كيف تكون تقوى الله
معنى التقوى
كلمة تقوى هي اسم للفعل اتّقى، وأصلها وقيا؛ فقُلبت للتفريق بين الاسم والصفة، والتقوى تأتي بمعنى الخوف والخشية، ولذلك قد يُطلق لفظ التقوى بمعنى التنسّك والعبادة مخافة الله تعالى، أمّا في الاصطلاح فهي أن يجعل المسلم بينه وبين عقوبة الله وغضبه وقايةً وحجاباً، فلا يقع فيما حرّم الله -سبحانه- من أفعالٍ وأقوالٍ؛ خشية غضبه ومقته، ويدلّ على حبّ الله -تعالى- للتقوى والأتقياء كثرة تكرارها في القرآن الكريم في عدّة مواضعٍ، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، وقال كذلك في سورة البقرة : (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا)، وقد ورد عن الشافعي -رحمه الله- في التقوى: (مَنْ لمْ تُعِزَّهُ التَّقْوى فَلا عِزَّ لَهُ)، وقال ابن القيم -رحمه الله- في مراتب التقوى: (التقوى ثلاثُ مَرَاتب: حِمْيَةُ القلب والجوارح عَنِ الآثام والمحرمات، ثمّ الحمية عن المكروهات، ثمّ الحمية عن الفُضُول وما لا يعني)، وسُئل أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن التقوى فقال: (أما سلكت طريقاً ذا شوكٍ، قيل: بلى، قال: فما عملت، قيل: شمرّت واجتهدت، قال: فذلك التقوى)، وعرّفها طلق بن حبيب فقال: (أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله).
كيفيّة تقوى الله تعالى
أمر الله -سبحانه- عباده المسلمين بتقواه حقّ تقاته، وأورد في ذلك العديد من الآيات التي تبين فضل التقوى والمتّقين، وترغّب المسلم في الوصول إلى مرتبة التقوى التي ترضي الله عنه، حيث قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وبما أنّ تعريف التقوى يدور كما ذُكر في بداية المقال حول تحقيق ما يرضي الله سبحانه، وتجنّب محارمه وما نهى عنه، فإنّ تحقيق التقوى يكون ولا شكّ بزيادة اجتهاد المسلم في إتيان الطاعات؛ من صدقاتٍ ، وصيامٍ، وصلوات نوافلٍ ، راغباً بأن يكرمه الله -تعالى- بزيادة التقوى في قلبه، وتلك سنة الله -تعالى- أن يعين من أتاه مُقبلاً، فييسره إلى الخير أكثر فأكثر، فبقدر ما يُقبل المسلم على ربّه، تكون الهداية والتوفيق للطاعات من الله -سبحانه- له، وقرن الله -تعالى- في كتابه العزيز بين إتيان بعض الطاعات وتحقيق التقوى في قلب المسلم، وبيان بعض ذلك فيما يأتي:
- الصيام ، فقد قال الله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
- التخلّق بصفات المتقين وأخلاقهم ، ولقد ذكرها الله -تعالى- في الآية الكريمة: (وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون)، فكلّ الصفات المجموعة في آيةٍ واحدةٍ هي صفاتٌ للمتّقين، من أخذها كلّها أو بعضاً منها حقّق في قلبه تقوى الله بقدر ما أخذ.
- التفكّر في آيات الله تعالى، وقدرته في تصريف الكون، وتدبير شأنه، قال الله تعالى: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ).
- التمسّك بسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعدم الانحراف إلى البٍدع من الأمور، قال الله -تعالى- في ذلك: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
- اجتهاد المسلم واهتمامه بإتيان الطاعات وترك المعاصي ، فالله -سبحانه- يحبّ أن يرى من عبده الاجتهاد في طاعته، فييسره إلى مزيدٍ منها، ويصرف عنه السيئات وشرّها.
- كثرة ذكر الله تعالى، ومن ذلك كثرة قراءة القرآن الكريم.
- مصاحبة أهل الدين والإيمان الذين يذكّرون المرء بتقوى الله تعالى، وفضل ذلك، وينصحونه ويذكّرونه إذا أتى محارمه، فذلك معينٌ على تقوى الله سبحانه.
- النظر في سِيَر المؤمنين المتّقين، ففي ذلك غرس حبّهم في القلب، والرغبة بصنع ما صنعوا والفلاح كما فلحوا.
- دوام سؤال الله -تعالى- الثبات والتوفيق إلى طاعته، وتحقيق تقواه، والانصراف عن محارمه وما لا يُرضيه.
ثمرات يجنيها أهل التقوى
إذا اجتهد المسلم في التقرّب من الله -سبحانه- وقد رنا إلى حقيقة التقوى التي ترضيه، فإنّه لا شكّ نال ذلك بكرم الله ومنّته، ومن الثمرات العائدة عليه من تقوى الله:
- حبّ الله تعالى؛ إذا قال الله سبحانه: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
- رحمة الله سبحانه؛ ودليل ذلك: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
- نيل معونة الله وتوفيقه؛ قال الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
- تحصين المسلم وتأمينه من كلّ ما يُخيفه ويحذره، كما أنّها درءٌ للمهالك في الدنيا والآخرة ؛ قال الله تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
- سعة في الرزق والعطاء في الدنيا؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
- النصر حليف المؤمنين الأتقياء؛ قال الله سبحانه: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
- العاقبة العظيمة والفضل الكبير في الآخرة ، قال الله تعالى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
- أفضل طريقٍ للتقرّب إلى الله، والتزوّد من الخير ؛ قال الله عزّ وجلّ: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
- من مفاتيح قبول العمل؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).