كيف تنمي مهارة الاستماع
مهارة الاستماع
ظهرت أهمية الاستماع ومهارتهِ منذ القِدَم، فهو فنّ التواصل الأول مع الآخرين؛ لأنّه يكون من خلال اللغة المنطوقة، فلم تكن الكتابة معروفةً في ذلك الحين، فرغم تطور العلم، وتقدمهِ في المجالات العديدة، وتنوع وسائل الاتصال مع الآخرين؛ إلّا أنّ مهارة الاستماع بقِيَت تحتلّ المرتبة الأولى في الأهمية، ودليل ذلك ما قاله تعالى في سورة الإسراء؛ حيث قدّم السمع على البصر؛ نظراً لأهمية هذه المهارة، ودورها في حياة الإنسان، فقال سبحانه: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
مفهوم مهارة الاستماع
تأتي مهارة الاستماع بالعديد من الفوائد التي تعود على الإنسان من خلال هذه المهارة، ودورها الفعّال في التأثير بالآخرين ، والاستماع يأتي تعريفه من كلمة السمع، والاستماع معناه الإصغاء، ويعني تلقي الفرد للأصوات بقصد، وينبني عليه فهم الأمور وتحليلها.
أهمية الاستماع
تظهر أهمية الاستماع من قول العرب قديماً في فضل الاستماع؛ حيث قالوا: (تعلم حُسن الاستماع قبل أن تتعلم حسن الكلام، فإنك إلى أن تسمع وتعي أحوج منك إلى أن تتكلم)، ويمكن بيان أهمية الاستماع في ما يلي:
- بالاستماع ينتقل التراث الثقافي والحضاري من جيلٍ إلى آخر، فعملية الرواية و الحفظ والاستماع حافظت على الحضارات الإنسانية من الاندثار، وحافظت على ثقافات الأمم من الضياع.
- للاستماع دورٌ هامٌ ورئيسي في تعليم فاقدي البصر؛ حيث أصبح فاقد البصر قادراً على تعلُّم شتى أنواع العلوم المختلفة عن طريق الاستماع، مثلهم مثل الأسوياء، وظهر تميُّزهم وعلمهم في مواطن كثيرة، أمثال طه حسين عميد الأدب العربي الذي أثبت إتقانه للمهارات المختلفة عن طريق الاستماع الجيد، ففاق بذلك من لديهم حاسة الإبصار.
- أصبح الاستماع دورٌ مهمٌ في العصر الحاضر مع التقدُّم التكنولوجي وتطور الأنظمة الحديثة؛ حيث أصبح من السهل الاستفادة من هذه المهارة في تلقي المعلومات من علماء ومتخصصين في أنواع مختلفة من العلوم التي تُعقَد بسببها المؤتمرات العلمية والمحافل الدولية؛ حيث تضم أحد المتحدثين البارزين أمام عددٍ كبيرٍ من المستمعين.
- وفي مهارات الاستماع دور في تفوق تلميذ المرحلة الابتدائية، بناءً على الدراسات الكثيرة التي أُجرِيَت في أوروبا وأمريكا، وفي عملية التعلم والتعليم لديه.
- الاستماع يعتبر الركن الأساسي في عملية الاستيعاب و التحصيل عند التلميذ؛ فقد يتأخر التلميذ في تحصيله الدراسي، ويعود السبب في ذلك ليس لأنه يعاني من نقصٍ في الذكاء ، وإنما قد يعود السبب إلى أنّه لا يسمع بوضوح؛ حيث ظهر وجود ارتباطٌ قويٌ بين مهارة الاستماع وتطوّرها وبين التحصيل الدراسي عند التلميذ.
- للاستماع أهمية كبيرة في حفظ كتاب الله، وذلك في العهد الذي لم يُكتب فيه المصحف بعد؛ حيث تم حفظ القرآن الكريم من قِبَل الصحابة بعد سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
- بواسطة الاستماع الناقد يمكن للإنسان أن يُميّز ويدرك أهمية الكلام، ويفسرهُ ويُبين الأفكار الصحيحة من الأفكار الخاطئة، وبه يستطيع تحليل الموضوعات التي تمّ الاستماع إليها وتقييمها.
- من خلال الاستماع يتم تطوُّر نمو اللغة عند الطفل ، فالاستماع شرطٌ أساسي في تكوين عملية النطق للكلمات، والتمييز بين الأصوات، وبالتالي ما يُبنى عليها مثل القراءة والكتابة.
