كيف حث الإسلام على العمل
حَثّ الإسلام على العمل
حث الإسلام على العمل بصور عدة في القرآن والسنة منها:
الآيات القرآنية التي تحثّ على العمل
وردت في القرآن الكثير من الآيات التي تحثّ المُسلم على العمل، ومنها:
- قوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)، وفي هذه الآية بيان من الله بأنّه جعل للبشر النهار مُضيئاً؛ ليتمكّنوا من العمل، والسّعي ابتغاء تحصيل رزقهم، ومعاشهم.
- قوله -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وهذا بيان من الله أنّه لا بُدّ للمسلم من الموازنة بين أمر دينه ودُنياه؛ فأوجب عليه الصلاة، ولكنّه أباح له بعدها أن يذهب إلى عمله، ويسعى إلى تحصيل رزقه، مع عدم نسيانه ذِكرَ لله، فيبقى مُراقباً لله في عمله.
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، وفي هذه الآية حثٌّ من الله -تعالى- على التصدُّق من المال الذي يحصل عليه الإنسان من خلال عمله، وكسب يده، مع ضرورة تحرّي أن يكون الكسب حلالاً طيّباً.
الأحاديث النبويّة التي تحثّ على العمل
وردت عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مجموعة من الأحاديث التي تحثّ على العمل، ومنها:
- قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (أفضلُ الكسْبِ بيعٌ مبرورٌ، وعملُ الرجلِ بيدِه)، وفيه بيان من النبيّ أنّ أفضل طرق العمل هي ما يؤدّيه الإنسان بنفسه، وبعمل يده؛ لأنّها سُنّة الأنبياء، كزكريّا -عليه السلام-، فقد كان نجّاراً، وألّا يكون في العمل شيء من الغشّ، والخيانة.
- قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (والَّذي نفسي بيدِهِ لَأن يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيحتطِبَ على ظَهرِهِ خيرٌ لَهُ من أن يأتيَ رجلًا أعطاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ من فضلِهِ فيسألَهُ أعطاهُ أو منعَه)، وفيه إشارة إلى أنّ العمل يحفظ صاحبه من سؤال الناس، وإذلال نفسه لهم، وأنّ العمل مهما كان فهو يُعَدّ من سُنَن المُرسَلين.
- قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (التاجرُ الأمينُ الصَّدوقُ المسلمُ : مع النَّبِيِّينَ، والصِّدِّيقينَ، والشُّهَداءِ يومَ القيامةِ)؛ فالذي يقوم بعمله بأمانة، ويسعى فيه إلى الخير، فإنّه ينال الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، وتكون منزلته يوم القيامة بمنزلة الأنبياء والشهداء.
- قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)؛ وذلك لأنّ العمل فيه عفّة للنفس عن سؤال الناس، وإيصال المنفعة إليهم، وفيه إشغال للنفس عن المُحرَّمات واللهو، والقدوة في ذلك نبيّ الله داوود؛ فقد كان يعمل في صناعة الدروع.
للمزيد من التفاصيل عن حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على العمل الاطّلاع على مقالة: (( أحاديث نبوية عن العمل )).
مظاهر عناية الإسلام بالعمل
من أعظم المظاهر التي تبيّن اهتمام الإسلام بالعمل أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد الهجرة إلى المدينة واطمئنانه على استقرار أمور الدولة فيها، توجّه إلى استصلاح الأراضي، وحثَّ الصحابة على العمل فيها، وأصدر قراراً أنّ من أحيا أرضاً فهي له، بل وحثّ الكثير من المسلمين على عدم الاقتصار على عمل مُعيَّن؛ لأنّ الوظائف جميعها تلزم الأمّة، وهي مُكمِّلة لبعضها، كما أنّه اهتمّ بالصنّاع، وكان يكرمهم.
ويشار إلى أنّ الأنبياء كانت لهم مِهن، وأعمال يؤدّونها؛ لأنّهم قدوة لغيرهم من البشر في الأخذ بالأسباب، والسعي في تحصيل الرزق؛ فقد كان آدم -عليه السلام- يعمل في الحراثة، وكان نوح -عليه السلام- يعمل في رعي الغنم، إلى جانب عمله في النجارة، أمّا يوسف -عليه السلام- فقد عمل خادماً في بيت ملك مصر، ثُمّ أصبح وزيراً؛ قال -تعالى-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وكان صالح وشعيب -عليهما السلام- يعملان في التجارة، وموسى -عليه السلام- في رعي الغنم، وداوود -عليه السلام- في الحِدادة؛ لقوله -تعالى-: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأسِكُمْ).
والنبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- عمل في أكثر من مهنة؛ فقد عمل في شبابه في التجارة مع ميسرة خادم خديجة -رضي الله عنها-، وعمل في بناء الكعبة؛ فقد كان يحمل الحجارة بنفسه.
أمّا الصحابة الكرام فقد ساروا على نهج النبيّ في العمل؛ فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يعمل في التجارة، ثُمّ عمل بعد وفاة النبيّ في خلافة المسلمين، وفُرِض له راتب من بيت مال المسلمين؛ كي يترك تجارته، ويتفرّغ لشؤون الدولة، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعمل في التجارة، وينصح المسلمين بالسَّعي في طلب الرزق، وعدم الاتِّكال على غيرهم.
أمّا عثمان بن عفان -رضي الله عنه، فقد كان يعمل في تجارة الثياب في الجاهلية، وفي الإسلام، وفيما يتعلّق بعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فقد كان يعمل في استخراج الماء من البئر ليأخذ بعض التمرات أجرة له على ذلك العمل.
واشتُهِر خباب بن الأرت بالحِدادة، وعبدالله بن مسعود برعي الغنم، وسلمان الفارسيّ بالحلاقة، إلى جانب كونه خبيراً بالفنون الحربيّة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يعملون في شتّى الأعمال؛ فالأنصار كانوا يعملون في الزراعة، والمهاجرون في التجارة، وكان النبيّ يحثُّهم على ذلك.
أهمية العمل في الإسلام
حثّ الإسلام على العمل واهتمّ به، وكرّم الله كُلّ من يؤدّيه عندما عدّه جزءاً من الرسالة التي حمّلها الله للإنسان؛ وهي رسالة الإعمار والاستخلاف في الأرض؛ لقوله -تعالى-: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)،
وفي المقابل، حارب الإسلام الكسل، واعتماد الإنسان على غيره في رزقه؛ لما فيه من تأمين الحياة الكريمة، والاستغناء عن الناس، وقد كان النبيّ يذهب إلى عمله، كما كان الأنبياء من قبله يعملون بأيديهم، ويكسبون رزقهم، إضافة إلى أنّ النبيّ كان يُشارك الصحابة في المواقف التي تحتاج إلى عمل ومُساعدة، كمثل مساعدته لهم في حمل التراب عند حفر الخندق، ويُشار إلى أنّ العمل يُعرَّف بأنّه: الفعل الذي يؤدّيه الإنسان؛ لتحصيل رزقه، وجلب المنفعة له.
حُكم العمل والبطالة في الإسلام
بيَّن الفُقهاء أنّ العمل يأخذ عدداً من الأحكام التكليفيّة، وذلك بحسب الحالة التي يمرّ بها الإنسان؛ فقد يكون العمل فرضاً وذلك عند احتياج الإنسان إلى أن يكفيَ نفسَه، وعياله، وكلّ من تجب عليه نفقتهم، ويحصل معه قضاء دينه؛ لحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كَفَى بالمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ)
وقد يكون العمل مُستحَبّاً، وذلك إذا كان العمل بهدف الاستزادة، وتحقيق الكفاية من الرزق؛ فقد يتبرّع به لفقير، أو يصل به رَحِمه، وقد يكون مُباحاً؛ إذا كان لأجل الزيادة في المال، والجاه، والتوسعة على نفسه، وأهله، مع عدم وجود دَين عليه، أمّا العمل لأجل التكاثر، والتفاخر، فقد كرهه الحنفيّة، وذهب الحنابلة إلى حرمته،
ويُشار إلى أنّ القعود عن العمل يُسمّى (بطالة)، ويختلف حُكم البطالة بحسب الحالة التي تكون فيها؛ فتكون مُحرَّمة في حالة الحاجة إلى المال لتحصيل الرزق والقوت له ولعياله مع القدرة على العمل، حتى وإن كان المقصود منها التفرُّغ للعبادة، وتكون مكروهة في حالة القعود مع عدم الحاجة إلى المال، أمّا إن كانت لعُذر، كمرض، أو عجز، فيكون الإنسان معذوراً، ولا إثم عليه؛ لقوله -تعالى-: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).
آداب العمل
وضع الإسلام للعمل مجموعة من الآداب التي لا بُدّ لكلّ عامل من أن يلتزم بها، ومنها:
- الإتقان
إذ يجب على العامل أداء عمله بكلّ صدق، وإتقان؛ وذلك من أجل خدمة المسلمين، والتيسير عليهم، وقد بيّن النبيّ أنّ الله يحبّ المرءَ المُتقِن لعمله، بقوله: ( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)، وقد ورد في بيان سبب ورود هذا الحديث أنّ هناك رجلاً يُسمّى (كليب الجرمي) خرج مع أبيه لحضور جنازة كان فيها النبيّ، فسمع النبيّ يخبرهم بأنّ الله يحبّ من العامل إذا عمل شيئاً أن يحسنه، وذلك عندما جِيءَ بجنازة لتُدفَن، فلم يحسنوا دفنها، فأخبرهم النبيّ بأن يسدّوا الأجزاء التي لم يُمكّنوها، وهذا الإتقان يشمل أمور الدنيا والآخرة، فيؤدّي العمل على أحسن وجوه الإحسان والكمال.
