كيف أحسن أخلاقي
الأخلاق الإسلاميّة
جاءت الشريعة الإسلاميّة حاثّةً على الأخلاق الكريمة، وبانيةً للشخصيّة المسلمة القويمة، ومُعزِّزة لحميد الصّفات وطيّب الخِصال فيه، وقد شملت الأخلاق وغطّت جميع مجالات الحياة ومناحيها المختلفة؛ لتكون الأخلاق بذلك ناظمةً لعلاقات المسلم كلّها، بدءاً من علاقته بالله سبحانه وتعالى، ثمّ علاقته بنفسه، ثمّ علاقته بغيره من النّاس من حوله، ولعلّ الشواهد على اهتمام الشريعة الإسلاميّة بالأخلاق كثيرة، فأهمّ غايات بعثة النبي محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- إتمام الأخلاق الحسنة ومواصلة غرسها في النّفوس، فقد رُوِي عنه قول: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ).
والعبادات على اختلافها قد شرعها الله -تعالى- لتهذيب الأخلاق وتربية النّفس عليها، ومن ذلك ما جاء في قوله -تعالى- عن الصّلاة : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)، وكذلك ما جاء في قوله تعالى عن الزّكاة : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وعلاوةً على ذلك كلّه فإنّ كثيراً من النّصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة، يتجلّى فيها حُسن الخُلق، مبيّنةً فضله وعاقبته الحسنة، وموضِّحةً لنماذج الأخلاق الحسنة، ومُستشهدةً بأمثلة من حياة الأنبياء عليهم السّلام، والصّحابة الكرام رضي الله عنهم.
الأخلاق
إنّ الناظر في المعنى اللغويّ للفظة الأَخْلاق ، يجد أنّها راجعة إلى الجذر اللغوي خَلَقَ؛ فالخاء واللام والقاف أصلٌ صحيح، وهو يدلّ على مُلامسة الشيء، أو على تقدير الشَّيء، وهو المعنى المُراد، فسُمّي الخُلق بذلك؛ لأنّ صاحبه يُقدَّر عليه، فيُقال: أحدهم خَليق بكذا؛ أي يُقدَّر فيه هذا الشيء، والخُلُق كما قال ابن منظور في معجمه: هو الدِّين، والسَّجِيّة، والطَّبع، والجمع منه أخْلاق، وقد وردت لفظة الخُلُق في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة في مواطن عدّة، منها ما يأتي:
- القرآن الكريم: ما جاء في قول الله تعالى في مدحه للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
- السنّة النبويّة: ما روته أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، واصفةً خلق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حيث قالت: (كان خلُقُه القرآنَ).
أمّا عن معنى الأخلاق في الاصطلاح، فلِلعلماء تعريفات متنوّعة لها؛ حيث عرّفها جمْع من المُعاصرين بأنّها: مجموعة من القواعد والمبادئ النّاظمة لسلوك الإنسان، والمحدَّدة من الوحي، وغايتها تنظيم حياة النّاس، وتحديد علاقاتهم بغيرهم، على نحو يحقّق الغاية من وجودهم في هذه الحياة على أكمل وجه.
كيفيّة تحسين الأخلاق
إنّ تحسين أخلاق المسلم، وتعزيزها في نفسه، وترسيخها في شخصيّته؛ ليتمثَّلها في سلوكاته وتصرّفاته كلِّها، لها طرق ووسائل عديدة، ومن هذه الطرق والوسائل ما يأتي:
- أداء العبادات: إنّ في أداء العبادات والتزامها والمحافظة عليها طريقاً لتحسين الخُلق وتعزيزه في نفس الإنسان؛ فالعبادات على اختلافها تُقوِّم النّفس الإنسانيّة، وتحفظ عليها صالح أخلاقها وتُنمِّيها؛ فالتزام الصّلاة يعزّز خُلق الانضباط، واحترام الوقت، وحفظ المواعيد، وغيرها من الأخلاق والقِيم، والصّيام كذلك يعزِّز في الإنسان خُلق الصّبر ، ومُجاهَدة الهوى، وضبط النّفس، وفي عبادة الزّكاة تهذيب للنّفس بصونها ووقايتها من آفة الأنانيّة، وطغيان النَزعة الفرديّة.
- الموعظة والنُّصح: إنّ في الاستماع للعِظات والنّصائح التي يقدّمها الآخرون دوراً كبيراً في تحسين الأخلاق ، وتمكينها في النّفس، وقد زخرت نصوص القرآن الكريم ونصوص السنّة النبويّة بالكثير من المواعظ والنّصائح، ولعلّ من أبرزها ما كان في سورة لقمان من موعظة لقمان لابنه، وهي في جملتها مواعظ تتعلّق بالأخلاق، وتحثّ على التزامها والتحلّي بها، فقد قال الله -تعالى- على لسان لقمان: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وتوجد وصايا ومواعظ أخرى كما في قوله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، فالموعظة والنّصح سبيل لتحسين الأخلاق.
- القدوة الحَسنة: اتّخاذ الإنسان قدوةً حسنةً له في حياته أمر يدفعه ليسير على نهج هذه القدوة فيما يبتدر منها من أخلاقٍ حسنةٍ ، ويتأثّر بخِصالها الحميدة، فيتخلّقها في تصرفاته من أقوالٍ وأفعالٍ، وقد حثّ الإسلام على اتخاذ قدوةٍ حسنةٍ والسّير على نهجها، فقد جاءت آيات كثيرة تبيِّن كيف أنّ الأنبياء -عليهم السّلام- قدوة لنا، فقد قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
- مجاهدة النّفس: يكون ذلك بتعويدها، وتوطينها، وتدريبها على الخُلق الحَسن ، حتّى تعتاده ويكون ديدنها في تصرُّفاتها وسلوكاتها، ولذلك قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حول خُلقي الحِلم والعلم: (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).
- تذكُّر ثواب الخُلق الحسن وعاقبة الخُلق السَّيِّئ: عندما يستحضر الإنسان في ذهنه ما سيترتّب عند التّحلي بالأخلاق الحسنة من ثوابٍ عظيمٍ، فسينتهج طريق هذه الأخلاق، ويلتزمها، ويتمسّك بها، وفي المقابل إذا استحضر ما لسوء الخُلق من عواقب وخيمةٍ، فسيجتنبها، ويتخلّى عنها.
- الدّعاء: إنّ اللجوء إلى الدّعاء من أفضل ما يُحسّن الأخلاق، فقد كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو، فيقول: (اللهمَّ أنت الملكُ لا إله إلا أنت، أنت ربّي وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي واعترفتُ بذنبي، فاغفرْ لي ذنوبي جميعاً، إنّه لا يغفر الذنوبَ إلّا أنت، واهدِني لأحسنِ الأخلاقِ، لا يهدي لأحسنِها إلّا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها، لا يصرفُ عني سيِّئَها إلّا أنت).