قيام الدولة الإسلامية وتوحيد العرب في عهد الرسول
مراحل قيام الدولة وتوحيد العرب في عهد الرسول
كان للإسلام في المجتمع العربي بصمات واضحة خلال فترة بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث أسهم هذا الدين الحنيف في ارتقاء العرب وتوحّدهم، ولولا الإسلام لما كانوا أمّة لها هذا الشأن العظيم، وهذا التاريخ المجيد العريق الذي تعتز به حتى يومنا هذا.
وقد مرّت الدولة الإسلامية بالعديد من المراحل المختلفة، خاصّة في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلّ مرحلة من المراحل كانت لها آثار إيجابيّة تعمُّ أكثر على العرب آنذاك، وسيتمّ فيما يأتي تسليط الضوء على هذه المراحل وبيان أثرها في توحيد العرب في عهد النبي:
البعثة النبوية
كان العرب قبل الإسلام يعيشون في قبائل متناحرة متصارعة، فقد كان الإسلام غائباً عن الجزيرة العربية آنذاك، وعندما أرسل الله -تعالى- رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام الخاتمة بدأت التحوُّلات الإيجابيّة تدخل شيئاً فشيئاً على العرب.
الدعوة إلى الإسلام في مكة
فيما سبق كان انتماء العرب إلى القبيلة، وبسبب ذلك لم يكن هناك أيّة روابط توحّدهم وتجمعهم، واستطاع النبي الكريم أن يرتقي بهذه القبائل لتتوحد في إطار أمة إسلامية، يقول أحد المفكّرين: "كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فساداً، حتى أتى محمد -صلى الله عليه وسلم- ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس".
ولكن ذلك كان على مراحل، إذْ بدأ الإسلام في مكة المكرمة، واستمرَّ المسلمون في دعوتهم السريّة والجهريّة وعلى رأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمدّة ثلاث عشرة سنة، وقد كانت مرحلة صعبة جدا عليهم، حيث تعرَّضوا لأشد أنواع التعذيب والاضطهاد من قبل المشركين هناك، إلى أنْ أذِن الله -تعالى- لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة، حيث تأسّست هناك الدولة الإسلامية، ووُضع التشريع الإسلاميّ.
مرحلة الهجرة النبوية
كانت الهجرة بمثابة الحجر الأساس لقيام الدولة الإسلامية، وخلال فترة وجود الرسول في المدينة المنورة تعرّض المسلمون لأزماتٍ عديدة، فقد بدأت القبائل العربية تحشد قواتها على المسلمين، وبدأ عهدٌ جديدٌ من الصراعات، فلم تعد الصراعات مقتصرة على القرشيين وحسب، بل امتدت في شبه الجزيرة العربية كلها، غير أنّ المسلمين أخذوا ينتصرون يوماً بعد يوم، إلى أن يسّر الله تعالى لهم فتح مكّة المكرمة .
وبعد هذا الفتح العظيم أخذت القبائل العربية تفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة لتوقّع معه المعاهدات والاتفاقيات، فقدم إلى النبي أكثر من 60 وفداً، وبوفاة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- كانت الجزيرة العربية متحدَّة تحت راية الإسلام، وصارت أمّة واحدة قادرة على مواجهة التهديدات والأطماع الخارجيّة.
أدوات الرسول في توحيد العرب
هناك عدّة مقوّمات اتّبعها النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثناء مسيرته الدعوية ساهمت في توحيد العرب ونجاح تأسيس الدولة الإسلامية، ومن أهمّها ما يأتي:
بناء المسجد
كان أول ما فعله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته للمدينة بناء المسجد ، والذي كان له أعظم الأثر في توحيد المسلمين وبث التماسك والرسوخ بينهم، خاصة وأنهم يلتقون فيه خمس مرات في اليوم، ويتعلّمون فيه العقيدة والأحكام، وتُعقد فيه الاجتماعات، إلى غير ذلك من الأمور التي أثّرت تأثيراً إيجابيا عظيماً على وحدة المسلمين آنذاك.
المؤاخاة بين المسلمين
بعد أن وصل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كان من أوائل ما قام به أيضاً أن آخى بين المهاجرين والأنصار ، فأصبح المسلمون أخوة ذابت بينهم عصبيّات الجاهلية الأولى، وزالت فروق اللون والنسب، وجمعهم النبيّ على كلمة الإسلام ودين الحقّ.
وضع الدستور الإسلامي
كان من سياسات النبي الحكيمة أن وضع دستوراً ينظّم العلاقة بين المسلمين وغيرهم، خاصة أنّ الناس قد دخلوا في دين الله أفواجاً بعد الهجرة النبوية، وقد أقرّ في هذا الدستور اليهود الموجودين في المدينة على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم عدة شروط، فكان هذا الدستور بمثابة "وثيقة العدل والحرية والمساواة بين جميع طوائف الشعب".