كتاب عيون الأخبار
قبل قراءة الكتاب
كتب العلامة ابن قتيبة كتاب عيون الأخبار، وهو عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، اختلف أصحاب التراجم على نسبه، وأصله يعود إلى بلاد فارس، نشأ في مدينة بغداد التي كانت مركزًا للعلماء والأدباء والمفكرين، وولد عام 213 للهجرة، ويعد السجستاني من أهم شيوخه، ومن أهم ما ألف كتاب عيون الأخبار، ويعد من أمهات الكتب في المكتبات العربية.
التعريف بكتاب عيون الأخبار
تناول كتاب عيون الأخبار العديد من الأطروحات التي تشكل نصائح لممارسة الحكم العادل، والبعيد عن الاستبداد والقهر، والكتاب يقع في أربعة مجلدات، ضخمة، ويسمى الكتاب الأول بكتاب السلطان، والحرب، والسؤدد، ويعرف كتاب عيون الأخبار ظاهريًا بأنه كتاب السلطان؛ لما تضمنه من أفكار سياسية إلى حد كبير.
ويتناول كتاب عيون الأخبار عدة مواضيع مثل: السلطان، وسيرته، وسياسته، واختيار العمال، وحاشية السلطان وآدابها، والصفات التي يجب عليها التحلي بها، والمشاورة والرأي، وتعد المشورة من أهم القيم التي شغلت حيزًا كبيرًا في الثقافة الإسلامية، كما وجه نصائح حول السر وضرورة كتمانه في بعض الأحيان، كما تناول الاتساق الثقافية مثل: الكتابة، والكتّاب، والأحكام السياسية والدينية، والتلطف.
لكن هذا الكتاب جامع لشتى العلوم، رغم تخصيص جزء كبير منه لعلوم السلطان وفلسفة الحكم، وكان مصبوغًا بطبيعتين طبيعة العصر الذي كتب فيه، وطبيعة المؤلف، فلقد كان العصر الذي نشأ ابن قتيبة فيه عصرًا ذهبيًا تميز أنه كان جامعًا للعلوم المختلفة، والثقافات المتعددة، وهذا الأمر كان من دوافع كتابة كتاب موسوعي موجه للعديد من الطبقات والثقافات والأجناس.
ما الحافز الذي حفزه على كتابة هذا الكتاب؟
كما ذكر ابن قتيبة الباعث الحقيقي الذي حفزه على كتابة هذا الكتاب في المقدمة، وقال: إنه التأديب، ويقصد به تهذيب خصال أفراد المجتمع، وضرورة اتصافهم بالأخلاق الحميدة، كما ذكر أن هذا الكتاب لا يقوم على أساس التشريع، والتفريق بين الحلال والحرام، أي أنه ليس كتابًا فقهيًا.
بل كان دالًا على معالي الأمور ومرشدًا لكريم الأخلاق، وزاجرًا عن الدناءة، وناهيًا عن القباحة، وباعثًا على الصواب وكل ذلك بهدف تحقيق الخلافة في الأرض وعمارتها، كما أكد أن الطرق لتحقيق هذا المبتغى كثيرة وواسعة، لكن الهدف النهائي واحد، وأكد على ضرورة صلاح السلطان، والاستعانة بالحاشية والبطانة الصالحة.
ملخص كتاب عيون الأخبار
تناول كتاب عيون الأخبار مختلف مناحي الحياة، فقد تطرق إلى الجانب السياسي، وتفرغ في أجزاء له، كما تناول الجانب الأدبي والثقافي، فمعروف أن العلامة ابن قتيبة يمتلك لغة أدبية فريدة من نوعها، جعلت من كتابه تحفة أدبية نادرة، كما تضمن العديد من الحكم البليغة.
والأمثال التي فيها صلاح الناس، ورشدهم، وتناول التصوف، معرجًا على ظاهرة الزهد في الدنيا كونها صفة تميز بها المتصوفون، أخيرًا يجب التأكيد على أن الكتاب تحفة اجتماعية، أخلاقية، كان مبتغاها الأول: تعزيز الجانب القيمي في الفرد، وتحقيق صلاحه، ورشده، لكونه جزء أساسي من صلاح المجتمع.
يصنف الكتاب على أنه من الكتب الموسوعية التي يصعب فهمها على القارئ المبتدئ؛ نظرًا لإسهاب ابن قتيبة في الأطروحات السياسية، وإدارة الدولة، وصفات السلطان، كما أن لغة ابن قتيبة، تعد لغة رصينة، لا يقوى على قراءتها إلا من كان متمكنًا في اللغة العربية الفصحى وله باعٌ كبيرٌ في القراءة.
والكتاب يقع في أربعة مصنفات على شكل مجلدات، ويقع المجلد الأول في 349 صفحة، وغالبًا ما ينصح القارئ بالتمهل في قراءة الكتاب، والوقوف على ما يرد فيه من معلومات، كما ينصح القارئ بتدوين الملاحظات، لتسهيل عملية الربط بين الأفكار الرئيسية فيه.
