كيف أتعلق بالله
كيفيّة التعلّق بالله
يكون التعلق بالله عن طريق اتباع مجموعة من الإرشادات ومنها:
- التعلّق بالله -تعالى- وحده، من غير تعليق القلب بالأسباب؛ لأنَّ هذا هو فسادٌ للقلب و بعدٌ عن طاعة الله -تعالى- وتوفيقه؛ فالله -تعالى- هو الذي أعطى الأسباب تأثيرها، ومن الآثار والنتائج المترتّبة على التعلّق بالأسباب أن يحول الله بين المرء وقلبه، كما قال الله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّـهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ).
- الابتعاد عن الهوى وشهوات النفس الإنسانيّة، وقرب النفس من الله -تعالى- والأُنس بعبوديته؛ فمن علَّق قلبه بالهوى جَلَب لنفسه الضُّر والأذى، ومن علَّق قلبه بالله -تعالى- استمد منه العون والنصر.
- التوحيد ففكرة التوحيد تكمن في التعلّق بالله -تعالى- وحده، واليقين أنَّ الأمور كلها بيده، وعدم الالتفات لغيره من الأسباب والمخلوقات؛ فحصول الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر، والأمن والخوف، والجوع والشبع، والصحة والمرض، كلّ ذلك لا يحصل إلّا بتدبير الله -تعالى- وأمره؛ فالتوحيد يجعل مردّ كلّ أمر إلى الله -تعالى- وحده، قال -تعالى-: (اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
- ترك الانشغال بالدنيا وملذّاتها، بحيث تكون الدنيا ورفاهيتها هي شغله الشاغل، والعلو فيها هو كلّ ما يطمح إليه، فيبتعد الإنسان عن خالقه وينسى الآخرة، قال -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا ما لَكُم إِذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ اللَّـهِ اثّاقَلتُم إِلَى الأَرضِ أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ)، فلا بدّ أن تكون الدنيا بين يدي الإنسان لا في قلبه؛ فيسعى فيها بما فيه خيرٌ له في الدنيا والآخرة.
- الرجاء إذ كلما زادت قوّة الرجاء وزاد تعلق العبد بالله -تعالى-؛ فالرجاء بالله -تعالى- من حيث أسمائه وصفاته يزيد من حبّ الله -تعالى- والرغبة في طاعته.
- كلما ازداد المسلم علماً بأسماء الله -تعالى- وصفاته كما زاد إقراره بوحدانية الله -تعالى-، وزادت قدرته على الدعاء بأسماء الله -تعالى- وصفاته والثناء عليه بها، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلِلَّـهِ الأَسماءُ الحُسنى فَادعوهُ بِها).
- الاستغناء عن الناس فمن أراد أن يعلّق قلبه بالله -تعالى- أن يستغني عن سؤال الناس؛ حفاظاً على كرامته وعزّته، فلا يسأل إلّا الله -تعالى-، ولا يطمع إلّا فيما عنده.
- الابتعاد عن الوقوع في الذنوب والمعاصي من الأمور التي تساعد على التعلق بالله؛ لأنَّ الذنوب من الأسباب التي تبعد الإنسان عن الله -سبحانه وتعالى-، فالذنب يجلب لصاحبه كل شر، فيجب على من وقع في ذنبٍ أو معصيةٍ أن يُسارع إلى الإنابة والتوبة إلى الله -تعالى-، والإقبال عليه؛ فيستغفر من ذنبه ويُكثر من الطاعات والعبادات لله -تعالى-.
- استشعار مراقبة الله -تعالى- للعبد تساعد على زيادة الخوف والخشية منه، مما يجعل العبد أكثر حرصاً على الالتزام بالطاعة والابتعاد عن الوقوع في الحرام، وبالتالي يُصبح الإنسان أكثر استقامة على طريق الحقّ؛ رغبةً في نيل رحمة الله -تعالى- وخوفاً من عقابه وغضبه.
- التوكل على الله -تعالى- هو أحد الأمور المعينة على التعلّق به؛ فعندما يُدرك الإنسان أنَّ الله -تعالى- بيده الأمر كله؛ إن شاء يسَّر الأسباب وقضاها، وإن شاء منع تحققها واقتضائها، عند ذلك يُسلّم أمره إلى الله -تعالى- مع أخذه بالأسباب، ويعتمد عليه في الحصول على مبتغاه، وهذا هو تعريف التوكّل.
