كم كانت مدة الدعوة سراً
مدّة الدعوة السريّة
استمرت دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- سرّاً مدة ثلاث سنوات، وقد تفرّعت الدعوة إلى الإسلام إلى مرحلَتَين:
- المرحلة المكيّة: وقد استمرّت ثلاث عشرة سنّةً، وقد قُسمت إلى مرحَلَتين:
- مرحلة الدعوة السريّة؛ واستمرّت ثلاث سنواتٍ، وانتهت بقَوْله -تعالى-: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، فصعد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على جبل الصفا يدعو أهل مكّة.
- مرحلة الدعوة الجهريّة؛ وكانت باللسان فقط، وبدأت من السنة الرابعة للبعثة إلى حين الهجرة إلى المدينة المنوّرة.
- المرحلة المدنيّة: وقد استمرّت عشر سنواتٍ.
مقرّ الدعوة السريّة
بدأت الدعوة الإسلاميّة السريّة في بيت أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، ثمّ تحوّلت إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ بسبب زيادة أعداد المسلمين، فكانوا يجتمعون فيها، ويتعلّمون فيها أحكام الإسلام، وقد تمّ اختيار دار الأرقم؛ لأنّه من قبيلة بني مخزوم التي كانت حاملةً للواء الحرب ضدّ بني هاشم، كمت أنّ الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، وكان عُمره ستة عشر سنّةً، إذ كانت تظنّ أنّ المسلمين يجتمعون في بيوت كبار الصحابة.
تعريفٌ بالدعوة السريّة
أمر الله -تعالى- الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالدّعوة إلى توحيده بعد نزول جبريل -عليه السلام- بستة أشهرٍ، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الدعوة السريّة لا تعني الكتمان، وإنّما تبليغ الغير أمراً لاتّباعه باستخدام أساليب الترغيب والترهيب، وغيرهما من الوسائل والأساليب، مع الطلب المتكرّر، وتقديم النُّصح والمشورة، وإظهار الخير والبرّ للمدعوين، فالداعي يريد تحقيق مصلحتهم.
والسريّة مرحلةٌ أساسيّةٌ، يمرّ بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في دعوتهم، فقد ورد في قَوْله -تعالى- عن نبيّه نوح -عليه السلام-: (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)، وذلك يدلّ على أنّ نَهْج الدعوات في بدايتها تكون سريّةً، كزوجة فرعون التي كانت تُخفي إيمانها.
الحكمة من سريّة الدعوة
كانت مكّة المكرّمة ذات مكانةٍ جليلةٍ قبل الإسلام؛ بحكم مكانتها الدينيّة بين العرب؛ إذ إنّ فيها الكعبة، وكان أهل مكّة قائمين على خدمة البيت، ولذلك فكان تحوّل الدِّين وتغييره أمراً عظيماً، ممّا استدعى سريّة الدّعوة في بدايتها، وقد كان للسريّة العديد من الحِكم، يُذكر منها:
- بناء الأساسات الأولى للدعوة، ممّن يقومون ويؤمنون بها، بحيث يكونوا القوّة الدافعة لأي مواجهةٍ.
- اتّباع نَهْج المقاومة المسالمة، وعدم إشعال بواعث العداوة في النّفوس المستكبرة، وقيام الدّعوة على كَسْب القلوب.
- إيصال الدّعوة لكلّ العرب، ممّن يأتون من خارج مكّة في المواسم المختلفة.
خصائص الدعوة السريّة
تميّزت الدعوة السريّة بمجموعةٍ من الخصائص، منها ما يأتي:
- كانت بداية نشر الدين الإسلاميّ، ولذلك كان لزاماً تعليم الداخلين بالإسلام حقائق التوحيد، وترسيخ الإيمان في القلوب، وتربيتهم على أخلاق الإسلام.
- شُرعت الصلاة في الدعوة السرية، وكانت ركعتين صباحاً، ومثلهنّ مساءً، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يصلّون سرّاً، بعيداً عن أعين الناس؛ لئلا يعرفوا بإيمانهم.
- كانت أعداد المسلمين تزداد يوماً بعد يومٍ، حتى تكوّنت نواةٌ للجماعة المسلمة المؤمنة سرّاً، على الرغم من العذاب والتضحيات التي قدّمها الصحابة الأوائل، إلى أن جاء الأمر بالجهر بالدعوة، وحينها بدأت مرحلةٌ جديدةٌ.
- تميّزت الدعوة السرية أيضاً بشموليتها؛ فهي للنّاس كافةً، لا فرق فيها بين الأفراد بحسب العِرق، أو اللون، أو الجنس.
السابقون للإسلام في المرحلة السريّة
- كانت الجزيرة العربية تتّصف بالقبليّة والعشائريّة، وكانت قبيلة قريش شأنها شأن العرب في ذلك، ومع هذا فقد اتّسعت رقعة الداخلين الأوائل بالإسلام، بحيث تعدّت الدعوة الإسلاميّة قبلية قريش، فلم يكن نصيب بني هاشم من المسلمين الأوائل أكثر من القبائل الأخرى.
- وقد أسلم في المرحلة السريّة ستون صحابيّاً، من قبائل مختلفةٍ:
- كان أوّل من أسلم السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ثمّ أسلم أبو بكر الصدّيق من قبيلة تيم، ثمّ عليّ بن أبي طالب من بني هاشم، ثمّ أسلم عثمان بن عفّان من بني أميّة، وعمر بن الخطّاب من بني عدي، وعبد الرحمن بن عوف من بني زُهرة، وعثمان بن مظعون من جُمح، والزبير بن العوّام من بني أسد، وأبو عبيدة بن الجرّاح من بني عامر.
- دخل في الإسلام صهيب بن سِنان من الروم، وأبو ذرّ من غفّار.
- أسلم أيضاً: خالد بن سعيد، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرتّ، وبلال بن رباح.
بذلك يتبيّن أنّ الإسلام لم يكن مقتصراً على أهل مكّة فقط، وإنّما عامّاً لكّل الناس، على اختلاف قبائلهم، وعشائرهم، وألوانهم، وأعراقهم، فلم ينحصر الإسلام بطائفةٍ محدّدةٍ، بل جاء عامّاً دون تفريقٍ بين أحدٍ.
ملخص المقال: بدأت الدعوة إلى الإسلام بشكل سرّي واستمرت مدة ثلاث سنوات، وكان اجتماع الصحابة في بيت ابن أبي الأرقم، دخل في الإسلام في هذه المرحلة ستين صحابياً، ثم انتقلت الدعوة إلى الإسلام بشكل جهري.