كيف تستغل الحائض رمضان
المرأة أثناء الحيض
المرأة المسلمة تتعامل مع أمر الحيض على أنّه مُقدّرٌ، يجري على بنات آدم جميعاً؛ فقد دخل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذات يومٍ على السيدة عائشة -رضي الله عنها- وهي تبكي؛ بسبب حيضها في أيّام الحَجّ، فقال لها -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ علَى بَنَاتِ آدَمَ)، ثمّ أخبرها بالأمور التي يجوز فِعلها في الحَجّ للحائض، وما لا يجوز لها فِعله، ومن الأمور المُبشّرة أنّ الله -سبحانه- يمنح عبده أجر العمل إن تعذّر عليه الإتيان به وكان مُعتاداً على أدائه، كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن الصحابيّ أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجَعَ مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ، فقالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ أقْوامًا، ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، ولا قَطَعْتُمْ وادِيًا إلَّا كانُوا معكُمْ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وهُمْ بالمَدِينَةِ؟ قالَ: وهُمْ بالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ)، وورد أيضاً عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ).
استغلال الحائض لشهر رمضان
يجوز للحائض أداء بعض العبادات، حتى وإن مُنِعت من بعضها الآخر؛ فلها أن تستمع إلى تلاوة القرآن ، وقراءة تفسيره من الكُتب الخاصّة بذلك، وترديد أذكار الصباح والمساء، وذِكْر الله -تعالى- مُطلَقاً، كالتكبير، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والصلاة على النبيّ محمّدٍ -عليه الصلاة والسلام-، ومن الأعمال الصالحة أيضاً: قراءة الكُتب المفيدة ومطالعتها، مثل كُتب السنّة، كصحيح مُسلم، وصحيح البخاريّ، ورياض الصالحين للإمام النوويّ، وغيرها، كما أنّ العبادات في العشر الأواخر من رمضان لا تقتصر على الصلاة، وتلاوة القرآن؛ إذ يُمكن للحائض استغلالها بالصدقة ، وصِلة الرَّحِم، وتقديم المساعدة للآخرين، والمشاركة في التجهيز للعيد بما يُدخل السرور، وإعانة المُعتكفين في المساجد، ويُعَدّ الدعاء من العبادات الجائزة للحائض ؛ فلها أن تسأل الله من خيرَي الدُّنيا والآخرة، وهي من أفضل العبادات؛ لقَوْل الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ).
وتُضاف إلى ما سبق الصدقة والعطاء؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)، إضافة إلى أنّ الله -تعالى- وصف نفسه بالجُود، وكان جُوده يتضاعف في أزمنةٍ خاصّةٍ، ومنها: شهر رمضان، ومن أنواع الصدقات التي يُمكن للمسلم تقديمها في شهر رمضان تفطيرُ الصائمين؛ إذ يترتّب عليه عظيم الأجر والثواب من الله -سبحانه وتعالى-، كما قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقصُ من أجر الصائمِ شيئًا).
صيام الحائض
حُكم صيام الحائض
اتّفق العلماء على عدم صحّة صيام الحائض، والنفساء ؛ فلا يجب عليهما صيام شهر رمضان، بل ويُحرَّم، ويجب عليهما قضاء ما أفطرتاه بعد مُضِيّ شهر رمضان؛ استدلالاً على ذلك بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلتُ: ما بَالُ الحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، ولَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقالَتْ: أحَرُورِيَّةٌ أنْتِ؟ قُلتُ: لَسْتُ بحَرُورِيَّةٍ، ولَكِنِّي أسْأَلُ. قالَتْ: كانَ يُصِيبُنَا ذلكَ، فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ)، وبذلك يحرم على الحائض والنفساء الإمساك عن المُفطرات في نهار رمضان بنيّة الصيام.
حُكم إظهار الفِطْر
ذهب أهل العلم إلى جواز الإفطار سِرّاً لِمَن أفطر بعُذرٍ، ونُقل الإجماع على عدم جواز الجهر بالإفطار، وأنكر كثير من الفقهاء المجاهرة بالإفطار في رمضان، حتى ولو كان الإفطار بعُذرٍ، وقالوا: إنّ المجاهرة بالفطر تقود لاتهامه في دينه ممّن لا علم له بعذره، وهناك من أهل العلم من لا يرى بأساً بإظهار الفطر إذا كان عذر المُفطر ظاهراً لمن حوله.