كيفية تنمية مهارة الاستماع
يمكن تنمية مهارة الاستماع لدى الفرد بالعديد من الطرق والوسائل منها:
- الانتباه؛ حيث يعمل الفرد على تركيز انتباهه لسماع ما يُبَثّ من رسائل ومعلومات، وتفسيرها تفسيراً واضحاً، ومن ثم تحديد ما يترتب عليها من سلوكٍ أو فعلٍ يصدر من الشخص.
- تخلُّص الفرد من كل الأمور والأشياء التي تعمل على زيادة عامل التشتت لديه، سواء أكانت هذه المشتتات شعورية، أم غير شعورية، والاستماع بعنايةٍ واهتمام للمتحدث، فالمستمع الجيد يُدرك أهمية استماعهِ الفعّال، ويُدرك أيضاً مدى تأثير كل من المتاعب الجسدية والنفسية على درجة الاستماع وما يُبنى عليها.
- التدريس الفعال الذي يعمل على زيادة الوعي لدى الفرد، ويُساعده في معرفة أساليب توجيه الانتباه، والبعد عن عوامل التشتت الذهني وتجنُّبها.
- الاستفادة من الخبرات السابقة في هذا الموضوع للوصول إلى الفهم الصحيح والتفسير المناسب.
- تكوين وتنمية مهارة الاستماع النقدي والذي يأتي بالتدريب؛ حيثُ يتمّ اكتشاف الأمور المتناقضة، والأساليب المُتّبعة للدعاية، والأهداف التي يسعى المتحدث للوصول إليها.
- التدرب الجيد على تفسير الكلمات وبيان معانيها وفهمها فهماً صحيحاً من خلال السياق، فقد لا يستطيع الإنسان الاستعانة بوسائل أخرى أثناء الاستماع ليتمّ الفهم بالصورة الصحيحة.
- عدم استباق الأمور؛ كأن يحكم المستمع على المتحدّث قبل سماعه، فهذا الأمر يُعيق عملية الاستماع الجيد.
فوائد الاستماع والاصغاء
يمكن أن يوفر الاستماع الجيد للفرد فوائد عديدة من ناحية التواصل مع الآخرين، ومن هذه الفوائد ما يلي:
- إمكانية التعلم من الشيء الذي تمّ سماعه.
- بالإصغاء الجيد يُظهر الشخص للآخرين الذين يستمع إليهم أنّه يهتم بهم.
- بواسطة مهارة الاستماع يمكن معرفة وفهم الأسلوب الذي يُعبّر به الناس عن رغباتهم واحتياجاتهم والدوافع الفردية لكل واحدٍ منهم.
- بالاستماع الجيد يمنح الفرد الطرف المقابل فُرصة للتخلُّص من طرف الدفاع لديهم، حتى يستطيعوا سماع ما تُريد قوله.
- تتم عملية التواصل بين الآخرين بصورةٍ فعّالة، وحيوية، وفيها يتم الاشتراك بين الطرفين.
- يمكن توضيح المفاهيم الخاطئة من خلال الاستماع الجيد، وتوضيح الموضوعات بصورةٍ صحيحة.
الفرق بين السماع والاستماع والانصات
فرق القرآن الكريم بين كل من السماع، والاستماع، والانصات، بصورةٍ غايةٍ في الدقةِ، والبلاغة، وهي كالآتي:
- السمع : هو ما كان بقصدٍ، وقد يكون بدون قصد، وذُكِرَ ذلك في القرآن الكريم، فقال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).
- الاستماع: الاستماع لا يصدر من الشخص إلّا بقصد، ويكون بهدف الاستفادة، ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ)..
- الإصغاء: وهو أعلى الدرجات؛ حيث يتم فيه التركيز وتفاعُل قلب الفرد ومشاعره، قال سبحانه وتعالى في سورة التحريم: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)..
- الإنصات: هو ترك كل ما يُشغل الإنسان، ويكون في حالة السكون التام والتفرغ للاستماع، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
- ويتّضح أنّ هناك فرقاً بين السماع والاستماع والإنصات من حيث درجة الانتباه لدى الشخص؛ لأنّ عمليّة السماع تعني مجرد استقبال الأذن للذبذبات الصوتية الخارجية دون إعارتها شيء من الانتباه المقصود من قِبَل الشخص، أمّا الاستماع فيظهر به انتباه الشخص للأصوات التي يتلقاها، ويكون مقصوداً، وبالنسبة للإنصات، فهو زيادةٌ في الانتباه ؛ حيث يظهر فيه التركيز أكثر من الاستماع؛ وذلك من أجل الوصول إلى هدفٍ معين.