كيف أتوب من جميع الذنوب
كيف أتوب من جميع الذنوب؟
امتدح الله التائبين في القرآن الكريم في أكثر من موضع، منها قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). ولقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقة التعامل مع الذنوب فقال:
(إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ آخَرَ، فاغْفِرْهُ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، قالَ: أذْنَبْتُ آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ).
ولقد بيّن العلماء انّ للتوبة النصوح شروط خمس، فيما يلي بيانها:
الإقلاع عن الذنب
وذلك بالتوقف التام عن الذنوب، وهذا أول شرط من شروط التوبة النصوح، إذ لا يعقل للمسلم الذي يريد أن يتوب من الذنوب أن يبقى مداوماً على فعلها، وقد قال القرطبي عن شرط الإقلاع عن الذنب في شروط التوبة: "يَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَالْإِقْلَاعُ بِالْأَبْدَانِ، وَإِضْمَارُ تَرْكِ الْعَوْدِ بِالْجَنَانِ، وَمُهَاجَرَةُ سَيِّئِ الْإِخْوَانِ".
الندم على الذنب
لا بد للمسلم من الشعور بالندم على الذنب الذي يقترفه لتكون توبته صادقة ومقبولة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: (يا عائِشةُ، إنْ كُنتِ ألْمَمْتِ بذَنبٍ فاستَغْفِري اللهَ؛ فإنَّ التَّوبةَ مِن الذَّنبِ: النَّدَمُ والاستِغْفارُ).
وتظهر أهمية الندم في التوبة؛ حيث يكون هذا الشعور لاحقاً محفزاً للابتعاد عن هذه المعصية وعدم الوقوع فيها من جديد في المستقبل، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَرَّتْهُ حَسَنتُهُ، وَساءتهُ سَيِّئتُه فهو مُؤمِنٌ).
العزم على عدم العودة إلى المعصية
ويقصد بهذا الشرط عقد النية الجازمة والصادقة على عدم فعل الذنب مرة أخرى في المستقبل،ومحل هذا العزم هو القلب؛ إذ إنه عمل قلبي يصدق فيه العبد مع ربه -عز وجل-، وتجدر الإشارة إلى الفرق بين عزم عدم العودة إلى الذنب وبين الوقوع فيه مجدداً في المستقبل؛ إذ قد يصدق العبد ويعزم على عدم الرجوع إلى الذنب، ولكنه مع مرور الوقت قد يضعف ويقع في الذنب مرة أخرى، فتوبته الأولى مقبولة إن شاءالله، وعليه المباردة في التوبة مرة جديدة وهكذا إلى أن يكف عن الذنب نهائياً.
رد الحقوق لأصحابها
تعد الشروط الثلاث الأولى شروطاً بين العبد وربه -تبارك وتعالى- في الذنوب الخاصة بالمسلم نفسه، أما إن تعدى ذنبه وتعلق بحقوق غيره من العباد فهنا لابد من شرط رابع لتوبته لكي تكون مقبولة؛ ألا وهو شرط رد الحقوق لأصحابها؛ فمن أكل حقاً من حقوق غيره من الناس لا بد من أن يعيد هذا الحق له، ولا يكفي ندمه وعدم تكرار هذا الفعل من جديد فقط دون رد الحق السابق لأهله.
وقد لا يستطيع أن يرد الحقوق لأهلها، فهنا يبادر المسلم بالدعاء لهم والتصدق عنهم، ودعاء الله أن يغفر له تقصيره في حقوقهم.
الاستغفار والدعاء
يعتبر طلب المغفرة ودعاء المسلم أن يقبل الله توبته من أهم الخطوات في طريق الإقلاع عن الذنوب؛ ذلك لما يشعر العبد بالافتقار والانكسار لمولاه -سبحانه وتعالى-، والاعتراف والإقرار بضعفه والثقة والتوكل على الله بأن يغفر له ويقبل توبته.
ومن أدعية الاستغفار المأثورة ما يلي:
- (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
- (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
- (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي).
- (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ).
- (اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ. إذا قالَ حِينَ يُمْسِي فَماتَ دَخَلَ الجَنَّةَ -أوْ: كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ- وإذا قالَ حِينَ يُصْبِحُ فَماتَ مِن يَومِهِ مِثْلَهُ).