قصيدة شعرية عن الأم
الأم تلثم طفلها وتضمه
الأمُّ تلثُمُ طفلَها وتضـمُّه
- حرَمٌ سماويُّ الجمالِ مقدَّسُ
تتألّه الأفكارُ وهْي جوارَه
- وتعودُ طاهرةً هناكَ الأنفُسُ
حَرَمُ الحياةِ بِطُهْرِها وَحَنَانِها
- هل فوقَهُ حرَمٌ أجلُّ وأقدسُ
بوركتَ يا حرَمَ الأمومةِ والصِّبا
- كم فيك تكتمل الحياةُ وتقدُسُ
هي الأخلاق تنبت كالنبات
هي الأخلاقُ تنبتُ كالنبات
- اذا سقيت بماء المكرماتِ
تقوم إذا تعهدها المُربي
- على ساق الفضيلة مُثمِرات
وتسمو للمكارم باتساقٍ
- كما اتسقت أنابيبُ القناة
وتنعش من صميم المجد رُوحا
- بأزهارٍ لها متضوعات
ولم أر للخلائق من محلِّ
- يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ
- بتربية ِ البنين أو البنات
واخلاقُ الوليدِ تقاس حسناً
- باخلاق النساءِ الوالداتِ
وليس ربيبُ عالية ِ المزايا
- كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جنانٍ
- كمثل النبت ينبت في الفَلاة
فيا صدرَ الفتاة ِ رحبت صدراً
- فأنت مَقرُّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممتَ الطفل لوْحا
- يفوق جميع الواح الحياة
اذا استند الوليد عليك لاحت
- تصاوير الحنان مصورات
لأخلاق الصبى بك انعكاس
- كما انعكس الخيالُ على المِراة
وما ضَرَبانُ قلبك غير درس
- لتلقين الخصال الفاضلات
فأوِّل درس تهذيب السجايا
- يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظنُّ بالأبناء خيراً
- اذا نشأوا بحضن الجاهلات
وهل يُرجَى لأطفالِ كمالٌ
- إذا ارتضعوا ثُدِيَّ الناقصات
فما للأمهات جهلن حتى
- أتَيْن بكل طيَّاش الحصاة
حَنوْنَ على الرضيع بغير علم
- فضاع حنوّ تلك المرضعات
أأمُّ المؤْمنين إليك نشكو
- مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها
- نَكاد نغصُّ بالماءِ الفراتِ
تخذنا بعدك العادات ديناً
- فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنَّ سبيلَ خُسرٍ
- وصدّوهنَّ عن سبل الحياة
بحيث لزِمْن قعرَ البيت حتى
- نزلنَ به بمنزلة الأدَاة
وعدّوهن اضعف من ذباب
- بلا جنح وأهون من شذاة
وقالوا شرعة الاسلام تقضي
- بتفضيل الذين على اللواتي
وقالوا: إنَّ معنى العلم شيء
- تضيق به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفُّ نَفساً
- عن الفحشا من المتعلمات
لقد كذبوا على الاسلام كذباً
- تزول الشمُّ منهُ مُزَلزَلات
أليس العلم في الاسلام فرضاً
- على ابنائه وعلى البنات
وكانت أمنا في العلم بحراً
- تحل لسائليها المشكلات
وعلمها النبيُّ اجلَّ علمٍ
- فكانت من اجلّ العالمات
لذا قال ارجِعُوا أبداً إليها
- بثلثيْ دينكم ذي البينات
وكان العلم تلقيناً فأمْسى
- يحصل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام
- وبالقلم الممَدِّ من الدواة
ألم نر في الحسان الغيد قبلاً
- أوانسَ كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القوم قدماً
- يرُحْنَ إلى الحروب مع الغزاة
يكنَّ لهم على الأعداء عونا
- ويضمِدن الجروح الداميات
وكم منهن من أسِرَت وذاقت
- عذاب الهُون في أسر العُداة
فما ذا اليوم ضرّ لو التفتنا
- الى اسلافنا بعض التفات
فهم ساروا بنهج هُدى وسرنا
- بمنهاج التفرق والشتات
نرى جهل الفتاة لها عفافاً
- كأن الجهل حصن للفتاة
ونحتقر الحلائلَ لا لجرمٍ
- فنؤذيهنَّ انواعَ الاذاة ِ
ونلزمهن قعر البيت قهرا
- ونحسبهن فيه من الهَنات
لئن وأدوا البنات فقد قبرنا
- جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهن عن طَلب المعالي
- فعشن بجهلهنَّ مهتلكات
ولو عَدمت طباع القوم لؤما
- لما غدت النساء محجبات
وتهذيب الرجال أجل شرط
- لجعل نسائهم مُتهذبات
وما ضر العفيفة كشفُ وجه
- بدا بين الأعفّاء الأباة
فِدى لخلائق الأعراب نفسي
- وإن وُصفوا لدينا بالجُفاة
فكم برزت بحيهم الغواني
- حواسر غير ما متريبات
وكم خشف بمربعهم وظبي
- يَمرُّ مع الجداية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى
- لمن ألِفوا البداوة في الفلاة
خمس رسائل إلى أمي
صباحُ الخيرِ يا حلوه
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها وأنهُرها وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية
أنا وحدي
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ
تفتّشُ بعدُ عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ
وطفتُ الهندَ طفتُ السندَ طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي
أيا أمي
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً
ولم أكبر
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة
بها أوصيكِ يا أمّاهُ
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها
ويطعمها
ويغمرها برحمتهِ
وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ
وتسألُ عن جريدتهِ
وتسألُ حينَ يأتي الصيفُ
عن فيروزِ عينيه
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ
دنانيراً منَ الذهبِ
سلاماتٌ
سلاماتٌ
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ فرحةِ ساحةِ النجمة
إلى تختي
إلى كتبي
إلى أطفالِ حارتنا
وحيطانٍ ملأناها
بفوضى من كتابتنا
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ يا أمي
ووجهُ دمشقَ
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا
وينقرنا
برفقٍ من أصابعنا
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ
قد زُرعت بداخلنا
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ والأحجارَ
جاءت كلّها معنا
أتى أيلولُ يا أماهُ
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ أينَ دمشقُ
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ
وأينَ عبيرُ قهوتهِ
سقى الرحمنُ مثواهُ
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ
وأين نُعماه
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ دمشقُ
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