كيف أنظم حياتي في طاعة الله
أهمية الوقت في الإسلام
للوقت في الإسلام أهميّةٌ عظيمة، ممّا يدعو المسلم إلى الحرص على استثماره، وجعل ذلك أولويته الأولى في كلّ يوم، فلا يُضيّعه في ما لا ينفعه في الدنيا أو الآخرة، ولا يملؤه بما يلهيه عن ذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته وعبادته، فقد بيّن الله عز وجل في القرآن الكريم أنّ الخسران هو عاقبة الذين يغفلون عن ذكره والتقرّب إليه، كما بيّنت آياتٌ أخرى من القرآن الكريم أهميّة الوقت وضرورة تدبّر قيمته، فمنها قول الله تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ* وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب)، وقد قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية: إنّ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية قد أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن يجعل فراغه من كلّ الأمور التي كان منشغلاً بها إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما يقرّبه من الله سبحانه وتعالى، ولم يُخصّص ذلك في حالٍ معيّنةٍ من أحوال فراغه، بل يشمل كلّ فراغ، فسواءً في ذلك فراغه من صلاة أو جهاد أو أمر دنيوي، وذلك لعموم الشرط الوارد في الآية، وفي آية أخرى يقول الله تعالى: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ)، وفي هذه الآية توضيحٌ للمنهج الذي ينبغي للمسلم أن يسير عليه من إدراك قيمة الآخرة وتقديرها حقّ قدرها، ممّا يؤدي به إلى استثمار وقته فيما ينفعه فيها.
وترتبط أهمية الوقت بحقيقةٍ لا يمكن لأحدٍ من الناس أن ينكرها، وهي حقيقة الموت، لأنّ الموت إذا حلّ بالإنسان انتهى وقته لفعل الطاعات والقربات، ولذلك فقد جاءت الآيات الكريمة تبيّن للإنسان خطر التسويف وتأخير التوبة، وضرورة الاستعداد للرحيل، وقد قال الإمام ابن عثيمين: إنّ الإنسان لا يسأل متى سوف يموت أو أين سوف يموت، لأنّ الموت سيأتيه بلا شك، ومهما طالت به الدنيا فكأنّما بقي له يومٌ واحد، إلّا أنّ الأولى والأجدر بنفس الإنسان أن تفكر في كيفيّة موتها، والحال الذي ستكون عليه عند ذلك، وقد اهتمّت السنة النبويّة الشريفة ببيان أهميّة الوقت والتوصية باغتنامه، والمسارعة بفعل الخير وإخراج الصدقات فيه، فمن ذلك قوله عليه السلام :(نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ)، فالأصل في الفراغ أنّه فرصة ونعمة من الله حتى ينال الإنسان نعيم الآخرة، وهذا هو ما يُعلي قيمة الوقت ويرفعها، وليس فرصة للّهو في الدنيا والاستغراق في نعيمها وملذاتها.
كيفية تنظيم الحياة في طاعة الله
إنّ أعظم الربح للإنسان في هذه الدنيا أن يُشغل نفسه في كلّ وقت بما هو أولى وأنفع له، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إنّ أفضل العبادة هي العمل على مرضاة الله تبارك وتعالى في كلّ وقتٍ من أوقات الإنسان وفق وظيفة ذلك الوقت وما يقتضيه، فإذا أراد الإنسان أن يُنظّم حياته وفق طاعة الله ومرضاته فعليه أن يشغل أوقاته جميعها بالأهمّ في كلّ وقت منها، وذلك من خلال حرصه على الأولويّات، فبعض الناس يحتار في اختيار أفضل ما يمكنه أن يقضي وقته فيه، ويتساءل إن كان ذلك قراءة القرآن الكريم ، أو الصلاة، أو طلب العلم، أو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، أو خدمة المسلمين، أو غير ذلك، والصحيح أنّ الأمر في ذلك يعود إلى الوقت نفسه، وقد بيّن ابن القيم ذلك فقال: إنّ أفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد في سبيل الله، حتى إن تسبّب ذلك بترك المسلم لأوراده من صلاة في الليل وصيام في النهار، وكذلك فإنّ أفضل الأعمال عند حضور ضيفٍ عند الإنسان مثلاً أن يُكرمه ويقوم بحقّه، فليس من الصحيح أن يقول أريد أن أقرأ القرآن فهذا أنفع وأعظم أجراً.
والأمر كذلك أيضاً في حال طلبت الزوجة من زوجها حاجاتٍ تحتاجها للمنزل والأولاد، فليس من الصحيح أن يتعذّر لها بأنّ السوق مكانٌ للهو والفساد، وأنّ الأفضل له أن يذهب للصلاة في المسجد ، أمّا أفضل أوقات التفرّغ للعبادة والانشغال فيها من قراءة للقرآن الكريم، وذكرٍ لله تعالى، ودعاء، وصلاة، واستغفار فهو وقت السَّحَر من كلّ يوم، كما أنّ أفضل الأعمال عندما يأتي الإنسانَ سائلٌ يسترشده ويطلب منه العلم والتعلّم أن يُقبِل عليه ويُجيبَه، فقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم خطبة الجمعة مرةً ليُعلّم أعرابياً أمور دينه التي جاء يسأل عنها، وهكذا يظهر للمسلم أنّ أفضل ما يُمكن أن يفعلَه في وقتٍ من الأوقات يظهر حسب الشيء القائم فيه، فإجابة المُؤذن عند سماع الأذان خيرٌ من قراءة القرآن على ما فيها من أجرٍ عظيم، وأداء الصلوات المفروضة في وقتها خيرٌ من أيّ عبادةٍ أخرى، والأفضل عند معرفة حاجة شخصٍ للمساعدة أن يساعده الإنسان ولو ترك لأجل ذلك قراءة أذكاره، والأفضل في العشرة الأواخر من رمضان الاعتكاف وليس غيره من مخالطة الناس أو طلب العلم، وهكذا.
وسائل لاستغلال أوقات الفراغ
يمكن للإنسان أن يستغلّ وقت في فراغه في العديد من الأمور المفيدة، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:
- الجلوس في المسجد لذكر الله سبحانه وتعالى وانتظار الصلاة ، وخصوصاً بعد صلاة المغرب وصلاة الفجر.
- السياحة في الأرض، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالأسلوب الحسن، وإنكار المنكرات ما أمكن الإنسان فعل ذلك.
- حفظ القرآن الكريم، ومراجعة ما يحفظه الإنسان في الأساس.
- حضور مجالس العلم والذكر ومدارسة العلم وحفظه.
- التطوّع في الأعمال الخيريّة، والإغاثيّة، والدعويّة.
- صلة الأرحام، وزيارة المقرّبين من الأصدقاء، والجيران، وأهل الفضل.
- قصد بيت الله الحرام من أجل العمرة وزيارة المدينة المنورة.