كم قصة في سورة الكهف
عدد القصص الواردة في سورة الكهف
اشتملت سورة الكهف على خمس قصص؛ وهي: قصة أصحاب الكهف، وقصة موسى والعبد الصالح، وقصة صاحب الجنّتين، وقصة ذو القرنين، وقصة آدم وإبليس، وفيما يأتي بيان هذه القصص:
قصّة أهل الكهف
تُصوّر قصّة أصحاب الكهف حقيقة التمسُّك بالعقيدة السليمة، والسَّعي إلى رضوان الله -تعالى-، وتقديم العمل الصالح على غيره من الأعمال؛ فهي تتحدّث عن فتيةٍ آمنوا بالله -تعالى-، ورفضوا الشِّرك به، فزادهم الله -عزّ وجلّ- إيماناً، ورُشْداً، وإرادة، ومنحَهَم قوّة الصبر، والثبات؛ حين تركوا رَغَد العيش، ووقفوا في وجه ملكهم الظالم رافضين السجود للأصنام، ومُعارضين دعوتَه إلى عبادة الأوثان.
ولمّا أعطاهم الملك فرصة ومهلة من الوقت؛ حتى يعودوا عن دينهم؛ مُهدِّداً ومُتوعِّداً، فاغتنموها للفرار بدينهم، والاختفاء بعيداً عن الفِتنة، فلجؤوا إلى الكهف، وأخلصوا لله الإيمانَ، والعبادة، فأحاطهم الله -تعالى- برحمته، ورزقهم السَّتر.
كيف حمى الله أصحاب الكهف
وسَهَّل لهم الأمور؛ إذ وفّر لهم وسائل الحماية جميعها في الكهف وهم نِيام؛ فلم تؤثّر فيهم الشمس من شروقها إلى غروبها على الرغم من اتِّساع الكهف، وانفتاحه؛ قال تعالى-: (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)،3 إلى قوله: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا).
وتجدر الإشارة إلى أنّ أصحاب الكهف يمثّلون آية من آيات الله -تعالى-؛ إذ حَفِظهم من أيّ أذى طوال سنين نومهم، وفي هذا دلالة على أنّ مَن سلكَ طريق الهداية، وَفَّقَه الله، ورَضِي عنه، وأرشده إلى الحقّ، وثبَّته عليه، فينال الفوز في الدُّنيا، والآخرة، فكانت عيونهم مفتوحة؛ حتى لا يُصيبها المرض، كما كانت أجسادهم تتقلّب يمنةً ويسرة؛ حتى تتعرّض للهواء، فلا تؤثّر الأرض فيها.
بالإضافة إلى أنّ كلبهم الذي تَبِعهم كان باسطاً ذراعيه؛ يحرسهم بباب الكهف ، علماً أنّ ما أصابهم من النوم قد أصابهم أيضاً، ومن صُور حماية الله -تعالى- لهم أيضاً أن ألقى على مظهرهم الوقارَ والهَيبة؛ فلو رآهم أحد لفَرَّ هارباً خوفاً ورُعباً وفَزَعاً من أشكالهم؛ قال -تعالى-: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا).
خروج أصحاب الكهف وعددهم
تساءل أهل الكهف عن المدّة التي لبثوها نائمين بعد استيقاظهم؛ إن كانت يوماً، أو جزءاً من اليوم؛ وذلك لأنّهم كانوا قد دخلوا الكهف بداية النهار، واستيقظوا آخره، إلّا أنّهم عندما رأوا أشكالهم، فاستدركوا وقالوا إنّ الله أعلم بالمدّة التي قضَوها نِياماً، ثمّ تشاوروا في شأن الخروج؛ طلباً للطعام.
وتمّ الاتِّفاق على أن يخرج أحدهم بالمال الذي كانوا يملكونه دون أن يثير الانتباه إليهم؛ فيعرفهم أحد، ويُعلِم الملك بشأنهم، فيقتلهَم، أو يفتنَهم في الدين؛ قال -تعالى-: (وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا).
ويُشار إلى أنّ الناس اختلفوا في عددهم؛ إذ قال -تعالى-: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)، إلّا أنّ العدد ليس ذا أهمّية، فالمهم أخذ العِبرة من القصّة، ودلالاتها.
الدروس والعبر المستفادة من قصة أصحاب الكهف
وتُشير قصّة أهل الكهف إلى أنّ مَن أراد تحصين نفسه من فِتنة الدِّين، فإنّ عليه التمسُّك بالصُّحبة الصالحة، والتذكُّر الدائم للآخرة، وما بها من أهوال، وحساب؛ قال -تعالى-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
وتُستَفاد منها العديد من العِبر، والتي من أبرزها:
- تقوى الله -عزّ وجلّ-
والجهاد بالنفس من أجل الحقّ؛ بحماية الدِّين القَيِّم، واتِّباعه؛ بانتهاج الصِّدق، والصفاء الذي لا تعتريه الشوائب.
