كيف كان يتعامل الرسول مع النساء
كيف كان يتعامل الرسول مع النساء
تعامل الرسول مع زوجاته
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعامِلُ زوجاته أفضل مُعاملة، وجاء في قول زوجته عائشة -رضي الله عنها- عن مُعاملته لَهُنّ إنه كان أكرم الناس خُلُقاً، وكان ضحّاكاً بسّاماً، كما أنه كان يقوم بالعمل معهنّ ومُساعدتهنّ في أعمال البيت، وكان يخدم نفسه بنفسه، ولا يصرخُ في وجوههنّ، أو يطلُب منهنّ خدمته، ويجلس معهنّ، ويأخُذ بِمشورتهنّ، ويُسامِرُهنّ، ويستمع لِحَدِيثهنّ، وهذا كُله في جميع أوقاته، فذات مرةٍ استمع لزوجته عائشة -رضي الله عنها- وهي تُكلّمه عن إحدى عشرة نسوةً كُنّ في الجاهليّة، ومن مُلاطفته لزوجاته أنه تسابق مع عائشة وهو في السفر، وقد أخذ برأي زوجته أُمّ سلمة في أمرٍ مهمٍّ بعد صُلح الحُديبية، وكانت آخر وصاياه في النساء، بالإضافة إلى عدله بينهُنّ، وتطْيِيبِه لِخاطِرِهِنّ، فقد ثبت أنّ حفصة عَيَّرت صفيّة بأنها ابنة يهوديّ، فأخبرت النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك؛ فطيّب خاطرها بأنْ بيّن لها أنّ نسبها ينتهي إلى نبيّ الله هارون -عليه السلام-.
تعامل الرسول مع بناته
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفرح ويستبْشر لمولد بناته، ويقوم على تربيتهنّ، ويتوسّمُ فيهنّ الخير والبركة، ويُزوّجُهنّ بالزوج التّقي، صاحب الدين والأخلاق، كما أنه كان يوفّر لهُنّ ما يلزمهُنّ من الحاجات الجسميّة والنفسيّة، ويُعلّمُهُنّ أحكام الإسلام ومبادئه مُنذُ صِغَرِهِنّ، وبعد زواجِهِنّ كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يزورُهُنّ، ويُدخل السرورَ عَليهِنّ، وزار ذات مرةٍ ابنتهُ فاطمة ودعا لها ولزوجها، وكان يُفكِّرُ في بناته حتى في أصعبِ ظُروفه، فعند خُروجه لمعركة بدر كانت ابنتهُ رُقية مريضة، فأمر زوجها عُثمان بن عفان -رضي الله عنه- بالبقاء معها وعدم الخروج للمعركة، وبشّره بالأجر، وجعل له سهماً من الغنائم.
وتتمثّل جوانب الرحمة في مُعاملةِ النبيّ لَهُنّ في الكثير من الصور؛ كدعوته لَهُنّ إلى الإسلام بالحُسنى، وذلك عندما أمره الله -تعالى- بتبليغ الدعوة لعشيرته وأقربائه، فقال لابنته فاطمة: (ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا)، وكان النبيّ شديد الحرص والعناية بِهِنّ في أشدّ الأوقات، ويُحسنِ استقباله لَهُنّ، ويأْتَمِنهنّ على أسراره، ويُدخل السرور والفرح عليهِنّ، ويزوّجهنّ أبطالاً أتقياء، وأصحاب العقل الراجح، فقد زوّج ابنته زينب -رضي الله عنها- من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع، وزوّج رُقيّة من عُثمان بن عفان، وعندما تُوفّيت زوّجه من ابنته أم كلثوم، وزوّج فاطمة لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، كما أنه كان يأمُرُهُنّ بالحِجاب والسّتر في لِباسِهِنّ، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)، ويحرص على حل المُشكلات التي تحصل بينَهُنُّ وبين أزواجِهِنّ، ويُشارِكُهُنّ في عقيقة أبنائِهنّ، فقد عقّ عن الحسن كبشاً، وعن أخيه الحُسين كبشاً، ووصل الاهتِمام بِهِنّ حتى بعد موتِهِنّ؛ كالاهتمام بالأمر بِغُسلِهِنّ، ووضع شيئاً من ثيابه مَعَهُنّ، وشُهود جنازتِهِنّ، ودفنِهِنّ، والحزن على فراقهنّ.
