كفارة عدم قضاء الصيام للحائض
كفارة عدم قضاء الصيام للحائض
إنّ قضاء الصيام للحائض واجب باتفاق الفقهاء؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كنا نحيضُ عند النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلم-، فيأمرُنا بقضاءِ الصَّومِ)، وتعددت آراء الفقهاء في مسألة تأخير الحائض الصيام ودخول رمضان آخر عليها دون قضاء؛ على قولين نبينهما فيما يأتي.
رأي جمهور الفقهاء
ذهب جمهور الفقهاء إلى التفريق بين من أخّر القضاء بعذر ومن أخّره بغير عذر على النحو الآتي:
- التأخير بعذر
إن كان التأخير بعذر فلا يلزمه إلا القضاء، ولو استمر التأخير لسنين عدة ما دام العذر مستمراً؛ وبهذا قال: المالكية، والشافعية، والحنابلة، أما مذهب الحنفية سيأتي لاحقاً، وتجدر الإشارة إلى أنهم اعتبروا النسيان والجهل بالحكم عذراً لإسقاط الفدية مع القضاء.
- التأخير بغير عذر
إن كان تأخير القضاء من غير عذر، فيجب القضاء مع الفدية، وإلى هذا القول ذهب: المالكية، والشافعية، والحنابلة، ويستندون في رأيهم هذا إلى فتوى الصحابة، قال الهيتمي: "من أخّر قضاء رمضان مع إمكانه، حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء لكل يوم مُدٌّ؛ لأن ستة من الصحابة أفتَوْا بذلك ولا يعرف لهم مخالف".
رأي المذهب الحنفي
يجب القضاء عند الحنفية لما فات من الصيام لا غير؛ لقوله -تعالى-: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، ولم يفرقوا بين تأخير القضاء بعذر أو بغير عذر، والفدية لا تلزم إلا عند العجز عن الصوم جميع العمر، ووقت القضاء الراجح أنّه على التراخي؛ أي غير مؤقت بوقت معين، ولذلك لا معنى لإلزام الفدية.
المقصود بالفدية ومقدارها
تعددت آراء الفقهاء في مقدار الواجب في فدية الصيام على أقوال، وأهم ما يتعلق بالفدية نوضحه فيما يأتي:
- الفدية هي الكفارة الصغرى
ربما يحصل اللبس عند بعض الناس في تسمية الفدية بالكفارة أو العكس، فحينما يوجبون الكفارة على من أخّر القضاء؛ فالمقصود هو الكفارة الصغرى تمييزاً لها عن الكفارة الكبرى أو المغلظة؛ التي تجب على الجماع عامداً في نهار رمضان.
- مقدارها عند الحنفية والحنابلة
إطعام مسكين عن كل يوم، والفدية في المذهب الحنفي لا تجب في القضاء -كما في الفقرة السابقة-، لكن ذلك لنعلم مقدارها في الحالات التي أوجبوا فيها الفدية، أما المذهب الحنبلي -سبق بيانه- فيوجبون عن كل يوم إطعام مسكين والقضاء.
- مقدارها عند الشافعية والمالكية
مُدٌّ من طعام، حيث اتفق المذهبان الشافعي والمالكي في مقدارها، لكن ينبغي التنبيه إلى أنّ الصحيح عند الشافعية أنّ الفدية تتضاعف بتكرر السنين؛ أي من أخّر سنتين فعليه فديتان وهكذا.
- مقدار المد
المد مكيال شرعي شاع استخدامه في المدينة، والمد ربع الصاع، ومقدار المد عند الحنفية (825) غراماً تقريباً، وعند بقية المذاهب (544) غراماً تقريباً.
القضاء على الفور أم على التراخي
لا يجب قضاء الصوم على الفور، ويجوز القضاء على التراخي؛ أي في وقت من أوقات السنة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية، لكن جمهور الفقهاء قيّدوه بأنّ يكون قبل دخول رمضان آخر.
وذلك لقول عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إلَّا في شَعْبَانَ، [وفي رواية]: وَذلكَ لِمَكَانِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-)، مع الندب بالمسارعة في أداء ما عليه من صوم تبرئة للذمة، والله أعلم.