كيف نبعث يوم القيامة
كيفية البعث يوم القيامة
يكون النفخ في الصور هو أوّل ما يسمعه الناس بعد انتهاء علامات الساعة الكبرى، وهي نفخة مفزعة لكل من يسمعها، قال -تعالى-: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)، وقد فسّر ابن عباس هذه الآية بأنّ الناقور هو الصور وقال: إنّ النفخة الأولى فيه تسمّى الراجفة، والنفخة الثانية تسمّى الرادفة، أمّا الصور الذي ينفخ فيه فحقيقته من الغيب، وكل ما يُعرف عنه أنّه بوق يُنفَخ فيه، وذلك لما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه جاءه أعرابيٌّ (قالَ: ما الصُّورُ؟ قالَ: قرنٌ يُنفَخُ فيهِ)، وبعد النفخة الثانية يموت منها كلّ مَن بَقِيَّ على ظهر الأرض من شِرار الخلق، ويموت من في السموات -إلّا من شاء الله- ثم يأمر الله -تعالى- بالنفخة الثالثة التي يقوم فيها الناس لرب العالمين، قال -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ).
وقد قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ما بيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ قالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، ليسَ مِنَ الإنْسانِ شيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ)، ولا يعرف هل المدّة المقصودة بالحديث هي المدة بين نفخة الصعق ونفخة الفزع الأولى، أم بين نفخة الصعق والنفخة الثالثة؛ نفخة قيام الناس، كما أنّ الحديث لم يحدد المقصود بالأربعين هل هي أربعين سنة، أم شهر أم يوم، وقد ذهب النووي إلى أنّها أربعين سنة، ونفى ابن حجر ذلك، وبعد ذلك ينزل ماء من السماء فينبت الناس من الأرض كما ينبت الزرع، ويكون قد بلي الإنسان وأصبح تراباً إلّا عظمة عَجْب الذنب، وهي عظمة صغيرة بحجم حبّة الخردل تقع عند رأس الذنب في المخلوقات ذوات الأطراف الأربعة، وهي العظمة التي يركّب منها الخلق يوم القيامة، مع أنّ الله -تعالى- الذي خلق من العدم يستطيع أن يعيد الخلق من العدم لكنّه اختار أن يعيدهم من هذه العظمة لسرّ في علمه.
وقد ورد ذكر هذه العظمة في أحاديث أخرى منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرابُ، إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ منه، خُلِقَ وفيهِ يُرَكَّبُ)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ في الإنْسانِ عَظْمًا لا تَأْكُلُهُ الأرْضُ أبَدًا، فيه يُرَكَّبُ يَومَ القِيامَةِ قالُوا أيُّ عَظْمٍ هُوَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: عَجْبُ الذَّنَبِ)،وقد عرَّف النووي عَجب الذنب بأنّه: "العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب وهو رأس العصعص ويقال له "عَجْم" بالميم"، وهو أوّل عظم ينشأ عند خلق الإنسان، وهو الذي يبقى منه بعد موته ليعاد تركيبه منه يوم القيامة، وهذا ينطبق على جميع الخلق إلا الأنبياء فإنّ أجسادهم لا تأكلها الأرض؛ فهي لا تبلى، والجدير بالذكر أنّ بعد نفخة الصعق يحدث اختلال كونيّ عظيم؛ حيث تختل دورة الكواكب وبالتالي تزلزل الأرض وتخرج عن اتزانها، وتتناثر الجبال، وتدكّ هي والأرض ليُسوى عاليها بسافلها؛ كما في قوله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ*وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ).
التعريف بالبعث
يعرف البعث بأنه إعادة جسم الإنسان للحياة بعد الموت ، ويكون ذلك يوم القيامة، وإذا أراد الله -سبحانه وتعالى- بعث الناس أمر المَلَك إسرافيل لينفُخ في الصور؛ لتعود الأرواح إلى أجسادها، ويقوم الناس من قبورهم لله -تعالى-، ويصوّر الله -تعالى- مشهد البعث في القرآن الكريم؛ فقال: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ)، وقوله -تعالى-: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَـذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ).
