قواعد السرد في كتاب الأدب والغرابة
قواعد السرد في كتاب الأدب والغرابة
يُناقش كتاب الأدب والغرابة -لمؤلِّفِه الكاتب المغربيّ عبد الفتّاح كيليطو- مجموعةً مختلفةً من المصطلحاتِ النقديّة، منها: النصّ الأدبيّ والنّوع الأدبيّ، وقواعد السّرد الذي تطرَّق فيه إلى مفهومِه العامّ وآليّة توظيفه وإشكاليّاته المختلفة كما يأتي.
مفهوم مصطلح قواعد السرد
يصرّح الكاتب في بداية دراسته النقديّة أنّه لا يقصد من توظيفه لكلمة "قواعد" أنّه يفرض أسسًا إلزامية على كل من يتصدى للسرد وأن يكتبَ على منوالها، كحال القواعد النقدية القديمة التي ألزمت الشعراء والكتاب بها، لا سيما قضية عمود الشعر، إنما أراد من لفظة "قواعد" الإشارة إلى وجود نماذج سرديّة فخمة، يمكن للقائم بالسرد العودة إليها واتباع نهجها.
وهذه الأصول الفنية التي تحكم سياق العمل الأدبي ليست مقصورةً على الكاتب فحسب، بل يرى أنّ المتلقي يجب أن يُلمّ بها، فلا يصح له أن يعامل نصًا روائيًا كأنه نصٌّ شعري، لكن إذا تمرّد الكاتب على هذه الأصول ولم يلتزم، نجد أن المتلقي يتمرد أيضًا معه، ويعبّر ذلك عن وجود فسحة وحريّة في مجال الإبداع السرديّ.
إمكانية التجديد في قواعد السرد
يرى الكاتب أنّ وجود قواعد ضابطة للعملية الإبداعية السردية لا تنفي إمكانية التجديد في النسق الداخلي لبنية النص، فنراه يُمثِّل على ذلك بلعبة كرة القدم، التي لها قواعد تحكمها يعرفها اللاعب الذي يمثل الأديب، والمتفرج الذي يمثّل المتلقي، والحَكَم الذي يمثّل الناقد، فالنص الأدبي ليس نصًا متحررًا من الأصول.
لكن، على الرغم من وجود الضوابط الراسخة في هذه اللعبة، إلّا أنّ كل مباراة تختلف في إبداعها عن غيرها، وكذلك النص السردي إذ إنّ للسارد الحرية المطلقة في الإبداع والابتكار، فهو يستطيع أن يلج عوالم جديدة، ويبتكر تقنيات سردية لا نهائية، ويخترع موضوعات مستحدثة يبدع فيها.
إشكالية تحصيل المعرفة بقواعد السرد
تُعدّ هذه الإشكالية محور هذا المبحث في كتاب الأدب والغرابة، إذ يُشير الكاتب إلى أنّ قواعد السرد في القديم كانت مبهمةً وغير ظاهرة؛ صحيح أنّ هنالك إنتاجًا سرديًّا، لكنه كان ينبثق من قواعد غير معلنة، لكن في العصر الحديث ومع ظهور مدرسة الشكلانيين الروس نجد أنّ هذا الفكر تغيَّرَ جذريًا، إذ وضع فلاديمير بروب تصورًا وتنصيفًا للحكاية الخرافية.
إلا أنّ هذا التصنيف -على الرغم من تخصصه في الحكاية الخرافية أو الحكاية الشعبية- انتقل إلى التعميم ليشمل الفنون السردية الأخرى مثل: الرواية والقصة القصيرة، وأصبح يمثّل قاعدةً مركزية مهمة لا بدّ من اتباع خطاها، لكنْ لم يكن هذا التصنيف ذا شيوع واطّراد لدى الثقافات كافّة، لا سيّما الثقافة العربية.
إذ إنّ الثقافة العربية في تناولها للنصوص عند الكتاب والمتلقين كانت تُعنى بالمقام الأول في المعنى والمضمون، ولم يكن هنالك اهتمامٌ واضح بالشكل كما هو الحال عند الأوروبين، بل نجد أنّ التركيز كان منصبًا على المحتوى؛ لظهور النزعات الأيدولوجية عند العرب وتأصّلها.
وقد مثّل الكاتب على ذلك بضرب مثال من قصص ألف ليلة وليلة ، إذ استدعى قصة الخياط والأحدب، وبيَّن أن هذه القصة المُستدعية لا تمثل حكايةً متكاملة الأركان؛ ذلك أنّ هنالك حكايةً تسبقها، وحكايةً أخرى تتبعها، فلا بدّ في الحكاية السرديّة أن تكون متكاملة الأفكار تؤدّي الهدف المنشود، ولا تحتاج إلى شيءٍ يكمّلها من الخارج.