أهمية كتاب عيون الأخبار
ترجع القيمة الأدبية والتاريخية والأخلاقية لكتاب عيون الأخبار إلى أن ابن قتيبة استخدم العديد من المصادر المهمة لاستنباط القيم والأخلاق، منها القرآن، وباقي الكتب السماوية مثل: الإنجيل، والتوراة، كما استعان بالأحاديث النبوية الشريفة، وجمع هذه المادة القيمة والضخمة في مصنفات.
وفقًا لتسلسل، وتبويب معين، والكتاب الأصلي لا يحتوي على شروحات، وتعليقات، إلا أنه احتوى على مادة أدبية ثرية، فقد أكثر ابن قتيبة من الشواهد الشعرية، وأشار إلى الحكم والأمثال النادرة وتجاوزت قيمة كتاب عيون الأخبار الفترة التي كتب فيها، فقيمته الأدبية لا تنحصر في الفترة التي عاش فيها ابن قتيبة.
بل إنه مرجعًا أدبيًا فريدًا، وما يزال يعد من أمهات الكتب في المكتبات العربية، إضافة إلى اعتباره مصدرًا مهمًا لتوثيق الأحداث وتأريخها، ويعد مرجعية تاريخية للعصر الذي كتب فيه، كان لكتاب عيون أخبار أهمية لاحقة؛ لما أحدثه من أثر بالغ في الكتب والمصنفات اللاحقة، فقد تم اعتماده بصفته مرجعًا، وأساسًا من حيث الشكل والمضمون.
فهنالك العديد من العلماء الذين ساروا على نهج ابن قتيبة في تبويب كتاب عيون الأخبار، وتقسيمه بحسب المحقق محمد عبدالقادر شاهين الذي أشرف على تحقيق كتاب عيون الأخبار، مثل العلّامة ابن عبد ربه، صاحب كتاب العقد الفريد ، فقد وجه الناقد، ومشرف التحقيق محمد عبدالقادر نقدًا إلى كتاب العقد الفريد؛ لأنه مصنف بطريقة مطابقة لكتاب عيون الأخبار.
آراء نقدية حول كتاب عيون الأخبار
اختلفت آراء النقاد حول كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، أهمها:
- تعد معظم النّصوص الواردة في كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، أخبارًا في المستوى الأول، فهي تتكون من سند ومتن، أي أنها تتكون من سلسلة الرواة، الذين تنسب إليهم الرواية،
- ذكر اسم واحدًا للراوي، وليس اسمه الكامل، رغم تعدد الرواة، وينبغي للقارئ أن يعرف أن النصوص إخبارية، وليست حقائق مطلقة.
- اهتم ابن قتيبة بالفصاحة والبلاغة في خطب الرسول الكريم، وعمل على دراستها، وتمحيصها، لغويًا، فقد بحث في الثوابت الراسخة في خطب الرسول، خاصة في مطالعها.
- حرص ابن قتيبة على أن ينسب كل كلام إلى قائله، من خلال التزامه بخاصية الإسناد، وذكر السند الذي يتكون من سلسلة الرواة، وهذا يعكس مدى صحة و صدق النّقل.
- تأثر ابن قتيبة بطريقة رواية الأحاديث النبوية، وابن قتيبة من أهم رواة الحديث، عمل في باقي مصنفاته على رواية الأحاديث النبوية.
- استنتج الباحثون أن استخدام ضمير المتكلم في كتاب عيون الأخبار، يعود إلى عدة أسباب، منها: أن الكاتب ينقل على لسان من يتمتع بسلطة.
- تختلف نوعية السلطة بحسب اختلاف الموضع بالكتاب، فهنالك السلطة العقائدية الدينية، الممثلة في خطب الرسول، وآراء الخلفاء، وسلطة سياسية، ممثلة في خطب معاوية ويزيد والحجاج وغيرها.
مقتطفات من كتاب عيون الأخبار
إن كتاب عيون الأخبار تحفة أدبية تاريخية، تخللها العديد من النصوص المهمة، ومن أشهر الاقتباسات الواردة فيه:
- قال في كتاب الإخوان
وهو الجزء الثالث من عيون الأخبار حدثنا الأصمعي قال: أخبرنا العجلي قال بعض الأدباء: "يا بني، إذا دخلت المصر فاستكثر من الصديق، أما العدو فلا يهمك، وإياك والخطب فإنها مشوار كثير العِثار"
- قال في كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة، مستشهدًا بأبيات من شعر طرفة بن العبد:
كلُّ خليلٍ كُنتُ خاللتُهُ
لا تركَ اللَّهُ له واضِحهْ
كلُّهُمُ أروَغُ من ثَعْلَبٍ
ما أشبهَ اللّيْلَة َ بالبارحَهْ
وفي هذا دلالة على بعض الصفات المذمومة بين الأصدقاء كالمراوغة، التي لا يحمدها ابن قتيبة، مستشهدًا بأبيات للشاعر طرفة بن العبد.
نستنتج أن كتاب عيون الأخبار، وضعه العلامة عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المعروف بابن قتيبة، ويعد كتابًا موسوعيًا جامعًا تناول فيه العديد من الجوانب أهمها: الجانب السياسي، والعدالة في الحكم، والترفع عن الاستبداد وطرق إدارة السلطان، كما أكد ابن قتيبة على أنه لم يكتب الكتب لغرض فقهي، وإنما لغاية التأديب، وتهذيب قيم الناس وأخلاقهم.