كيف كان الناس يحصلون على الماء قديماً
كيف كان الناس يحصلون على الماء قديماً؟
حفر القنوات المائية
شكّل الماء منذ 8000 عام حاجةً أساسيةً للمزارعين القدامى في قارّتي أفريقيا وآسيا لريّ أراضيهم، فكانت الأنهار؛ كنهر النيل ، ونهر دجلة، ونهر الفرات تفيض وتتكفّل بريّ المزروعات عدّة مرّات سنوياً، إلاّ أنّ ذلك لم يكن كافياً نظراً إلى حاجة المحاصيل للريّ يومياً، فاستخدم الناس أدوات بسيطة كالفأس والمجرفة لحفر قنوات مائية على ضفاف الأنهار لإيصال الماء إلى الأراضي الزراعية، وقد استخدم الرومان هذه القنوات أيضاً ليتمكّنوا من إيصال الماء الجاري من الينابيع أو من قمم الجبال البعيدة إلى المدينة.
تجميع الماء
اعتاد الناس منذ القِدم على الحصول على الماء عن طريق تجميع مياه الأمطار في خزانات كبيرة وتخزينها، وقد كانت هذه الطريقة تُتبع غالباً في المناطق التي كانت تُعاني من فترات جفاف مستمرة، لكن اعتمد أغلب الأشخاص على الماء الذي يتمّ تجميعه بشكل طبيعي كالمياه الجوفية، إذ كان باستطاعتهم العثور على المياه الجوفية عن طريق تدفّقها في الأنهار أو خروجها من الأرض على شكل ينابيع، أو عن طريق الحفرعميقاً للحصول عليها.
أمثلة من الحضارات القديمة للحصول على الماء
اليونان والرومان
ازدهرت تقنيات إدارة الماء خلال العصر الهلنستي والحقبة الكلاسيكية المتأخرة بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أسّست المجتمعات اليونانية منذ ألفية قبل الميلاد الأخيرة العديد من التقنيات المتقدمة المتعلقة بأنظمة إدارة الماء، ومنها تطبيق التكنولوجيا الهيدروليكية، حيث إنّهم استغلوا خبراتهم والتكنولوجيا الهيدروليكية لتأسيس أنظمة تزويد وتصريف للماء، وتحقيق الأمن الغذائي، وإعداد أنظمة صرف صحي، كما تمكّنوا أيضاً من بناء أماكن ترفيهية؛ كالمسابح والحمامات العامة.
أصبحت الحضارة الرومانية في وقت لاحق القوة العظمى في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث استطاع الرومان التأثير على الكثير من المناطق من خلال عدّة طرق كان أهمّها طريقة التعامل مع الموارد البيئية، وذلك من خلال اتباع طرق فريدة للحصول على الماء ونشرها في كافة أرجاء البلاد، حيث إنّهم وفّروا كميات كبيرة من الماء وبجودة عالية عن طريق الاستفادة بشكل منتظم من المياه الجوفية النقية، وربطها بشبكة من القنوات التي تُزوّد السكّان بالماء بشكل مستمر.
زوّدت قنوات الماء عدداً كبيراً من سكّان المناطق بالماء النقي، وقد أُنشئ نظام القنوات المائية على مدى 500 عام، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحضارات السابقة في مصر والهند استخدمت أيضاً نظام القنوات المائية إلّا أنّ الرومان تميّزوا بتطويره، كما أولى الحكام الرومانيون ومنهم الإمبراطور أغسطس، والإمبراطور كاليجولا، والإمبراطور تراجان أهمية كبيرة لبناء القنوات، وتكفّل القطاعان العام والخاص بتحمّل تكاليف الإنشاء، ويُمكن رؤية آثار هذه الأنظمة في كلّ من فرنسا، وإسبانيا، واليونان، وشمال أفريقيا، وتركيا.
استخدم اليونان والرومان خلال العصور القديمة مختلف الوسائل للتحسين من جودة الماء، ومن الطرق التي تمّ اكتشافها عن طريق المصادر المكتوبة والحفريات الأثرية، استخدامهم خزّانات الترسيب، والغرابيل، والفلاتر، وغلي الماء الذي كان من الأمور التي ينصح بها أطباء ذلك العصر، وقد ساهم ذلك في التخفيف من المخاطر البيولوجية للمياه الشائبة.
إمبراطورية الخمير
امتدت إمبراطورية الخمير من القرن التاسع ميلادي إلى القرن الثالث عشر ميلادي، ولكي تتمكّن من حماية سكانها البالغ عددهم مليون نسمة، كان لا بدّ من استغلال الأمطار الموسمية لريّ المزروعات وتأمين الطعام والشراب لهم، لذا قامت الإمبراطورية ببناء شبكة من الخزانات، والقنوات، والسدود ، وأحد أكبر هذه الخزانات وأهمّها هو خزان باراي الشرقي، وهو أكبر قطعة أثرية تمّ إنشاؤها قبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حيث تصل سعته التخزينية الى 50 مليون لتر.
إمبراطورية الآزتك
تأسست إمبراطورية الآزتك عام 1325م، وخصّصت لنفسها نظام ريّ مبتكر لمدّ مدينة تينوختيتلان بحاجتها من الماء، حيث تمكّنت كلتا القناتان المصنوعتان من الطين من تزويد المدينة والتي يصل عدد سكانها الى 200 ألف نسمة بماء الشرب اللازم، والذي يتمّ إحضاره من الينابيع التي تبعد أكثر من 4 كم، كما كدّس الآزتيك أعواد القصب والطين داخل أجزاء المستنقع من بحيرة تيكسكوكو مشكّلةً بذلك 121 كم² من الحدائق العائمة لزراعة الذرة، والأفوكادو، والبازيلاء، والطماطم، والفلفل الحار.
مملكة العرب الأنباط
قامت المملكة النبطية جنوب الأردن في مدينة البتراء في عام 300 قبل الميلاد، وعلى الرغم من انخفاض مستوى الأمطار فيها إلى أقل من 10 سم سنوياً، إلّا أنّ الحضارة النبطية استطاعت تزويد أكثر من 30 ألف نسمة بالماء بفضل فعالية نظام جمع الماء لديها، حيث حفروا قنوات مبطّنة في الصخر الصلب لمنع التسريب أو التآكل، وبنوا حوضاً يتّسع لأكثر من 2 مليون لتر من الماء تُحيطه حدائق جميلة المنظر.
أهمية الماء
الماء هو العنصر الأساسي للحياة، والذي ساهم على مدار التاريخ في توحيد البشر وتفريقهم على حد سواء، فمن دون الماء تتهدد الحياة البشرية، لذا تشكّلت أولى الحضارات القديمة على ضفاف الأنهار ، ومن أشهرها: الحضارة المصرية التي تأسّست على ضفاف نهر النيل، وحضارة بلاد الرافدين على ضفاف نهري دجلة والفرات، والحضارة الصينية على ضفاف النهر الأصفر، والحضارة الهندية القديمة على ضفاف نهر السند.
بدأت هذه الحضارات بالتشكّل مع بداية الثورة الزراعية أيّ حوالي عام 12,000 ق.م، إذ تُعتبر بيئة الأنهار جاذبةً للحضارات، لما تُوفّره من ماء شرب مستدام، وأرض خصبة لزراعة المحاصيل، بالإضافة الى سهولة نقل البضائع والأشخاص، وفرصة صيد الأسماك والحيوانات التي تأتي للشرب.