- الإيمان بالله -تعالى-
والمُقترِن بالأَخْذ بالأسباب، والسَّير على طريق الحقّ بلا خوف، أو وَجَل، والجَزم بقُدرة الله -عزّ وجلّ-، وحِكمته.
- الثبات على دِين الله -تعالى-
و الصبر العظيم الذي بَشَّر الله -عزّ وجلّ- أهله بالفوز.
- الابتعاد عن أهل الكُفر
وهو مَسلك مُهمّ في الارتقاء بالإيمان، والاقتراب من الفوز العظيم الذي وعد به الله -تعالى- عباده المؤمنين.
- التوكُّل على الله -تعالى-
والاعتماد عليه في كلّ شيء، والثقة به؛ طلباً للرحمة، والمَغفرة.
- النجاح في تجاوُز الابتلاءات
بما يرفع الدرجات، ويُكفّر السيِّئات.
قصّة صاحب الجنَّتَين
قال -تعالى- في سورة الكهف: (وَاضرِب لَهُم مَثَلًا رَجُلَينِ جَعَلنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَينِ)، إلى قوله: (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا)، وتُشير هذه القصّة إلى وجود أخوَين؛ أحدهما مؤمن، والآخر كافر، كانا قد ورثا مالاً كثيراً، فاقتسماه بينهما مُناصفةً؛ فأنفق المؤمن نصيبه مُتصدِّقاً به، وابتلاه الله -تعالى-، فأصبح ذا حاجة وفاقة.
فذهب إلى أخيه صاحب الجنّتَين، والذي كان في سَعةٍ من رَغَد العيش، ومالِكاً لحديقتين مليئتَين بالأنهار، والأشجار المُتنوّعة؛ من نخيل، وعنب، وغيرها؛ طالباً منه المساعدة، فما كان من الأخ الكافر إلّا أن أساء إليه، فوبَّخه، وطرده، وقال له مُتفاخراً إنّه أكثر منه في المال، والبنين، والأتباع، والقوة، والمَنَعة.
وتناسى أنّ كلّ ما أصابه من يُسْر في الحياة ما كان إلّا تقديراً من الله ربّ العالَمين، الرازق والقادر على كلّ شيء، وهذا كلّه من أسباب الحَمد والشُّكر، بَيْد أنّ الأخ الكافر ظَلَم نفسه؛ إذ أنكرَ فَضل الله -عزّ وجلّ- عليه، وقَطَع صِلة الرَّحِم بأخيه المؤمن، وتجاوز ذلك إلى إنكار الساعة، وقيامها، مُجاهراً بالكُفر، ونَسِي أنّ الأمر كلّه لله -تعالى-، وبِيَده.
نصيحة الأخ المؤمن لأخيه الكافر
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأخ المؤمن لم يتوانَ عن تذكيره بحقيقته؛ فهو مَخلوق من تُراب لم يكن موجوداً في الأصل لولا أنّ الله -جلّ وعلا- خلقَه من نُطفة ضعيفة في رَحِم أمّه إلى أن أخرجه إلى الحياة، ثمّ أكَّد على إيمانه بالله -تعالى- وحده لا شريك له في الألوهيّة، والربوبيّة.
وحاول أن ينصح أخاه بالعودة عن طريق الباطل إلى طريق الحقّ، مُذكِّرا إيّاه بأنّ شُكر الله -تعالى-، والاعتراف بفَضله، سبيل إلى مُضاعفة المال، وطَرْح البركة فيه، وعدم الغفلة عن قُدرته -تعالى-؛ إذ قد يُرسل على جنّتَيه أمطاراً غزيرة مُدمِّرة، فتُحوّلها في وقت قصير إلى أرض غارقة بالماء لا يستطيع أحد السَّير فيها، أو يُنقصَ ماء النهر، ويجعله جافّاً، فلا يعود قادراً على استخراجه من جديد.
أو تصبح الأرض خالية من النبات، والشجر، والثمر، فلم يتّعظ صاحب الجنَّتَين، بل استكبر أكثر، فعاقبه الله -تعالى- بعد فترة يسيرة؛ إذ أغرق جنّتَيه، فأصبحتا خاويتَين على عروشهما، فأصابه النَّدَم على ما كان عليه من الإنكار والشِّرك؛ قال -تعالى-: (وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيهِ عَلى ما أَنفَقَ فيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها وَيَقولُ يا لَيتَني لَم أُشرِك بِرَبّي أَحَدًا).
