كيف نعامل اليتيم
كيفيّة معاملة اليتيم
أرشد الإسلام إلى مُعاملة اليتيم بالحُسنى، وذلك بالنهي عن قَهره، وكَسر خاطره، وإكرامه، والرَّفْع من شأنه، والتلطُّف به، وحماية حقوقه، وعدم أكل ماله عُدواناً وظُلماً، والحرص على إطعامه حال الرخاء، وحال المجاعة أيضاً؛ لِما نزل به قوله -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)؛ والذي قال في تفسيره بعض المُفسّرين كابن عباس -رضي الله عنه- ومُجاهد إنّه يعني إطعامهم الطعام الذي يُحبّونه.
والإحسان إلى اليتيم، والاهتمام به من الأُمور المطلوبة التي حَثّ عليها الإسلام، ويكون ذلك بالعطف عليه، وتعليمه النظام، والانضباط، مع تكليف مَن يعتني به، ويكون مسؤولاً عنه، وعن تصرُّفاته، بالإضافة إلى تحديد بعض القواعد داخل أُسرته، ومَدحه حال التزامه بالسلوكيّات الإيجابيّة، وتجاهُل السلوكيّات السلبيّة إذا لم يكن فيها خَطر أو ضَرر عليه أو على غيره، مع ضرورة تنبيهه على عدم تكرارها، إلى جانب مَلء وقته، وتوجيهه إلى إفراغ طاقته في كلّ ما من شأنه أن يكون مُفيداً، والتصرُّف معه بحِكمة عند عناده، وعدم الإقدام على معاقبته، وإعطاؤه حَقّه من الاهتمام، والرعاية، وعدم مُقارنته بغيره، أو السُّخرية منه، أو تخويفه، مع مُتابعته فيما يُشاهده، والخروج معه إلى الأماكن المفتوحة؛ لِما في ذلك من مُساعدة له على الانطلاق، وكثرة الدُّعاء له بالصلاح والهداية، وإلحاقه ببعض الرياضات المُناسبة له، ولعُمره، وتعليمه بعض الروتين اليوميّ، كموعد النوم أو الطعام؛ لِما في ذلك من تخفيف للصِّدام بينه وبين الشخص المسؤول عنه.
تعريف اليتيم
يُعرَّف اليتيم بأنّه: من فَقَد أباه وهو صغير قبل أن يبلغ الحلم؛ إذ إنّه يظلّ يتيماً حتى يبلغ؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (لا يُتم بعدَ احتلامٍ)؛ فالصغير بعد البلوغ لا يُطلَق عليه لفظ اليتيم، وله في الإسلام حالتان، هما:
- الحالة الأولى: وفاة الوالد، وتركه مالاً لابنه؛ وفي هذه الحالة ترعاه أُمّه، أو أحد أقاربه؛ ليحفظ له ماله، ولا يقربَه إلّا بالمعروف، ويُؤدّيه إليه عند بلوغه ، أو تمييزه.
- الحالة الثانية: وفاة الوالد وعدم تركه مالاً لابنه؛ وفي هذه الحالة تُنفِق عليه أُمّه، أو أحد أقاربه من باب التكافُل والتعاون؛ قال -تعالى-: (وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ)، واليتيم تجوز عليه الزكاة ؛ لكونه فقيراً أو مسكيناً.
فضل كفالة اليتيم
أولى الإسلام اليتيم أهميّةً كبيرة؛ سواء من حيث التربية، أو المُعاملة، أو الرعاية؛ ليكون عُنصراً إيجابيّاً في مُجتمعه، ويضمن له العيش بكرامة، وقد وردت هذه الأهميّة في العديد من الآيات، كقوله -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)؛ وذلك كي لا يشعر بالوحدة، أو النقص عن باقي أفراد المُجتمع، فيكون عُنصراً هادماً للمجتمع،لكفالة اليتيم العديد من الفضائل، وبيانها فيما يأتي:
- كفالة اليتيم سبب للقرُب من النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الجنّة ؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى)، كما أنّ ذلك سبب لدخول الجنّة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ن ضمَّ يتيمًا بين مسلمَيْن في طعامِه وشرابِه حتَّى يستغنيَ عنه وجبت له الجنَّةُ).
- كافل اليتيم له أجر المُجاهد في سبيل الله -تعالى-؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)؛ واليتيم يكون مسكيناً في أغلب الأحوال.
عناية القرآن الكريم باليتيم
اهتمّ القُرآن في العديد من آياته باليتيم، ورَفَع من شأنه في جميع النواحي؛ سواء من الناحية المادّية، أو النفسيّة؛ وذلك مُراعاةً لظروفه من فَقْد أبيه، وهذا الاهتمام كان منذ بداية نزول الوحي على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يتيماً؛ وهو تشريف وتكريم لكلّ يتيم، وقد أمر الله -تعالى- بالإحسان إليه، وعدم قَهْره، فقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)، كما أمر الله -تعالى- المسؤول عنه بعدم تبذير أمواله، والحفاظ عليها، ورَدّها إليه عند بُلوغه، وإشهاد الناس على ذلك؛ ليكون بريء الذمّة، بالإضافة إلى أنّه أمره بالاستعفاف عن أموال اليتامى الذين يرعاهم؛ فقال: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)، وممّا يؤكّد اهتمام القُرآن باليتيم أنّ الله -تعالى- قَرَن عبادته بالإحسان إليهم؛ بقوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ). وقد حَذّر الله -تعالى- من أَخْذ أموالهم بغير وجه حَقّ؛ فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا).
عناية السنّة النبويّة باليتيم
اهتمّت السُنّة النبويّة باليتيم في الكثير من الأحاديث؛ من خلال التحذير من أكل أمواله، وبيان عُلوّ منزلة مَن يقوم عليه، وعلى رعايته ، ورعاية شؤونه، وهي مُرافقة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الجنّة التي هي أفضل منازل الآخرة، وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ امرأة تُسرع خلف النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ لتدخل معه الجنّة يوم القيامة ، فيسألها من أنتِ، فتقول له: (أنا امرأةٌ قعدت على أيتامٍ لي)، وقد جاء التحذير من أكل أموالهم، وعَدّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من السبع المُوبِقات ؛ وهي الكبائر من الذنوب المُهلِكة؛ فقال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟) -وذكر منهنّ- (أَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ)، ومِمّا يُؤكّد على تغليظ ذلك دعاء النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالإثم والحَرج على مَن يُضيّع ويأكل حقوق اليتيم؛ فقال: (إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ : اليتيمُ ، والمرأةُ).