تعامل الرسول مع نساء المسلمين
حثّ النبي -عليه الصلاة والسلام- على رفع قدر ومكانة المرأة وشأنِها، وجعلها في مكانٍ يليق بها، وفي عرفاتٍ بحجّة الوداع تكلّم عن حُرمتِهِنّ ومكانَتِهِنّ، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ)، وكرّمها سواءً كانت أُمّاً أو بنتاً أو زوجة، وكان ذلك جليّاً في كثيرٍ من الأحاديث، كقوله: (استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا)، كما أنه كان يهتمّ بِتَعليمِهِنّ، فعقد معهنّ موعداً، ووَعظهنّ ونَصحهُنّ، وكان ممّا قاله لهنّ: (ما مِنَ امرأةٍ تُقَدِّمُ ثَلاثًا مِنَ الولدِ تَحْتَسِبُهُنَّ إِلَّا دخلَتْ الجنةَ، فقالتْ امرأةٌ مِنْهُنَّ: أوْ اثْنانِ؟ قال: أوْ اثْنانِ)، وكُنّ يسألن والنبي -عليه الصلاة والسلام- يُجيبُهُنّ، بالإضافة إلى توصية الأزواج بِهِنّ، وعدم ظُلمِهِنّ، وعدم بُغضها أو كراهيتها لبعض أخلاقها السيئة، لِما تحمله من أخلاقٍ فاضلةٍ أُخرى، قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ، فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ).
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسلّم على الجماعةِ من النساء برفع يده، وكانت الطفلة الصغيرة تأخُذ بيده حيثُ تُريد، ويمشي مع الأرامل والمساكين منهُنّ في قضاء حوائِجِهِنّ، وذات يومٍ لَقِيَته امرأةٌ وصبيّ، وقالا: إن لنا حاجة، فقام معهما حتى قضى لهما حاجتهما، وكان يتواضعّ معهُنّ، ويرفق بهنّ، ومن صور ذلك حديثُ أنس -رضي الله عنه-: (جاءت امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللهِ، إن لي إليك حاجةً، فقال لها: يا أُمَّ فلانٍ، اجلسي في أيِّ نواحي السِّكَكِ شئتِ حتى أجلسَ إليك. قال: فجلستْ، فجلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليها، حتى قضت حاجتَها).
مكانة المرأة في الإسلام
رفع الإسلام شأن المرأة ، وأعلى من قدرِها، سواءً كانت أُمّاً أو بنتاً أو زوجةً، وحثّ الرجال على الإنفاق عليها، وأمر بتربيتها وتعليمها إن كانت بنتاً، ومُعاملتها بالمعروف إن كانت زوجة، لقوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، كما أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حرص على الوصية بهنّ في حجة الوداع ، ولمّا أمره الله -تعالى- بإنذار عشيرته بالدعوة، نادى على عمّته صفيه وابنته فاطمة باسمهما؛ إعلاءً لشأنهنّ، ويُبيّن للناس جواز مُناداتهم بأسمائهنّ، وليس كما كانوا يعتقدون من الخجل في ذلك، ويُجيز لهُنّ الاستماع لِخُطبته، فقد جاء عن أُمّ هشام بنت حارثة قولها: (وَما أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ إلَّا عن لِسَانِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَومِ جُمُعَةٍ علَى المِنْبَرِ، إذَا خَطَبَ النَّاسَ).
وجعل لها الإسلام اعتبارها واشتراكها مع الرجل في الإنسانيّة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)، وهي شريكةٌ معه في الجزاء، لقوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وضمِن لها شخصيّتها المُستقلة، وجعل لها حقاً في الميراث بعد أن كانت تُحرم منه، فقال -تعالى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
حقوق المرأة في الإسلام
وضع الإسلام للمرأة مجموعةً من الحُقوق ، ولم يُميّز بينها وبين الرجُل إلا بالتقوى، لقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فسمح لها بِالمُشاركة في الحياة العامة، وجعلها عُنصراً إيجابياً في المُجتمع، وساوى بينها وبين الرجل أمام القانون وفي القيمة، لقوله -تعالى-: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ)، وضمن لها حُقوقها المدنيّة؛ كالعمل وتولّي الوظائف، ومُمارسة حُقوقها السياسيّة، ودعاها لاكتساب العلم والمعرفة، أمّا على صعيد أحوالها الشخصيّة؛ كتربيتها لأطفالها ، فلم يغفل الإسلام عن ذلك؛ بتوزيع الأدوار بينها وبين الرجُل بما فيه صلاح الأُسرة والمُجتمع، وفي إطار المساواة في القيمة والكرامة، وكانت النظرة الإسلاميّة لذلك تقوم على المُساواة بينها وبين الرجل، مع مُراعاته لجوانب الاختلاف بينهما في القُدرات الطبيعيّة التي خلقهما الله -تعالى- عليهما.