كيف خلق الله ادم
بداية الخلق
جرت سنّة الله -تعالى- في الكون أنّ لكلّ شيء بداية ونهاية، ولكلّ أجل كتاب، فكلّ ما في الأرض والجبال والكائنات الحيّة والمتاع لم تكن شيئاً، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه)، فالله -سبحانه- كان قبل كلّ شيء، ثمّ خلق كلّ شيء، فبدأ بخلق العرش ثمّ القلم، حيث ورد في الحديث الشريف: (إنَّ أوَّلَ ما خلقَ اللَّهُ -تعالى- القلَمُ، فقالَ لهُ: اكتُب، فقالَ: ما أكتُبُ؟ قالَ: القَدرَ، ما كانَ، وما هوَ كائنٌ إلى الأبدِ)، ثمّ خلق الله -سبحانه- جميع ما في السّماوات والأرض من كائنات وجعلها كلّها مسخّرة لخدمة الإنسان وسعادته، قال الله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)، ولمّا كمُلت الخلائق كلّها من السماوات والأرض وغير ذلك من المخلوقات، أخبر الله -تعالى- ملائكته بأنّه سيُوجد الإنسان: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، فكان حينها خلق الإنسان وبدايته.
كيفيّة خلق آدم
أخبر الله -تعالى- ملائكته بأنّه سيخلق بشراً من طين؛ حيث ورد في القرآن الكريم : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ)، وقد شكّل الله -تعالى- هيئة آدم التي خُلق عليها بيديه ثمّ بقي نموذجاً شكله أربعين سنةً صلصالاً كالفخار، فكان إبليس يمرّ من جنبه ينقر عليه فيصدر صوتاً كالنّقر على الفخار، ثمّ بعد أربعين سنة نفخ الله -تعالى- فيه الروح فانبعثت الحياة في جسمه حتى وصلت روحه إلى رأسه وعطس، فقال: الحمد لله ربّ العالمين، فقال له الله: يرحمك الله، وفي رواية أخرى: رحمك ربك يا آدم، وجعل الله -تعالى- يوم خلق آدم يوماً مميزاً وعظيماً، حيث كرّمه بسجود الملائكة وإبليس له؛ حيث قال: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، فكان السّجود له قمّة التكريم والتعريف بقيمته وقدره عند الله تعالى.
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في وصف كيفيّة خلق آدم أنّه من طين الأرض التي عاش عليها، حيث قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ -تعالى- خلق آدمَ مِن قبضةٍ قبضَها من جميعِ الأرضِ، فجاء بنو آدمَ على قدْرِ الأرضِ، جاء منهم الأحمر، والأبيَضُ، والأسودُ، وبينَ ذلِكَ، والسَّهلُ، والحزْنُ، والخبيثُ، والطيِّبُ، وبينَ ذلكَ)، وأمّا شكلُ آدم -عليه السّلام- حين خُلق فقد ورد في الحديث: (إذا قاتل أحدُكم أخاه، فليتجنَّبِ الوجهَ، فإنَّ اللهَ خلق آدمَ على صورتِه)، وقد اختلف العلماء في تأويل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبعضهم ذكر أنّ المقصود هو صورة آدم -عليه السّلام- التي تقلّب فيها في الجنّة ثمّ نزل فيها إلى الأرض، ولأنّ آدم -عليه السّلام- خُلق على تل الهيئة دون أن يمرّ بمراحل عمريّة في الصّغر، ودون أن يكون له رحم ونسل سابق، فقد ذهب بعض العلماء كالنّووي والمناويّ أنّ ذلك المقصود من الحديث الشّريف، ورأى علماء آخرين كابن تيمية -رحمه الله- أنّ المقصود من قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: على صورته؛ أي على صورة الله -تعالى- بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل؛ لأنّ الله -تعالى- قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالقصد أنّه وجه يليق بخلق الله تعالى.
الحكمة من خلق آدم
إنّ من صفات الله -تعالى- وأسمائه الحُسنى الحكيم، فلا يمكن أن يأمر أمراً أو أن يخلُق خلقاً إلّا لحِكمةٍ بالغةٍ يريدها، قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ*فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)، فالله -تعالى- خلق الخلْق لحِكمةٍ وغايةٍ ساميةٍ وأمرٍ عظيم، فالمؤمن يعلم أنّ ربّه ما خلقه عبثاً ولهواً وإن نفى ذلك الكافر وأنكر، قال الله تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، وإنّ في تكريم الله -تعالى- للإنسان عن دونه من المخلوقات بسجود الملائكة أوّلاً وبخلق العقل والإرادة ثانياً، حيث بيّن الله الحكمة والغاية الرفيعة في كتابه الكريم فقال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وإنّ من أعظم الأوامر توحيد الله -تعالى- وعِبادته كما أمر، ومعرفة أسمائه وصفاته والانقياد لها، فإذا أيقن الإنسان ذلك نجا وفاز برضوان الله -تعالى- وحُسن العاقبة، وإذا كفر وجحد وابتعد عن حُكم الله وأمره فقد خاب وخسر يوم يلقاه، وإنّ من الابتلاء والامتحان أيضاً استخلاف الإنسان في الأرض، إذْ جعل الله -تعالى- الإنسان خليفته في الأرض يُصلح فيها ويبذل جهده لذلك، ويزيل أسباب الفساد وأصحابه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، قال الرّسول صلى الله عليه وسلّم: (ألا كُلّكُم راعٍ، وكلّكُم مسؤولٌ عن رعيّتهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيّتهِ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتهِ، وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدهِ، وهيَ مسؤولَةٌ عنهُم، والعبدُ راعٍ على مالِ سيّدِهِ، وهو مسؤولٌ عنهُ، ألا فكلُّكُم راعٍ، وكلكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، فأكّد رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ كلّ إنسان مهما كبُر مقامه أو صغُر فإنّه في مقام مسؤوليّة يُسأل عن أدائها أمام الله تعالى، حيث إنّ ذلك من قبيل استخلافه في الأرض وأداء أماناتها وأداء ما عليه من واجبات.