كيف خلق الله الأرض
خلق الأرض بأربعة أيام
يعتبر خلق الأرض من مظاهر قدرة الله -عزّ وجلّ- التي ينبغي على المسلم التفكّر بها، واستشعار عظمة الله -عزّ وجلّ- وقدرته الفائقة في إبداع الكون وتصويره، تُرى كم يوماً استغرق خلقُ الأرض؟
قال الله -تعالى- في كتابه العزيز محدِّدَاً لأيام خلق الأرض: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ).
تدلُّ الآية الكريمة السابقة على أنّ مجمَلَ أيامِ خلقِ الأرض، وتهيئتها لعيش الكائنات هو أربعة أيام، ففي المرحلتين الأولتين خلق الله -عز وجل- الأرض، وجعل في الأرض الرواسي؛ وهي الجبال ثوابت للأرض، ومصدر للينابيع وتَفَجُّر الأنهار، وبارك ما فيها من خيرات، وقدّر في الأقوات؛ أي جعل فيها ما يقتات عليه كائنات من الأرض ويعتاشون به من النباتات والحيوانات؛ فبذلك يُصبح مُجمل أيام خلق الأرض هو أربعة أيام.
أصل الكون المادي من الدخان
يحاول علماء الفضاء جاهدين معرفة المكوّن الأساسي الذي تشكّل منه الكون، ويسعَون بكلّ ما أوتوا من علمٍ و وسائل حديثة أن يعرفوا الطريقة التي وُجِد فيها هذا الكون، وتكوّن منها الكواكب، والنجوم، والسماوات، وما على الأرض، ولكنّهم مهما حاولوا فلن يستطيعوا أن يصلوا إلى اليقين في هذه الأمور؛ لقول الله -تعالى-: (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).
إلا أنّهم استطاعوا التخمين أنّ المادة الأولية التي تكوّن منها الكون واحدة، ومن الأدلة على هذا قول الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ* وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ* وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ).
وقد دلَّلَ القرآن الكريم على أنّ المكوّن المادي للكون هو الدخان، كما ورد في الآية الآتية، قال -تعالى-: (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي وصلنا إليه، إلا أنّ العلماء ما زالوا في حيرةٍ من أصل المادة المكوّنة للكون، ولكنّهم عندما توصّلوا إلى علوم الذَّرّة، وانقساماتها، وما ينبعثُ منها من غازات، توقّعوا أن تكون هذه الغازات هي الدّخان المكوّن المادي للكون وهي ذاتها التي تُشكّل النجوم ومجموعاتها.
الدورات التكوينية للأرض والسماء معًا
لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- السماوات والأرض في ستة أيام، وهذا واضحٌ وصريح في الكثير من الآيات، قال الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وغيرها العديد من الآيات التي تُبيّن ذلك.
ولكن قد يقع المرء في مشكلة ويتساءل كيف تُخلق السماوات والأرض في ستة أيام؟ وقد ثبت علميّاً أنّ خلقها استغرق بلايين السنين؟ فالرّد على هذا يكون: أنّه لا تعارض بين الآيات التي تُصرّح بخلق السماوات والأرض في ستة أيام وبين الحقائق العلمية، حيث إنّ مدّة اليوم عند الله -تعالى- تختلف عن مدّة اليوم الذي في حياة البشر، ويدلّ على ذلك، قوله -تعالى-: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)، و"ألف سنة" الواردة في الآية إنّما هي على سبيل التشبيه، فاليوم عند الله -تعالى- يختلف عن مقاييس البشر ولا يُعلَمُ كم يعادل من أيامنا إلا هو.
وقد يتساءلُ البعض أيضاً عن مدّة خلق السماوات في الأرض، فهناك من يعتقد بأنّها ثمانية أيام؛ وذلك لما ورد في قول الله -تعالى-: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)، على فرض أن خلق الأرض كان في يومين، وخلق الجبال و تقدير الأقوات في أربعة أيام، وخلق السماوات كان في يومين، فيصبح المجموع ثمانية، وهذا ليس صحيحاً، فقد خلق الله الأرض وجعل فيها الرواسي وقدّر فيها الأقوات جميعها في أربعة أيام، وخلق السماء في يومين فبذلك يكون المجموع ستة أيام.
تهيئة الأرض للحياة
لقد خلق الله -تعالى- الأرض ومهّدها وهيّأها؛ لتكون موطناً للعديد من الكائنات، و وَفََّرَ فيها سُبلَ العيش، فقد جعل فيها الجبال لتثبّتها، ثمّ جعل فيها أصناف الدّواب والأنعام، ثمّ أنزل عليها المطر من السماء، فانشقّت الأرض وأنبتت صنوف النباتات والثمار من الزيتون، والنخيل، والأعناب، كلُّ ذلك مسخّرا لمخلوقات الأرض، ومن الآيات القرآنية الدّالة على هذا ما يأتي:
- قال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ).
- قال -تعالى-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ).
- قال -تعالى-: (فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا* وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا* وَحَدَائِقَ غُلْبًا* وَفَاكِهَةً وَأَبًّا* مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ).
إرساء الجبال وتقدير الأقوات
تعدُّ الجبال من المظاهر الكونية التي تدلّ على عِظَمِ قدرة الله -تعالى- ووحدانيّته، فقد حثّ الله -تعالى- النّاس على النظر إليها والتفكّر فيها، قال الله -تعالى-: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ).
فالمتفكّر في حال الجبال والآيات الواردة فيها، هذه الحجارة الشامخة الصّلبة، يرى أنّها رغم شدّة صلابتها إلا أنّها تخشع وتلينُ لذكر الله -تعالى- وكلامه، وتسجد وتهبط من خشيته، وتُدَكُّ وتخرُّ لتجلّي ربّها لها، وقد أشفقت من حملِ الأمانة التي عرضها الله -عزّ وجل- عليها، وقد جعل الله -تعالى- الجبال كالوتد للخيمة في تثبيتها، فقد أرسى الله الجبال وثبّت بها الأرض؛ كي لا تميد بمن عليها من المخلوقات.
ملخص المقال: بيّن المقال مدّة خلق الأرض وهي أربعة أيام، تشمل خلق الأرض، وإرساء الجبال، وتقدير الأقوات، وأنّ مدة اليوم عند الله -عزّ وجل- لا تُعادل مدّة اليوم عند البشر، وأنّ الأصل المادي للكون واحد، وهو الدخان، ولم يستطع العلماء حتى الآن تحديد هذه المادة بدقّة، كما وذكر المقال كيفية تهيئة الأرض للحياة، من إرساء الجبال، وبثّ الدّواب، والأنعام؛ ليستفيد منها الإنسان، وإنزال الأمطار حتى يخرج النبات من الأرض لتقتات عليه المخلوقات، فتصبح مهيّأة للحياة.