والمسلم يؤمن بالبعث الذي يكون في يوم القيامة ، وذلك بأنّ الله -سبحانه وتعالى- سيبعثه ويحشره ويحاسبه على أعماله في الدنيا ويُثيبه عليها أو يعاقبه؛ لأنّ ذلك ثابت بالقرآن الكريم، والسنّة النبوية، ولا يمكن أن يقبل العقل والفطرة السليمة عدم وجوده، والقيامة الكبرى من الأمور التي أخبر عنها جميع الأنبياء أُمَمَهم، وقد طالبوا المنكرين الإيمان بها، وقد حكى القرآن الكريم ذلك في عدّة مواضع على لسان أنبيائه؛ آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى ، وعيسى -عليهم السلام- وغيرهم، ثم جاء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبيَّن وفَصَّل أحداث اليوم الآخر في سنّته كما لم تبيِّنه غيره من كتب الأنبياء قبله؛ لأنّه بُعث هو والآخرة متقاربَين.
أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة
أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة هو جسد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الشريف الطاهر؛ فقد قال: (أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ)، وقد قال -عليه السلام- في حديث آخر: (أنا سيِّدُ ولدِ آدَمَ، وأوَّلُ شافِعٍ، وأوَّلُ مُشفَّعٍ، وأوَّلُ مَن تنشَقُّ عنه الأرضُ؛ فأُكْسى حُلَّةً من حُلَلِ الجَنَّةِ، ثم أقومُ عن يَمينِ العَرشِ، فليس من الخلائِقِ يقومُ ذلك المقامَ غيري).
أحوال الناس عند البعث
يوم القيامة يوم عسيرٌ على الناس، وخاصّة على الظالمين والطُغاة والعُصاة؛ حتى لو كانوا من أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنّهم يَخرجون من القبور مسرعين أذلاء خاشعين يتسائلون من أخرجهم من قبورهم، بينما المؤمنون الَّذين خافوا الله -تعالى- في الحياة الدنيا يُرسل الله -تعالى- لهم ملائكة تُطمئنهم في كل مرحلة من مراحل الآخرة حتى لا يُصابوا بالخوف والرعب لقوله -تعالى-: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَـذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، ويخرج الناس من قبورهم حُفاةً عُراةً، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا)، وتكون الأرض قد تبدّلت واختفى عنها كل معلم من جبل، أو تلة، أو هضبة، وأصبحت ملساء صلبة مستوية، ويتساوى في ذلك اليوم الأمير والغفير، والملك والوزير، قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّـهِ).
كما وينادي الله -تعالى- عباده فيأتوه جميعاً صاغرين لا يتخلف منهم أحد، قال -تعالى-: (يَومَ يَدعوكُم فَتَستَجيبونَ بِحَمدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لَبِثتُم إِلّا قَليلًا)، ويُبعث كل واحد منهم بحسب ما مات عليه؛ فمن مات وهو حاجّ يُبعَّث مُلبياً، ومن مات وهو شهيد يُبعَّث بدمائه حمراء عليه، ومن مات وهو يقول: "لا إله إلا الله" يُبعث عليها يوم القيامة؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخلَ الجنَّةَ)؛ فكان من السُنّة تلقينها للميت حتى يُبعث عليها، وقد وصف الله -تعالى- الحشر بأنّه هيِّن ويسير وأهون عليه من خلق الناس، بقوله: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ)، ويبدأ الناس بالخروج ويُذهَلون بما يَرون من تبدّل وتغيّر للأرض، ولا شيء كما كان عليه من قبل؛ فيقول العصاة: (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَـذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
وعندها تكون الطامة الكبرى وبداية رحلة العذاب لمن يستحقه، الذي يتضائل أمامه نعيم الدنيا مهما كان كبيراً، قال -تعالى-: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)، وهذا ما يقوله المشركون والمجرمون عند قيام الساعة حقاً، وقد صوّر الله -تعالى- موقفهم يوم القيامة في القرآن الكريم بقوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)، وهذا عندما يقارنون مدّة بقائهم في الدنيا مع إضافة مدّة بقائهم في قبورهم في حياتهم البرزخية مهما طالت؛ فهي لا تساوي من أهوال الآخرة إلّا ساعةً من نهار، أو يوماً أو بعض يوم.