كيف تحقق التقوى
التقوى
التقوى لغة: الحذر، يقال: اتقيت الشيء، "وتَقَيْتُهُ أتقيه تُقَى، وتِقيَّةً، وتِقاءً: حذرتُه"، وقوله -عز وجل-: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)، أي هو أهلٌ أن يُتّقى عقابه، وأهل أن يُعمل بما يُؤدّي إلى مغفرته.
وأصل التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره؛ وقايةً تقيه منه، أي أن يعمل العبد ما يحميه من سخطه وعقابه؛ بالأعمال الصالحة والابتعاد عن المحرمات المنهي عنها، قال أحد الصالحين في تعريفه للتقوى: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".
كيف نحقق التقوى
يمكن تحقيق التقوى التامة بفعل الواجبات، وترك المحرّمات، والشبهات، وقد يدخل فيها بعد ذلك فعلُ المندوبات، وترك المكروهات، وهو أعلى درجات التقوى، قال -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).
أمثلة التقوى من الحياة اليومية
إذا كنتَ صاحب منصِب
على الإنسان أن يعود نفسه على احترام العاملين، والتواضع معهم، وأنّ يقدر مجهوداتهم في العمل، ولا يكن دائم التسلّط بالأوامر والتعليمات في مُعاملتهم، بل يجعلهم يشعرون أنّ العلاقة التي تربطه بهم ليست للمصلّحة، والمال فقط. كما أن السؤال عنهم، والقيام بزيارتهم في الإجازات والأعياد، يكسب احترامهم لذاتِه لا لمنصبه وثروته؛ وبهذا تكون العلاقة سويّة وناضجة.
إذا كنت عاملاً
على الإنسان أنْ يعتبر عمله أمانة، وأنّ من الصدق، والمروءة، والشرف إنجازه على أحسن وجه، والحرص على حِفظ أسرار المكان، وعدم إفشائها إلى الغُرباء، والحرص على عدم سرقة المال؛ فإنه من الغش والخيانة، ودناءة النفس.
ومن الجدير بالذكر أن عدم التقاعُس والتكاسُل، والمحافظة على مواعيد العمل؛ تشعُر الإنسان بالرّضا الداخلي، والرّاحة النفسية؛ والتي ستنعكس حتمًا على إنجازه في العمل، وعلى علاقاته بزمُائه، ورئيسه على نحو إيجابي.
إذا كنت شيخًا ولك منصب ديني
على الإنسان أن يستخدم منصبه الديني -إن حظي بذلك- من أجل نشر التقوى، والحب بين الناس، وحثّ أبناء المجتمع على الاحترام، والتعاون معهم من أجل العمل لخدمة المجتمع، ونبذ روح الكراهية، والفُرقة بين الناس.
وأن يصب اهتمامه في نصائحه، ودُروسه، ومواعظه حول تقبُل الإنسان المُخطِئ المذنب، وأنّ ما وقع منه مدعاة لدعوته، وحثه على التوبة؛ ليصير شخصًا آخر فعّالاً في المجتمع؛ وبهذا كلّه تصير الأفكار الدينية وقودًا حقيقيًا، في تشييد مُجتمعات ذات نسيج شديد الترابُط والاستقرار.
وليحذر المسلم من أن يعلّم طلابه أنّ مذهبه هو الصحيح، وغيره على ضلال؛ فإنّ هذه الفكرة هي منشأ الغُرور، قاتل للتواضُع، وتؤدّي إلى التفريق بين الناس في المُجتمع؛ فتنتشر الضغينة، وربّما العداوة، والقتال بينهم.
إذا كنت تاجرًا أو طبيبًا
أصحاب هاتين المهنتين لهما دور في حفظ صِحة الناس؛ فالتاجر هو من يأتي بالبضاعة الضرورية للناس؛ فعليه أنْ يكون أمينًا، ويأتي بالأصناف ذات الجودة المُمتازة، لا أنْ تدفعه دناءة نفسِه إلى جلب بضاعة ذات مُدّة صلاحية قصيرة لغرض الربح وفقط. وكذلك الطبيب عليه أن يكون تقيًا أمينًا في رعاية المرضى والسّهر على عافيتهم.
وفي الختام: إنّ الغرض من التقوى هو أنْ يكون الإنسان على خُلق حسن، وسجايا جميلة، يستعملُها في تقليل آلام الناس، وتحسين علاقته بخالقه وأمته، ومع ذلك يجب أن يكون المرء قوي العزم، شديد البأس؛ فالقُوة، والذّكاء، والحصّافة هي من سِمات المُؤمن التقي.