وتتمثّل العِبرة من هذه القصّة بأنّ الكُفر بنِعَم الله -تعالى- أحد أسباب زوالها، وشُكر الخالق -جلّ وعلا- يحفظها، ويستجلبُ غيرها بإرادته -عزّ وجلّ-؛ إذ قال: (لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)،
قصة آدم عليه السلام وإبليس
ذكرَ الله -تعالى- قصّة آدم -عليه السلام-، وعدوّ البشر؛ إبليس، في سورة الكهف؛ فقال: (وَإِذ قُلنا لِلمَلائِكَةِ اسجُدوا لِآدَمَ فَسَجَدوا إِلّا إِبليسَ كانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِياءَ مِن دوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلًا).
إذ أمرَ ملائكتَه بالسجود لآدم -عليه السلام- بعد أن خلقَه، فامتثل الملائكة -عليهم السلام- جميعاً لأمر الله، وسجدوا لآدم سجود تشريف وتكريم، باستثناء إبليس الذي كان من الجنّ، فعصى أمرَ الله -عزّ وجلّ-؛ كِبراً وحَسداً لآدم -عليه السلام-، ممّا يعني خروجه عن طاعة ربّ الكون، وخالِقه.
الدروس والعبر المستفادة من قصة آدم عليه السلام وإبليس
وقد جاءت هذه القصّة؛ لتوضيح التشابُه بين رَدّ إبليس على أمر الله -تعالى-، ورَدّ المشركين على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَن تَبِعه من المسلمين؛ إذ تفاخرَ إبليس على آدم -عليه السلام- بالأصل، وتفاخر المشركون على فقراء المسلمين، وضعفائهم بالأموال، والنَّسب ، كما أبدت الآيات الكريمة التعجُّب من أمر البشر الذين اتَّخذوا الشيطان ، وذُرّيته أولياءَ من دون الله -تعالى-، وما هم في حقيقتهم إلّا أعداء لهم.
ويُشار إلى أنّ في قصّة آدم -عليه السلام- مع إبليس الكثير من الفوائد، والعِبر التي لا بُدّ من التفكُّر فيها؛ لِما تحمله من دلالات مُهمّة، ومنها:
- الفَضل والشَّرَف الذي كرَّمَ الله -تعالى- به آدمَ -عليه السلام-
فقد على الملائكة جميعا؛ لِما ميّزه به من العِلم.
- بيان مكانة العلم وأهمّيته.
- جَهل العباد بحُكم الله -تعالى- في مخلوقاته
وهذا يُحتِّم عليهم التغاضي عن نزعاتهم الشخصيّة المَبنيّة على سَطحيّة العِلم لديهم، والإقرار بحِكمته -تعالى-، والتزام أوامره، والتسليم بها.
- كمال تعظيم الملائكة -عليهم السلام- لله -تعالى-
وعبادته، وطاعة أمره دون رِيبة، أو شَكّ، والاعتراف بكماله، وتنزيهه عن أيّ نَقْص؛ فما كان السجود لآدم -عليه السلام- إلّا عبادة خالصة لله -تعالى-.
قصّة موسى عليه السلام والعبد الصالح
قال الله -تعالى- في سورة الكهف: (وَإِذ قالَ موسى لِفَتاهُ لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ)،
رحلة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام
التقى موسى بالخضر وطلب منه العِلم، فما كان من الخضر إلّا أن أخبر موسى أنّه لن يتمكّن من الصبر، فلمّا أخبره موسى بعَزمه على ذلك، طلب منه عدم سؤاله عن أيّ أمر يفعله حتى يحدّثه هو عنه، فلمّا انطلقا إلى شاطئ البحر، وركبا في سفينة لغلمان رفضوا أخذ الأجر منهما، خرَقها الخضر، فتعجّب موسى -عليه السلام-، وتساءل عن ذلك مُستنكِراً.
ثمّ وجدا -بعد نزولهما من السفينة- صبيّاً، فقتله الخضر -عليه السلام-، فأنكر موسى عليه ذلك، فذكَّرَه الخضر بعدم قدرته على الصبر، فاشترط موسى على نفسه أنّ سؤاله عن أيّ شيءٍ بعد ذلك سيؤدّي إلى مُفارقة الخضر له.
فأخبر الخضر موسى -عليه السلام- بالحِكم والأسباب الكامنة وراء أفعاله؛ إذ كانت السفينة لغلامين فقيرَين ، وكان هناك ملك ظالم يأخذ كلّ سفينة خالية من العيوب، فأراد الخضر -عليه السلام- أن يجعل فيها عَيباً؛ كي لا يأخذها هذا الملك الظالم ، أما الغلام فقتله حتى لا يعذّب والداه؛ لأنّه سيكون كافراً وأبواه مؤمنين.
