كيف كانت الأوضاع السياسية في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام
النظام القبلي في شبه الجزيرة العربية
يسود النِّظام القبلي بلاد العرب، ويكون ذلك بالانتساب إلى الآباء والأجداد؛ فالقبائل العربيَّة لا تنتسب إلى المكان كما هو الحال عند العجم؛ لأنَّ العربيَّ من طبعه التّرحال، على خلاف بلاد العجم، والتي كانت تنتسب قبائلها إلى الأقاليم والبلدان والقرى والمدن.
فالقبائل العربيَّة ترجع في نسبها إلى الجدِّ الأوَّل، فكانت عامَّة بلاد العرب تنتسب إلى هذه القبائل، حتى في الأماكن الحضريَّة، وفي المدن الكبيرة، وفي أماكن الاستقرار، فقد كانت اليمن مثالاً على النظام القبليّ بالرَّغم من أنَّ غالبيَّة سكَّانها من الحضر، إلَّا أنَّها كانت تسودها القبليَّة على النَّمط العربيِّ، ناهيك عن القبائل البدويَّة، والتي تُعدّ أكثر انسجاماً مع حياة القبيلة.
والحاكم في القبيلة يكون أحد أفرادها، ويختاره رجال القبيلة لامتيازه ببعض الصِّفات الحسنة؛ كالجود والشَّجاعة، وطلاقة اللسان، والمقدرة على القضاء، ويترتَّب على تولِّي شيخ القبيلة بعض الواجبات؛ كإكرام الضُّيوف، وحلِّ مشاكل القبيلة، وتفقُّد أحوالهم.
كما يترتَّب له بعض الحقوق، منها الحقوق الأدبيَّة؛ كاحترامه، ومشاورته، وعدم مخالفة رأيه، وحقوق أخرى ماديَّة؛ بحيث يأخذ ربع غنائم الغزو عند القسمة، ويأخذ قبل القسمة ما تُحبُّه نفسه وتشتهيه، وهذا السَّخاء على شيخ القبيلة يكون مقابل ما يترتب عليه من الواجبات الماديَّة التي يجب عليه القيام بها.
الحكم والإمارة في شبه الجزيرة العربية
يمكن تقسيم الحكم في البلدان العربيَّة في زمن الجاهليَّة إلى قسمين:
- الملوك المتوَّجون من أهل التيجان
ولم يكن الملوك العرب يتمتَّعون باستقلاليَّةٍ تامَّةٍ، بل كانوا منقادين وتبعاً لمن حولهم من الدول العظمى؛ الفرس والروم، فقد كان عرب الشَّام؛ وهم الغساسنة في شمال جزيرة العرب تبعاً للروم، وعرب العراق واليمن تبعاً للفرس.
وكان شيوخ بعض القبائل يتَّبعون هؤلاء الملوك، وقد تعاقبت أُسرٌ مالكةٌ كثيرةٌ على عرش هذه الممالك، حتى جاء الإسلام، وحرَّر هذه البلدان من التَّبعيَّة للغريب، وانضمت هذه الممالك تحت حكم الإسلام.
- شيوخ القبائل والعشائر
وهؤلاء لم يكونوا ملوكاً، ولا من أهل التيجان، وإنَّما هم مجرَّد شيوخٍ على القبائل، تقوم القبيلة على تنصيبهم بهذا المنصب عن طريق الاختيار، ويمتاز هؤلاء الشيوخ بما يمتاز به الملوك من الحريَّة والاستقلاليَّة التامَّة.
ولم يكن شيوخ القبائل تبعاً لأحدٍ، ولا ينقادون لأحدٍ من المتسلِّطين، كما هو الحال في الممالك، ولكن ربَّما انقاد بعض شيوخ هذه القبائل إلى بعض ملوك العرب من أهل التيجان، ولكنَّ الأغلب لهؤلاء الشيوخ عدم تبعيَّتهم لأحد.
ظهور دولة الغساسنة والمناذرة
الغساسنة والمناذرة: هم من العرب الذين كانوا يعيشون على أطراف الجزيرة العربيَّة؛ مجاورين لدولتي الفرس والروم، وكان الغساسنة والمناذرة من الحضر، وعاشوا حياة الحضر، ووسنذكرهما فيما يأتي:
- دولة الغساسنة
يعود اسم الغساسنة إلى عين ماء نزلوا عليها بعد خروجهم من اليمن باتِّجاه الشَّمال، وكانت عين غسان في الجزيرة، فمسيرة الغساسنة من اليمن إلى الشَّام لم تكن متواصلةً، بل تخلَّلها سُكنى الغساسنة للجزيرة العربيَّة، وأوَّل من أسَّس دولة الغساسنة هو جفنة بن عمرو.