- المحافظة على الوقت
إذ يجب على العامل الالتزام بأوقات عمله من أوّله إلى آخره، فلا يجوز له أن يضيع وقته بشيء لا يخدم مصلحة العمل.
- الحماس في العمل
يجب على العامل أن يكون نشيطاً في عمله، مُبادراً إليه، وأن يبتعد عن الكسل والخمول، وقد كان النبيّ يستعيذ من العجز والكسل.
- مراقبة الله
ويكون ذلك باستشعار العامل مُراقبةَ الله له في كلّ أحواله الظاهرة، والباطنة؛ لقوله -تعالى-: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
- التنزُّه عن الحرام والابتعاد عنه
يأخذ الحرام أشكالاً عديدة؛ فقد يكون بالأخذ من ممتلكات المؤسسة أو الدولة أو صاحب العمل بغير وجه حقّ، أو التغيّب عن العمل بغير عذر شرعيّ أو قانوني يُجيز الغياب، أو أن يأخذ رشوة مقابل تغييره للحقائق أو تزوير شيء مُعيَّن؛ فقد حرّم الإسلام على العامل أن يقبل الهدية إذا كانت مُتعلِّقة بعمله، ولعنَ الراشي والمُرتشي، وعدّها من كبائر الذنوب، أو أن يُشغل العامل نفسه أو غيره من العمّال عن أعمالهم وأداء واجباتهم، وقد عدّ الفقهاء أداء العمل مُقدَّماً على أداء السُّنَن ؛ لأنّ العمل فرض.
أمّا صلاة السنّة فهي من المُستحَبّات؛ فيُقدَّم الفرض على السنّة، كما يحرم أن يستغلّ العامل مصلحة العمل لصالحه بالغشّ والخيانة، أو أن يكون سيّئ الخُلق مع غيره، أو أن لا يكون متعاوناً مع غيره من العمّال فيُعطّل العمل.
- التوازن في العمل
وذلك بمراعاة عدم تأخير الفرائض، أو الإنقاص منها لأجل العمل، وأن لا يؤذي غيره من أجل العمل، وأن تكون نيّته من العمل العفّة لنفسه ولأهله، وليس جمع المال وتكثيره دون وجه حقّ، وأن لا يُكلّف نفسه فوق طاقتها أثناء العمل، وأن يؤمن بأنّ الرزق بيد الله وحده، وأنّ هذا العمل مُجرّد سبب للرزق.
فوائد العمل وسلبيّات تركه
للعمل فوائد عدة أهمها:
فوائد العمل
حثّ الإسلام على السعي في طلب الرزق؛ لما له من فوائد كثيرة، منها:
- تحقُّق المنفعة للإنسان العامل؛ بأخذه الأجرة إن كان يعمل عند غيره، أو زيادة في رأس المال إن كان يعمل في التجارة.
- تحقُّق الخير، والنفع لغيره؛ من خلال أداء الأعمال التي يحتاجونها، كخياطة ثيابهم، أو زرع أشجارهم.
- البُعد عن اللهو والجلوس دون عمل؛ لما فيه من إشغال للنفس، وكسر لتكبُّرها، وطغيانها.
- العفّة عن سؤال الناس والتذلُّل لهم؛ بسبب القعود عن العمل.
علاج الإسلام للبطالة
وضع الإسلام حلولاً ووسائلَ؛ للقضاء على مشكلة البطالة والقعود عن العمل، ومنها:
- الحثّ على العمل، والسعي في طلب الرزق، وبيان أنّ هناك أجوراً عظيمة مُترتِّبة عليه، بل وعدّه الله من الجهاد ؛؛ بقوله: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
- استغلال الطاقات البشرية القاعدة عن العمل، وتوجيهها، وإعدادها لتكون قادرة على العمل، اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد كان النبي ينمّي طاقات الصحابة، ويُدرّبهم على العمل.
- المحافظة على استمرار المال وبقائه، مع الحرص على تنميته، واستثماره.
- الحثّ على إنشاء الأعمال والمشاريع حتى وإن كانت صغيرة.
- الحثّ على إحياء ما دعت إليه الشريعة، كالمضاربة.
- معالجة مشكلة العاجزين عن العمل؛ بالحثّ على الزكاة.