أمّا الجدار المائل، فقد كان لغُلامين يتيمَين ، وكان تحت هذا الجدار كنز لهما ، فأصلحه الخضر؛ حتى لا يسقط، فيُؤخَذ منهما، وذلك إلى أن يكبرا ويستطيعا إخراجه، ثمّ أوضح أنّ ما فعله كان قائماً على عِلم الله -تعالى-، وحِكمته، وأمره.
الدروس والعبر المستفادة من قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح
ولا شكّ أنّ في قصّة موسى مع الخضر الكثير من العِبر التي يُستفاد منها، ومنها:
- أنّ العلم وما يحمله من سَعة يُحتِّم على الإنسان أن يطلبه.
- كما تُظهر القصة الأدلّة على يوم القيامة ، ومن أبرزها إحياء الموتى.
- ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ القصّة حملت ركيزة أساسيّة في الحياة؛ ألا وهي أنّ الاعتذار وقبوله من الفضائل التي على الإنسان أن يتّصف بها،
قصّة ذي القرنَين
من هو ذو القرنين؟
قال الله -عزّ وجلّ-: (وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَينِ قُل سَأَتلو عَلَيكُم مِنهُ ذِكرًا)، و ذو القرنين ملك صالح مَنَحه الله -عزّ وجلّ- القوّة، والمُلك، وما لهما من أسباب، بالإضافة إلى حُسن التدبير، والسياسة، والمَنَعة، وكثرة الجنود.
قصة رحلة ذو القرنين
وصل ذو القرنين بجنوده إلى أقصى أفريقيا، ورأى بعينيه غروب الشمس في البحر؛ كنايةً عن وصوله إلى أقصى بُقعة وَصَلتها قَدَم، أو حافر، فلَقِي فيها الصالح والفاجر، والمسلم والكافر.
ثمّ انطلق نحو مَشرق الشمس في الصين وشواطئ المحيط الهادئ، ووجد فيها أُناساً ليست لديهم بيوت يأوون إليها، أو ثياب يسترون أنفسهم بها، فكانوا يلجئون إلى الكهوف مُنقطِعين عن باقي البشر؛ كناية عن وصوله إلى أرضٍ لم يصل إليها قَبله أحد -كما ذُكِر سابقاً-.
اتّجه ذو القرنَين بعد ذلك إلى الشمال حتى وصل إلى سلاسل جبال عظيمة تتّصل مع بعضها البعض، فوجد عندها قوماً لا يفقهون قول أحد، فطلبوا من ذي القرنَين أن يبني بينهم وبين قوم يأجوج ومأجوج سدّاً يحميهم منهم، فأمرهم بمساعدته؛ لعِظَم السدّ الذي سيبنيه، وأشار إلى جَمع كلّ قِطَع الحديد؛ الكبيرة، والصغيرة، وإلقائها بين الجبلين إلى أن بلغت الحدّ الذي أصبحت بها مُماثلةً لهما.
ثمّ أمرَهم بإذابة النُّحاس باستخدام النيران، وإسالته بين قِطَع الحديد إلى أن التحمَت ببعضها، وأصبحت سَدّاً وحاجزاً مَنيعاً لا يستطيع يأجوج ومأجوج تجاوُزه، بَيْد أنّ هذه الحماية مُؤقَّتة إلى أن يحين أمرُ الله الذي يقتضي خروجهما، ووصولهما إلى مَشارق الأرض، ومَغاربها، مَسرِعين من كلّ حَدب وصَوب؛ قال -تعالى-: (حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ).
الدروس والعبر المستفادة من قصة ذو القرنين
والناظر بتمعُّن في قصّة ذي القرنَين، يُدرك بوضوح أنّ العصمة من فِتنة السُّلطة يكون بإخلاص العمل لله -عزّ وجلّ-، وتذكُّر القيامة، ونشر الحقّ، و العدل ، بالإضافة إلى الكثير من العِبر المُستفادة، ومنها:
- الاعتراف الدائم بفَضل الله -تعالى-
في كلّ شيء، ودوام شُكره، وحَمده على نِعَمه.
- العفّة والقناعة
فقد رفض ذو القرنَين أن يأخذَ شيئاً مقابل ما قدَّمَه، بل زاد في إتقانه العمل؛ فكان البناء قويّاً صَلْباً.
- الطموح والسَّعي إلى تبليغ دعوة الله -تعالى-
ونَشْر العَدل، بالإضافة إلى الأخذ بأسباب النصر بعد التوكُّل على الله -عزّ وجلّ-.
- التواضُع واستثمار الطاقات
فقد استغلّ ذو القرنَين طاقة أقوام لا يعلمون شيئاً، وزرع فيهم الثقة، ووجَّههم إلى العمل بالطريقة الصحيحة.