وكانت عاصمة الغساسنة متنقلةً في بلاد الشَّام، فبعد سكناهم للشَّام اقتبسوا من هذه البلدان كثيراً من العادات، حيث سكنوا القصور، وحجبوا النَّاس عنهم، وعرف الغساسنة البنيان ومظاهر التحضُّر بسسب مخالطتهم لأهل الشَّام.
- دولة المناذرة
المناذرة قبائل يمنيَّة مهاجرة، سكنوا العراق، وكانوا يُقدِّمون الولاء للفرس؛ بسبب سلطة الفرس القويَّة، ومجاورتهم للفرس، فقدَّموا للفرس الطَّاعة، وكانوا تبعاً لهم، واتخذ الروم من الغساسنة حجاباً جعلوه بينهم وبين قبائل العرب التي تعيش على الغزو، وفعل الفرس الغرض نفسه.
وعاش المناذرة حياة ترفٍ ورخاءٍ، بسبب تأمين المناذرة لهم، وإغداقهم عليهم؛ لِما كانوا يُقدمونه من خدماتٍ للفرس؛ ولحكَّام الفرس في الفتن الدَّاخلية والحروب الخارجيَّة، ولهذا اشتهرت بعض قصور المناذرة حتى خلّدها التاريخ، مثل الخورنق والسدير.
انتصار العرب على الفرس في ذي قار
سمِّيت هذه المعركة بذي قار تبعاً للمكان الذي وقعت فيه؛ وهي عين ماءٍ لقبيلة بكرٍ بنت وائل، وسبب المعركة أنَّ النعمان بن المنذر ملك الحيرة استودع عند هانئ بن قبيصة؛ وهو زعيم البكريين، عتاداً وأسلحةً، وكان كسرى "أبرويز" قد غضب من النعمان، فنفاه، وكان سبباً بموته، فطلب كسرى من هانئ بن قبيصة أن يُسلمه ما استودعه النعمان عنده، فأبى هانئ؛ خوفاً من خيانة الأمانة.
وجمع له كسرى جيشاً كبيراً من الفرس، وممَّن نصره من قبائل العرب، فاجتمعوا قريباً من ذي قار ودارت الحرب، وكان أوَّل شأنها للفرس، ولكن الفرس أعياهم العطش فدارت الحرب للعرب، حتى انتصروا، وكانت ذو قار أوَّل نصرٍ للعرب على العجم.
ولم تكن ذي قار يوماً واحداً، بل كانت أياماً معدودةً، وكانت نهايتها في مكان ذي قار، فأخذت اسمه، وهذه الأيام هي: "يوم قراقر، ويوم الحنو: حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار"، وتعدّدت آراء المؤرّخين في تاريخ هذه المعركة على أقوال:
- يوم ولادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
- يوم بدر الكبرى.
- قبل الهجرة النبوية .
- قبل البعثة النبوية.
وكان هذا النصر أشبه بالمقدمة لانتصارات المسلمين التي سادت البلاد كلها، والحمد لله رب العالمين.
الحالة الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية
انقسمت العرب في شبه الجزيرة العربية إلى: العرب البدو، فكان عماد حياتهم على الرعي، والرحلة في طلب الكلأ والمرعى، فكان الثراء والفقر؛ تبعاً لما يملكون من هذه المواشي، أمّا العرب الحضر؛ فقد تنوَّعت مظاهر الاقتصاد عندهم بما يأتي:
- الزراعة
نشطت عندهم زراعة الحبوب، والفواكه، والنخيل في بلاد اليمن، والمدينة، والطائف.
- التجارة
وهذه مهنة أهل مكة الرئيسية، قال الله -تعالى-: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، وقد نشطت التجارة في اليمن؛ تبعاً للنشاط الصناعي فيها، ولم تقتصر التجارة في اليمن على البر، بل تعدّتها إلى التِّجارة البحرية.
وكانت تُقام في بلاد العرب أسواقٌ للتجارة، والشِّعر، والأدب؛ كسوق عكاظ، ومجنة، وذي المجاز، ومن أشهر مظاهر الاقتصاد في الجاهليَّة، والتي سجلها القرآن الكريم؛ الرِّبا، وهو من المظاهر السلبيَّة في ذلك المجتمع.