كيف تكون محبة الله ورسوله
كيف تكون محبة الله؟
العبودية لله رأس المحبة له
ترتبط عبوديّة الإنسان لله -تعالى- بمدى محبته له، فكلّما زاد حبّ العبد لمولاه زادت عبوديّته له، والمحبة روح الإيمان والعمل، فمن تحلّى بها فقد حاز شرف خيري الدنيا والآخرة، وحظي بمعيّة الله وحفظه في كلّ أحواله، ثمّ إن المرء يوم القيامة يُحشر مع من أحبّ.
وللمحبة ارتباط وثيق بشهادة أن لا إله إلّا الله، فالشهادة تقتضي توجيه المحبة لله وحده، ثمّ محبّة ما يحبه وكره ما يكرهه، فمن خالف ذلك لم يكن إيمانه كاملاً، ووقع في وصف الله في قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
محبة الله بمحبة كلامه
من أحبّ الله -عزّ وجلّ- فقد أحبّ كلامه، فمحبّة القرآن الكريم تعدّ مقياساً لمدى محبّة المسلم لله ، ثمّ الاستمتاع بالاستماع إلى القرآن الكريم، فقد روى عبد الله بن مسعود -رضيَ الله عنه- فقال: (قالَ لي النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ قُلتُ: أقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قالَ: إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمعهُ مِن غيرِي)،وكان عثمان بن عفان -رضيَ الله عنه- يقول: "لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله".
محبة الله تعالى بالإكثار من ذكره
إنّ ذكر الله -تعالى- يؤدي إلى معيّته وهو دليل على محبة الله -سبحانه وتعالى-، وجاء عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).
وذكر الله يشمل القيام بما أمر به في الأفعال، فالذّكر باللّسان ينبغي أن يتبعه عمل بالجوارح، كما أنّ ذكر الله يرافق المسلم بجميع الأحوال والأزمان.
محبة الله تعالى باجتناب معاصيه
تُقاس المحبة بالطاعة، فمن كانت له محبّة فقد كانت له الطاعة، ذلك أنّ المعصية تشكّل حجاباً بين العبد وربّه، ولا يمكن لأحد أن يصدّق محبة الإنسان لله طالما أنّ هذا العبد يقوم بالمعصية ويستمرّ عليها.
محبة الله تعالى بطاعته واتباع أوامره
المحبة تدفع إلى المسارعة في الاستجابة لأوامر الله دون تراخي، لأنّ التباطؤ في تنفيذ أمر الله يورث المعصية، ويجب أن يكون الإخلاص مرافقاً لكل ما يقوم به العبد من الطاعات، والتذلّل لله وتعظيمه، وذلك حتّى يكتمل معنى المحبة لله -تعالى-، ويتجنّب العبد أن يكون ممّن قال الله فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ)، فلا يحبّ أحداً أكثر من الله، ولا مثله، ولا يشاركه في المحبّة غيره.
كيف تكون محبة الرسول؟
طاعته
تقترن محبة الله -عزّ وجلّ- بمحبّة نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، قال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، حيث جعل محبة رسول الله شرطاً ودليلاً على محبته.
وتتحقّق محبة رسول الله باتّباع في كل ما جاء به من الأمر والنهي، وأقواله وأفعاله، وكل ما يتعلّق بالدّين من الفروع والأصول، والظواهر والبواطن، والاقتداء برسول الله فيما يقوم به من حركاته وسَكَناته، وجميع أفعاله، وما دون ذلك فإنّه ادّعاء لمحبّته عليه السّلام، وكل ذلك هو المقياس لمحبة الله، فمن زاد في حبّ الرسول زاد في حبّ الله، ومن نقص في هذا فقد نقص في ذاك.
وتظهر طاعة رسول الله من خلال التمسّك بسنته، والإكثار من النوافل، والاقتداء بما كان رسول الله يفعله من غضّ الصّوت عند الحديث، والمحافظة على نظافة المظهر، والصّدق في الأقوال والأفعال، والاتّصاف بأخلاقه من مساعدة الضعفاء، وحبّ المساكين، وطلب الحلال، وزيارة القبور، وقد قيل في محبته: هي اعتقاد نصرته، والذبّ عن سنّته، والانقياد لها.
الاقتداء به واتباعه
قال -تعالى-: (فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ)، والاقتداء به واتّباعه يكون من خلال الاتّصاف بما اتّصف به -عليه السّلام- من مكارم الأخلاق؛ كالكرم والجود، والحلم، والتواضع، والزّهد، والحياء، والصّدق، واتّباعه في العبادة، وغيرها ممّا اتّصف به، وذلك من أجل السير في طريق الله، ولا سبيل للوصول في هذا الطريق من غير الاقتداء برسول الله.
محبة آل بيته وأصحابه
يُطلق مصطلح آل البيت على أزواج رسول الله وذريّته ، وكل من هو من نسل عبد المطلب؛ وهم بنو هاشم بن عبد مناف، وهؤلاء جميعاً حُرّمت الصدقة عليهم، ومحبة آل بيت رسول الله من الأمور التي تظهر من خلالها محبة رسول الله؛ فمحبة رسول الله تكون بمحبة من يحبه، ومع آل بيته؛ أصحابه من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوه.
وتظهر محبتهم من خلال موالاتهم ونُصرتهم، والقيام بوصية رسول الله فيهم، فقد قام رسول الله يوماً خطيباً بالنّاس، فقال: (أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فإنَّما أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ)، وذكر ثانيهما: (وَأَهْلُ بَيْتي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتي)، وهذا هو منهج أهل السنّة في محبة آل بيت رسول الله.
نصرته والدفاع عنه
ويتحقّق ذلك بالدّفاع عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، والردّ على كلّ من يتطاول على رسول الله، والدّفاع عن سنّته وما ورد بها بكلّ ما يملك المسلم من لسانه، وماله، ونفسه، وقلمه، وهو واجب على كل مسلم ومسلمة.
قال الله -تعالى-: (إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّـهُ)، كما أثنى على المهاجرين من مكة إلى المدينة دفاعاً عن رسول الله ونصرةً له، قال -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).