كيف كان ينام الرسول
صفة نوم الرسول عليه الصلاة والسلام
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إذا أراد النوم؛ يتناول فراشه الذي يريد أن ينام عليه، فينفضه ثلاث مرّاتٍ من الجانب الذي يلي بدنه، وقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ، فإنَّه لا يَعْلَمُ ما خَلَفَهُ بَعْدَهُ علَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ، فَلْيَضْطَجِعْ علَى شِقِّهِ الأيْمَنِ، وَلْيَقُلْ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّي بكَ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لَهَا، وإنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بما تَحْفَظُ به عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ)، ومن هديه -عليه السلام- أنّه كان يضع يده اليُمنى تحت خدّه، وينام متّجهاً بوجهه نحو القِبلة.
وكان -عليه الصلاة والسلام- ينام في أوّل الليل ويقوم آخره، وقبل أن ينام يدعو دعاء النوم ، وحين يستيقظ يدعو دعاء الاستيقاظ، وعندما يأوي إلى فراشه يجمع كفّيه، فينفث فيهما، ثم يقرأ سورة الإخلاص والمعوّذتين ، ويمسح بيديه على جسده، ابتداءً برأسه ثم ما استطاع من كامل جسده الشريف، ويفعل ذلك ثلاث مرات، ويتوسّد بوسادةٍ مصنوعة من الجلد ومحشوّة بالليف، وكذلك فراشه، ومن هديه أيضاً أنّ عائشة -رضي الله عنها- قالت له: (يا رَسولَ اللَّهِ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقالَ: يا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولَا يَنَامُ قَلْبِي)، وقد ثبت عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بعد أن يضطجع على الجهة اليمنى: (اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، ووَجَّهْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولا مَنْجا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، آمَنْتُ بكِتابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ وقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن قالَهُنَّ ثُمَّ ماتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ ماتَ علَى الفِطْرَةِ).
وقت نوم الرسول عليه الصلاة والسلام
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ينام أوّل اللّيل بعد أن يؤدّي صلاة العشاء، ثم يقوم عند بدء النصف الثاني من الليل فيُحيي الثلث منه، ثم ينام في السُّدُس الباقي من الليل، وقد وصف ابن القيّم -رحمه الله- نومه -عليه الصلاة والسلام- في كتابه زاد المعاد بأنّه أنفع نومٍ للجسد، وكان النبيّ ينام وقت القيلولة أيضاً، واقتدى به الصحابة الكِرام في فعل ذلك، وكرِه رسول الله النوم قبل العشاء؛ أي بعد المغرب، كما يُكره النوم في النّهار إلا وقت القيلولة، ولم يكن من عادة الرسول النوم بعد الفجر ، لكن إن صعُب على المسلم أن يبقى مستيقظاً بعد الفجر؛ فله أن ينام حتى يقوى على القيام بأعماله.
وقد جاء النهي عن النوم قبل العشاء وعن الحديث بعده في حديثٍ نبويٍّ شريف، فعن أبي برزة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (كانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، والحَدِيثَ بَعْدَهَا)، وقال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، ففي الآية الكريمة بيانٌ واضحٌ أنّ وقت النوم يبدأ من بعد صلاة العشاء، حيث يكون المرء في هذا الوقت قد استعدّ للنوم، وقد كان الناس زمن رسول الله يفعلون ذلك، وجاء الإسلام وأقرّهم على فعلهم، ثمّ استثنى رسول الله من كراهة السّهر بعد العشاء أن يكون المسلم مسافراً، أو مصلّياً، أو قائماً على أمرٍ من أمور المسلمين، فقال -عليه السلام-: (لا سَمَرَ إلا لِمُصَلٍّ أو مُسافِرٍ)، كما أخبر عمر بن الخطاب أنّه كان يسهر مع رسول الله وأبي بكر ليقوموا على أمور المسلمين.
فراش الرسول عليه الصلاة والسلام
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتجنّب النوم على فراشٍ ناعمٍ، لأنّ ذلك يمنعه من قيام الليل ، فلمّا سُئلت حفصة عن فراش رسول الله، وصَفته بأنّه خشنٌ مصنوعٌ من الصّوف، يقومون بطيّه على طبقتيْن، فينام عليه، وفي يومٍ من الأيّام قاموا بثنْيه على أربع ثنْيات، فأصبح طريّاً، فنام عليه رسول الله، ولمّا أصبح جعل يسأل عمّا تغيّر في فراشه، فقالت له إنّه كان على أربع ثنْيات، فطلب أن يعيدوه إلى ما كان عليه، فقد منعه ذلك من قيام الليل ، وقد وصفت عائشة -رضي الله عنها- فراش النبي فقالت: (إنَّما كانَ فراشُ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الَّذي ينامُ عليهِ أَدَمٌ حشوُه ليفٌ)، بمعنى أنّه مصنوعٌ من جلد البعير، ومحشوٌ باللّيف لا بالقطن.
ووصف ابن القيم في كتابه زاد المعاد ما كان ينام عليه رسول الله، فقد كان ينام على الفراش، وعلى الجلد، وعلى الحصير، وعلى الأرض، وعلى السرير، وعلى كساءٍ أسود، أي أنّه كان ينوّع فيما ينام عليه، وفي يومٍ من الأيام دخل مجموعةٌ من الصحابة على رسول الله، ودخل عمر -رضي الله عنه-، فرأى فراش رسول الله قد أثّر في جنبه، فبكى عمر، فسأله رسول الله عمّا يبكيه، فقال عمر: والله إني أعلم أنّك أكرم عند الله من كِسرى وقيْصر، وهما يعبثان ويلهوان في الدنيا، وأنت في هذا المكان، فقال رسول الله: (أمَا تَرْضى أنْ تكونَ لهمُ الدُّنيا ولنا الآخرةُ؟ قال عمرُ: بَلى، قال: فإنَّه كذاكَ).