كيف أحافظ على قراءة القرآن
كيفيّة المحافظة على قراءة القرآن
طرق المحافظة على قراءة القرآن
يُمكن للمسلم الحفاظ على قراءة القرآن ، وتلاوة آياته، والمداومة عليها؛ بالحرص على قراءته في الليل والنهار؛ فمَن كان على اتِّصالٍ بكتاب الله -تعالى-، كان مُحافظاً عليه، ومن قطع اتِّصاله به، كان هاجراً له، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- قدوةً في ذلك؛ فكانوا يتّخذون وِرْداً من كتاب الله يُحافظون على قراءته دائماً، ومن الطرق المفيدة في المحافظة على تلاوة القرآن تحديد قسم وكم معين لقراءته كل يوم، وقد عُرِف عن الصحابة تحزيبهم للقرآن الكريم؛ إذ كانوا يضعون مجموعةً من السُّوَر في حِزبٍ واحدٍ؛ حتى يختموا كتاب الله؛ فيجعلون أوّل ثلاث سُور من القرآن؛ وهي: البقرة، وآل عمران، والنساء حِزباً، ثمّ يجعلون السُّوَر الخمس التي بعدها حِزباً، ثمّ السَّبع التالية حِزباً، ثمّ التسع، ثمّ الإحدى عشرة، ثمّ الثلاث عشرة، ثمّ الحِزب الأخير؛ وهو من سورة ق إلى آخر سورة الناس، ويقرؤون كلّ يومٍ حِزباً منها؛ ليُتمّوا خَتْم تلاوة القرآن كلّ أسبوعٍ؛ فالمداومة على تلاوة ما تيسَّرَ من كتاب الله كلّ يومٍ سُنّةً من سُنَن السَّلَف الصالح، كما أنّها من أحبّ الأعمال إلى الله -تعالى-؛ إذ إنّه يُحبّ من العمل ما دام واستمرّ، حتى وإن قلّ.
الأسباب المعينة على المحافظة على قراءة القرآن
وممّا يُعين على المحافظة على كتاب الله: تلاوةُ المسلم، وتدبُّره آياته في الأوقات المناسبة التي لا تكون فيها النفس مشغولةً، أو يكون فيه القلب مهموماً، بالإضافة إلى عناية المسلم بدراسة آياته، وحِفظها، وتطبيقها تطبيقاً عمليّاً، وسؤال الله العون على ذلك، ومنها أيضاً تذكُّر الأجر المُترتِّب على تلك العبادة ؛ فالقرآن الكريم يشفع يوم القيامة لأصحابه الذين داوموا على قراءته في الدُّنيا؛ إذ أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ)، كما ورد في حديثٍ آخر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)، بالإضافة إلى أنّ أجرَ الانتفاع بالقرآن لا يتحقّق بقراءته فقط، وإنّما يتوصّل المسلم إليه حينما يُحقّق الغايات التي أُنزِل من أجلها، ومن بينها العِلم بما تضمّنه من الأحكام ، والتشريعات؛ قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، إلى جانب أنّ العمل بما نصَّ عليه القرآن من شريعةٍ يضمن إصلاح النفس الإنسانيّة، والارتقاء بها، وتحقيق الإخلاص القلبيّ الصادق؛ وذلك حينما يستشعر المسلم عند قراءته مُراقبة الله له، واطِّلاعه عليه، ورضاه عن عَمله.
آداب قراءة القرآن
يجدر بقارئ القرآن التحلّي بعددٍ من الآداب المُتعلِّقة بالمُداومة على تلاوة كتاب الله، ومنها: أن يحرص المسلم على تعاهُده بالقراءة ليلاً ونهاراً، جهراً وإسراراً؛ قال -تعالى-: ( لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)، وأن يحرص على تلاوته في صلاة قيام الليل؛ لِما في تلك الأوقات من الفَضْل العظيم، والأجر المُضاعَف؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ)؛ فقيام الليل بالقرآن من أفضل العبادات، وهي شرفٌ للمؤمن؛ لأنّ القيام في تلك الأوقات مَظنّة الإخلاص، والبُعد عن الرِّياء؛ فالنفس فيه تكون أكثر سكوناً، واكثر بُعداً عن المُلهيات والمشاغل، ومن آداب قراءته أيضاً حضور القلب، وخشوع النفس، والخوف حين الوقوف على آيات الرجاء والعذاب.
وقد ضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثال في خشوعهم حين قراءة القرآن؛ إذ ورد أنّ بعضهم كان يُكرّر الآية مرّاتٍ كثيرةٍ في ليلةٍ أو جزءٍ منها؛ فمقصود قراءة الآيات تحقيقُ الخشوع بزيادة الإيمان، والاستسلام في القلب؛ قال -تعالى- في وصف عباده المُتَّقين: (وَيَخِرّونَ لِلأَذقانِ يَبكونَ وَيَزيدُهُم خُشوعًا)، ومن آداب قراءته أن يحرص على توجيه المسلمين بما اشتمل عليه من القِيَم، والأخلاق، وحَثّهم على لزومها، مع الحرص على تعليمه للناس؛ ابتغاءَ مرضاة الله -سبحانه-، دون طلب غايةٍ من غايات الدُّنيا؛ من مَنصبٍ، أو مالٍ، أو تقرُّبٍ إلى سُلطانٍ، أو ابتغاء مديحٍ وإطراءٍ، وأن يكون قارىء القرآن خير قدوةٍ للناس في التزامه بما أمر به كتاب الله، وما نهى عنه؛ فلا يُخالف القومَ بإتيان ما ينهاهم عنه، بل يكون سَبّاقاً إلى حِفظ حدوده، والتزام أحكامه، فيكون القرآن خُلقه ومَنْهجه كما كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كذلك.
حبّ القرآن من حبّ الله
تُعَدّ مَحبّة القرآن الكريم في القلب من العلامات التي تدلّ على صِدق مَحبّة العبد لربّه -سبحانه-، كما أنّ مَحبّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- تدلّ عليها مَحبّة القرآن الذي نزل به أمين الوَحي على قلب رسول الله؛ ولذلك يُعَدّ النَّظَر في كتاب الله، وتدبُّر آياته، والإكثار من الذِّكر في الأحوال جميعها من العوامل التي تُعزّز الإيمان في قلب المسلم، وحتى يتمكّن المسلم من إدراك اللذّة والسكينة في الخُلوة مع ربّه، فلا بُدّ له من أن يجعل كلام الله رفيقَه؛ فيستأنس به، ويسترشد ويهتدي به حينما يتيه به الطريق؛ إذ إنّ الحفاظ على القرآن الكريم إنّما هو سبيل الوصول إلى راحة النفس، وسَعة الصدر، وطمأنينة القلب؛ فهو الحِصن الحصين، والحِرز المكين، والناصح الأمين؛ إذ يُستدَلّ بآياته على أوامر الله، ونواهيه، فيقف المسلم على أسراره، وعجائبه في ترغيب النفس الإنسانيّة، وترهيبها، وتشويقها إلى وَعد الرحمن، وتخويفها من وعيده.