كيف أتخلص من عادة الكذب
استشعار مراقبة الله
يُعد استحضار رقابة الله -تعالى- للعبد من أشد الأسباب المعينة على ترك الكذب ، فحين يعلم مَن ابتُلي بهذا الخلق المذموم بأنّ الله -تعالى- لا يغيب عنه قول أو فعل، لقوله -تعالى-: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، ولا تخفى عليه النية الصادقة من الكاذبة، لقوله -تعالى-: ﴿وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾.
وحين يعلم العبد بأنّ الله -تعالى- مطّلع عليه ويعلم ما العبد عليه في السر والعلن، لقوله -تعالى-: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، عندها فإنّ مَن ابتُلي بالكذب يعلم مقدار ما هو مكشوف أمام الله -تعالى-، وأنّ الله يراقبه مراقبة دائمة لا تقلّ، ولا تنتهي، ولا تنقطع، لذلك يجاهد نفسه بأن يكون من الصادقين ما دامت أنّ رقابة الله -تعالى- عنه لا تغيب.
معرفة خطورة الكذب في الإسلام
يعدّ الكذب في الإسلام من الكبائر، وهو من الذنوب التي توعّد الله -تعالى- بها العبد في أكثر من مرة في كتابه، فقال -تعالى-:﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾، ومن خطورة الكذب في الإسلام بأنّه من أسباب الفجور لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ)، وقد عدّ أهل العلم بأنّ الكذب لا يَخرج من مؤمن، بل إنّ الكذب كلّه قبيح في الإسلام جدّه ومزحه.
وتظهر خطورة الكذب في الإسلام بأنّ الإيمان الكامل يبقى محجوباً عن العبد حتى يترك الكذب، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يُؤمنُ العبدُ الإيمانَ كلَّهُ حتَّى يتركَ الكَذبَ في المِزاحةِ ، والمِراءَ وإنْ كان صِدْقًا)، فمن عرف خطورة الكذب وجب عليه أن يبتعد عنه فالإسلام لا يرتضي لأبنائه الكذب أو الكاذب.
معرفة أن الكذب من صفات المنافقين
من صفات المنافقين في القرآن الكريم أنّهم من الكاذبين فقال -تعالى-: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾، ويقول -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)، فهذه الأخلاق الثلاثة مرجعها إلى الكذب.
وقد قال الإمام حسن البصري إنّ الكذب يجمع النفاق، وإذا كان الكذب يجمع كل أنواع النفاق فعلى المسلم أن يتقي الله -تعالى- في نفسه ويبتعد الكذب الذي عاقبته أن يوصف بالنفاق.
معرفة العواقب المترتبة على الكذب
كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يصد ويُعرض عمّن عُرف عنه الكذب وتقول أمّ المؤمنين عائشة رضيَ الله عنها عن ذلك: (ما كان خُلُقٌ أَبْغَضَ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من الكَذِبِ، ولقد كان الرجلُ يُحَدِّثُ عند النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالكِذْبَةِ، فما يَزَالُ في نفسِهِ، حتى يَعْلَمَ أنه قد أَحْدَثَ منها توبةً)، فالكاذب منبوذ في المجتمع ومرفوض في التعامل.
يقول ابن القيم عن الكاذب: "فإن الكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً. والحق باطلاً، والباطل حقاً، والخير شراً والشر خيراً"، فمن كانت هذه صفاته فقد الناس ثقتهم به، ولن يجد له صديقاً ولا شريكاً، ولن يجد مَن يأتمنه على زوجة أو مال أو تجارة.
التحلي بالشجاعة وتحمل المسؤولية
يدلّ الكذب على خوف من العواقب ومن العقوبة لذا يجعل الكاذب من الكذب له واقياً من لوم الناس وعتابهم، فعلى مَن ابتُلي بخلق الكذب أن يعرف نفسه، ويلزمها بالصدق، وأن يبادر إلى تصحيح الضرر الذي تسبب كذبه به حتى ولو كانت عاقبة ذلك إيقاع العقوبة به.
والشجاعة لا تكون بالهروب من تحمل المسؤولية، بل تكون بمواجهة العواقب وتحمل المسؤولية فالكذب يقدر عليه كل الناس لكن مواجهة العواقب وتصحيح الأخطاء من صفات أهل الشجاعة.