- قراءة القرآن الكريم وتدبّره، ومعرفة المقصود من معانيه، هي من خير الأمور التي تُعين على التعلّق به -سبحانه وتعالى-، فلا شيء أجمل عند مُحبّ الله -تعالى- المُتعلق به من قراءة كلامه وتدبّره؛ فهو رفعة ولذّة لقلبه، وغاية مُراده.
علامات التعلّق بالله وثماره
التعلق بالله -تعالى- يحتاج إلى بذل الجهد، ومجاهدة النفس البشرية على ترك الكثير من الأمور في سبيل الله -تعالى-، وهناك العديد من العلامات التي تدلّ على تعلّق العبد بربه، وفيما يأتي بيان لعلامات التعلّق بالله -تعالى- وثماره:
- الخضوع لله في جميع الأوقات: المؤمن المتعلّق بربه لا يصبح ولا يمسي إلّا وقلبه معلّق بالله -تعالى-؛ بحيث يكون مأكله ومشربه ومقعده وكلامه وجميع تحركاته لله -تعالى-، حتى يصل فيه الحال إلى نيل محبّة الله -تعالى- ورضاه، والفوز بالنعيم في الدنيا والآخرة.
- الكفاية والهداية: المؤمن الذي تعلّق قلبه بالله -تعالى- يكفيه الله -تعالى- في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، كما أنَّ الله يُوفّقه إلى طريق الهداية، ويُيسّر له كل عسير، ويُقرّب له كل بعيد.
- السعادة بالقرب من الله: المؤمن المتعلّق بربه يستأنس بالقرب منه، ويستغني عن كل من هو دون الله -تعالى-؛ فلا يسعد إلّا بحب الله -تعالى- والعمل في سبيله، وهذا دليل على صحّة قلبه وسلامته، وبالتالي تزيد ثقة العبد بربه، وتزداد السعادة الروحانيّة في أداء العبادة.
- الاستعداد للرحيل: القلب المتعلّق بالله -تعالى- مربوط بالآخرة، فهو يعيش في هذه الدنيا حياة الغريب عنها؛ لأنَّ داره الحقيقية هي دار الآخرة، فإذا نَزَل بها شعر بأنَّها داره ووطنه، كما قال الرسول -عليه السلام-: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ).
- الشعور بالأمن والسكينة: الإنسان الذي يزداد إيمانه بالله -تعالى- تكون حياته كلّها سكينة وراحة أكثر من غيره، سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة، قال -تعالى-: (الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ أُولـئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدونَ).
- الدخول في رحمة الله: المسلم الذي يعتصم بحبل الله -تعالى- يكرمه الله برحمته، ويزيده فوق ذلك من فضله وكرمه، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
- الخروج من الكروب: المتعلّق بالله -تعالى- تحيطه ألطاف الله -تعالى- الخفيَّة من كل جانب في حياته، فالكرب عنده سبب للقرب من الله -تعالى- وعدم الابتعاد عنه؛ فلا ينشغل بالكرب عن طاعة الله -تعالى- وعبادته، إنّما يُسارع في تحقيق التقوى حتى يستطيع الخروج من الضيق الذي هو فيه، قال -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا).
التعلّق بالله
المؤمن بحاجة ماسّة في كل وقت إلى تعليق قلبه بالله -تعالى-، فالتعلّق بالله أمر ملازم للإيمان والإسلام، وعبوديّة المؤمن لربّه لا تتحقّق من غير التعلّق به، فالتعلّق بالله -تعالى- يجعل المؤمن يلجأ إليه في كل شؤون حياته؛ فهو مُدرك أنَّ الله -تعالى- هو الخالق الرزّاق الحافظ، كما أنَّ المؤمن يُعلّق قلبه بالله -تعالى- حبّاً و تعظيماً له، بالإضافة إلى أنَّ المؤمن يُدرك مدى ضعفه ونقصه فيلجأ إلى الله -تعالى- القويّ العزيز الجبار؛ فهو من دون الله -تعالى- لا يستطيع جلب الخير لنفسه؛ فغذاؤه ودواؤه وكل احتياجاته لن تصل إليه من دون إرادة الله -تعالى- وتدبيره.