كيف يكون جهاد النفس
أنواع الجهاد
أمر الله تعالى بالجهاد ، وفرضه على جميع عباده، حيث قال الله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ)، حيث يعد الأمر لجميع المسلمين على اختلافهم بحسب استطاعتهم وقدرتهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ الجهاد يتفرّع إلى أربع مراتب؛ وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان ، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين، والأصل في جميع الأنواع هو جهاد النفس.
يعدّ جهاد النفس الأساس الذي تقوم عليه مختلف أنواع الجهاد الأخرى، وذلك بإلزام النفس وإجبارها على ما أمر الله تعالى به، والاجتناب والابتعاد عمّا نهى عنه، وبفعل ذلك يتمكّن العبد من جهاد الأعداء الخارجيين، كما أنّ العبد لا يصل إلى الله تعالى بشرور النفس، فقد يقع البعض من الناس بهواها، فيحقق لها رغباتها وشهواتها، والبعض الآخر من الناس يأسر نفسه، ويمنعها من الشهوات والأهواء، حيث قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَن طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى*وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، ويشمل جهاد النفس محاسبتها على التقصير والمخالفة.
كيفية جهاد النفس
تُعرف مجاهدة النفس بأنها حمل النفس على القيام بأوامر الله تعالى، والالتزام بها، واجتناب ما نهى عنها، والابتعاد عنها، وعرّفها المناوي بأنها: (حمل النفس على المشاق البدنية ومخالفة الهوى وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع)، أما القشيري فقال عنها: (أصل مجاهدة النفس فطمها عن المألوفات وحملها على غير هواها)، حيث يمكن تحقيق مجاهدة النفس بالعديد من الأمور التي توصل العبد إليها، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- الاستعاذة بالله من الشهوات والأهواء، والخوف منه، وذلك ما كان من يوسف عليه السلام عندما عرضت عليه امرأة العزيز نفسها، رغم أنه كان شاباً أعزباً، إلا أن الله تعالى أنجاه منها، وصرف كيدها ومكرها عنه، وفي ذلك نيلٌ لظل الله تعالى يوم القيامة .
- استشعار مراقبة الله تعالى، والحرص على غضّ البصر ، حيث قال الله سبحانه: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، وقال أيضاً: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
- يعد الزواج أو الصيام من الوسائل التي تعين العبد على عدم الوقوع في المحرّمات، وفي ذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لم يَسْتَطِعْ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ).
- الابتعاد عن الأسباب والعوامل التي توقع العبد في الشهوات والمحرمات، والحرص على إشغال النفس واستغلال الأوقات في الأمور النافعة والمفيدة.
مجاهدة النفس على العطاء
يتحقق حب العطاء لدى العباد من خلال القيام بعدّة أمور تساعد على ذلك، وفيما يأتي بيان البعض منها:
- العلم بأنّ الله تعالى هو المالك الحقيقي لجميع المال، والعباد مستخلفون فيه امتحاناً واختباراً لهم، ليسألهم عن مصدر المال والسبل التي أُنفقت عليها، فإنْ أنفق في طاعة الله تعالى ورضاه، فيكون سبباً في تحصيل الأجر والثواب من الله تعالى، وفي المقابل قد يكون المال من أسباب الشقاء والتعاسة إن كان أصله من حرام، وأُنفق في ذلك أيضاً.
- العلم بأنّ البذل والعطاء من أسباب حصول البركة في المال وزيادته، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، وعلم العبد أيضاً أنّ العطاء من الأسباب التي تقي من النار، وتؤدي إلى دخول الجنة.
- انشغال النفس بعيوبها، والعمل على إصلاحها قبل الالتفات إلى عيوب الآخرين، كما أنّ الانشغال بعيوب الآخرين دلالة على كثرة عيوب النفس، ويمكن التعرّف على عيوب النفس بالعديد من الطرق، منها: مصاحبة أصحاب الدين والبصيرة الذين يلاحظون أخطاء أصدقائهم، وينبّهونهم عليها، ويمكن أيضاً معرفة عيوب النفس عن طريق أحد الشيوخ العالِمين بخفايا النفس إن كان طالب علم لدى الشيخ.
مجاهدة النفس على الأخلاق الحسنة
لا يمكن للعبد التخلّق بالأخلاق الحسنة إلا بتحسين هيئة النفس من الداخل، وذلك يتحقق بقوة العلم، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، وقوة العدل بين القوى الثلاث السابقة، فقوة العلم تتمثل بالقدرة على إدراك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الحسن والقبيح في الأفعال، كما أنه بصلاح قوة العلم تتحقق الحكمة التي تعدّ رأس الأخلاق، أما قوة الغضب فهي القدرة على التحكّم بالانفعالات والغضب بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولا بدّ للشهوة أيضاً من أن تتحدّد بالحكمة القائمة على العقل والشرع، وقوة العدل تعني القدرة على ضبط قوتي الشهوة والغضب بالنظر إلى الشرع والعقل.
صفات النفس في القرآن الكريم
وصف الله تعالى النفس البشرية في القرآن الكريم بثلاث صفات، وهي: النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، وفيما يأتي بيان كلّ واحدة منها:
- النفس المطمئنة: وهي النفس الساكنة إلى الله تعالى، والمطمئنة بذكره، والمشتاقة إلى لقائه الراجعة إليه، حيث سمّيت بذلك لأنها اطمأنت بالمحبة والعبودية إلى الله تعالى، ورضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وآمنت أيضاً بالقضاء والقدر، كما قال الله تعالى عنها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي).
- النفس اللوامة: وهي نفسٌ دائمة اللوم والعتاب لصاحبها، فتلومه إن أحسن بسبب عدم زيادة الإحسان ، وتلومه إن أساء لتجنّب العودة إلى الإساءة، ومن الجدير بالذكر أنها نفس مؤمنة، حيث أقسم بها الله تعالى قائلاً: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ*وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
- النفس الأمّارة بالسوء: وهي النفس التي تحثّ صاحبها على اتباع الشهوات والأهواء، حيث قال الله تعالى فيها: (إِنَّ النَّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ إِلّا ما رَحِمَ رَبّي).