له على أنفسهم وأموالهم وأولادهم للدفاع عنه وعن سنّته.
حكم نصرة الرسول
من فضل الله -تعالى- وكرمه على نبيِّه أنّه تكفّل ابتداءً بالدفاع عنه وتأييده والوقوف معه، قال سبحانه: (إِنّا كَفَيناكَ المُستَهزِئينَ)، كما أنّ الله ردّ كلّ الادّعاءات الباطلة حول النبي من اتّهامه بالجنون، فقال: (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ)، ومن اتّهامه بالسحر، فقال: (إِذ يَقولُ الظّالِمونَ إِن تَتَّبِعونَ إِلّا رَجُلًا مَسحورًا)، وقد توعّد -سبحانه- المستهزئين والمسيئين للرسول بقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر)، لذا فمن الواجب على المسلم الدفاع عن النبي، مع الحرص على التحلّي بالأخلاق التي حثّ عليها، مع الدفاع عنه وردّ أي شبهةٍ قد تتعرّض له.
وسائل نصرة الرسول
يمكن للمسلم الدفاع عن رسول الله ونصرته وردّ الشبهات عن سنّته بالعديد من الوسائل، يُذكر منها:
- التمسّك بما ورد عنه، ودراسة سنته والالتزام بها.
- إيثار محبته على محبة النفس والولد والأهل والمال.
- تعظيم سنة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، والدفاع عنها بحفظها وحمايتها من التحريف وردِّ شبهات الكاذبين الطاعنين فيها.
- السعي في إظهار الصورة الحسنة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وللإسلام بردّ الشبهات الباطلة الموجّهة إليهما.
الاقتداء بالرسول
قال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)، فقد أمر الله المسلمين بالاقتداء بالنبي، وجعل ذلك سبباً للهداية، فقال: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، فإن اقتدى المسلم برسوله نال الاستقامة على طريق الهدى والحق، والثبات على أوامر الإسلام.
صور الاقتداء به في عبادته
هناك الكثير من صور الاقتداء بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في عبادته، يُذكر منها:
- المداومة على ذكر الله -تعالى- والإكثار منه، فكان الرسول من أكثر الناس ذكراً لله، وكان يحثّ عليه ويرغّب به أيضاً، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ).
- قيام الليل، فكان النبي حريصاً على عبادة الله -تعالى- ليلاً، وفي ذلك رُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ).
- شجاعته، فكان النبي أشجع الناس قلباً، وكان المسلمون في المعركة يحتمون به، ولم يرد أنّه تأخّر عن قتالٍ أو فرّ منه.
صور الاقتداء به في أخلاقه
إن من صور الاقتداء بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في أخلاقه ما يأتي:
- صدقه؛ فلم يرد أنّ الرسول كذب في حياته أبداً، سواءً كان جادّاً أم مازحاً، قال الله -تعالى- واصفاً إياه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
- صبره؛ فقد صبر الرسول على اليتم والفقر، وعلى البُعد عن الأهل والوطن، وعلى الكثير من المصائب والمصاعب التي مرّ بها، فكان صابراً محتسباً، قال الله: (وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّـهِ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ).
- جوده وكرمه؛ فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- كريماً جواداً دون خوف من الفقر أو ضيق العيش، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).
محبة أصحاب الرسول
شرّف الله -سبحانه- الصحابة بصحبتهم للنبي والدفاع عن الإسلام، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فكان حقّاً على المسلمين حبّهم وتعظيمهم وإكرامهم والاقتداء بهم، وعدم الخوض فيما وقع بينهم من خلافات؛ فلا يصحّ أنْ يُنصّب المسلم نفسه حكماً بينهم.
وقد وردت عدّة نصوصٍ تدلّ على وجوب حبّ الصحابة -رضي الله عنهم-، منها قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأنْصارِ، وآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنْصارِ).خطأ استشهاد: إغلاق مفقود لوسم
- قال تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، فقد أكرم الله -تعالى- نبيِّه محمداً بمنح آل بيته مكانةً رفيعةً ومودتهم.
- قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)، فقد طهّرهم الله من الصفات السيئة، وأنعم عليهم بصفات رسول الله.
ثمرات محبة الرسول
هناك العديد من الثمار التي يجنيها المسلم من محبته للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:
- نيل الحياة الطيبة بتحقيق محبّة الله ورسوله في القلب، قال تعالى: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).
- الدعوة لدين الإسلام والحرص على نشره بين الناس.
- تحقيق الاستقامة والثبات على الدين، فاتّباع المسلم للرسول بقوله وعمله واعتقاده من لوازم محبة النبي.
- نيل القرب من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنة، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).
وسائل التربية على حب الرسول
إن من فضل الله -تعالى- على الأمة الإسلامية أن جعل نبيّها محمداً أفضل الرسل وخاتمهم، كما جُعلت محبته عبادةً يتقرّب بها العبد إلى الله، لذلك كان لا بدّ من تنشئة النفس وتربيتها على حبّ الرسول بمختلف الوسائل، يُذكر منها:
- معرفة قدر ومكانة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عند الله تعالى، فقد اصطفاه الله على سائر البشر، وزكّاه في كلّ شيءٍ.
- العلم بأنّ اتّباع سنّة النبي والاقتداء بهديه طريقاً من طرق دخول الجنة، واليقين بأنّ العبادة لا تُقبل إلّا إن وافقت ما ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
- تذكّر رحمة الرسول ورأفته بأمّته والإحسان إليها، إضافةً إلى شفاعته العظمى يوم القيامة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ يَدْعُو بها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي في الآخِرَةِ).
ملخص المقال: إنّ حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجب على كل مسلم، وقد عرض المقال صور محبتّه ومحبة آل بيته وأصحابه، كما عرض المقال ثمرات محبة الرسول التي تعود على الفرد في الدنيا والآخرة.