كيف كان يعتكف الرسول في رمضان
اعتكاف الرسول في رمضان
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يعتكف في شهر رمضان المبارك، وخاصّةً في العشر الأواخر منه، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ)؛ والسبب في ذلك التماس ليلة القدر، كما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ).
كيفيّة اعتكاف الرسول في رمضان
كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يلتزم بالمكان الذي خصّصه للعبادة، ويتعبّد لله -تعالى- بمختلف العبادات والطاعات، كالصلاة، وتلاوة القرآن ، والذِّكر، وكان لا يتحدّث مع أحدٍ إلّا لحاجةٍ أو ضرورةٍ، وكذلك لم يدخل أيّ حُجرةٍ لزوجاته إلّا لحاجةٍ ما. ورغم تفرّغه -عليه السلام- لطاعة ربّه -عزّ وجلّ- إلا أنّه كان يحرص على نظافة جسمه وتعاهد شعره؛ فعن السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كَانَتْ تُرَجِّلُ، تَعْنِي رَأْسَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي حَائِضٌ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ في المَسْجِدِ).
وقت اعتكاف الرسول في رمضان ومدّته
واظب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الاعتكاف في شهر رمضان، وحثّ صحابته -رضي الله عنهم-، وزوجاته -رضي الله عنهنّ- عليه، بدليل ما صحّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ)، ولم تُحدَّد العشر الأواخر فقط؛ إذ ثبت أنّه اعتكف في العشر الوُسطى؛ فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأوْسَطِ مِن رَمَضَانَ)، كما صحّ الخبر أنّ النبيّ اعتكف ذات مرّةٍ عشرين يوماً، وكان ذلك قبل وفاته؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ورواه أبو هريرة -رضي الله عنه-: (فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا).
وعُلِّل اعتكاف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم عشرين يوماً قبل وفاته بعدّة أسبابٍ، منها: أنّه كان يتدارس القرآن مع جبريل -عليه السلام- مرّةً كلّ عامٍ، و قد تدارساه في العام الذي قُبِض فيه مرّتَين، فلزم ذلك الاعتكاف عشرين يوماً، وقِيل لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد أحسّ باقتراب أَجَلِه، فرَغِبَ في الاستكثار من العبادات، والأعمال الصالحة، وقِيل إنّه اعتكف عشرين يوماً؛ شُكراً الله -سبحانه- على ما أنعم به عليه، وبما فضّله به، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يبدأ اعتكافه ويدخل مُعتكَفَه بعد صلاة الفجر فعن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أرادَ أن يعتَكِفَ صلَّى الفجرَ ثمَّ دخلَ معتَكَفَهُ).
مكان اعتكاف الرسول في رمضان
اتّخذ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من المسجد مكاناً للاعتكاف، ولم يعتكف في أيّ حُجرةٍ من حُجراته، على الرغم من قُربها ولحوقها بالمسجد، بل جعل مكاناً خاصّاً له في المسجد للاعتكاف؛ ودليل ما سبق ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه من أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَتْ تُرَجِّلُ، تَعْنِي رَأْسَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي حَائِضٌ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ في المَسْجِدِ) -وهو الحديث الذي ورد سابقاً-.
حرص النبيّ على سُنّة الاعتكاف
يُراد بالاعتكاف ؛ طُوْل المُكث واللبث في المسجد، وعدم الخروج منه إلّا لضرورةٍ أو حاجةٍ ما، وانشغال العبد بما يحقّق له القُرب من الله -تعالى-؛ بالعبادات والطاعات، كالصلاة، والاستغفار، والذِّكر، وقراءة القرآن، والتسبيح، وبذلك يغتنم المسلم وقته في التقرُّب من الله -سبحانه-، مُقتدياً في ذلك بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ كان شديد الحرص على الاعتكاف، والخُلوة بالنفس؛ عبادةً وقُرباً من الله -سبحانه-، وممّا يدلّ على ذلك ما ثبت أنّه ترك ذات مرّةٍ الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان لسبب ما، فلمّا دخل شهر شوال وأفطر شرع في قضاء اعتكافه في العشر الأوائل من شهر شوّال؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (فَلَمَّا أفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِن شَوَّالٍ).
أهميّة الاعتكاف
يحرص المسلم على اتّباع سُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وانتهاجها؛ لما يترتّب على ذلك من الأجر العظيم، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومن السُّنَن الواردة عن النبيّ الاعتكاف، والثمار التي يجنيها المسلم من الاعتكاف كثيرة، وفيما يأتي بيانُ بعضها:
- تدريب النفس وتربيتها على حُسْن استغلال الأوقات، والاستفادة منها بما يُرضي الله -تعالى-، وتوطينها على الإخلاص في العبادة له، والابتعاد عن الرِّياء.
- الابتعاد عن مشاغل الحياة، وهمومها، والتخلُّص من بعض العادات السيّئة، ككثرة الكلام، أو النوم، أو الطعام، وغير ذلك من العادات السيّئة.
- التقرُّب من الله -تعالى-، والإقبال عليه بالأعمال الصالحة، والتفكُّر بما بثّه في الكون والتأمُّل فيه.
- الابتعاد عن المعاصي والذنوب، وملذّات الحياة وشهواتها، وتعويد النفس على رفضها، وسهولة تركها.
- تعويد النفس على الصبر والتحمُّل؛ بالصبر على أداء العبادات والطاعات بعيداً عن مألوفات النّفس ورغباتها.
- نَيل الأجر العظيم المُترتّب على أداء العبادات والطاعات، وبذل الجُهد في التقرُّب من الله -تعالى-.
- زيارة بيت الله؛ فالمُعتكف في المسجد ينال شرف المكوث في بيت الله -تعالى-، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (المسجِدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ وتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن كانَ المسجِدُ بيتَهُ بالرَّوحِ والرَّحمةِ والجوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللَّهِ إلى الجنَّةِ).
- إحياء السُّنَن النبويّة الواردة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
- إحياء ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ).
- الحرص على إعمال العقل بالتّفكّر والتّأمل بعظمة الله -سبحانه-.