قصيدة سجل أنا عربي
شرح قصيدة سجل أنا عربي
كتب الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش قصيدة سجّل أنا عربي؛ وهي من أهمّ القصائد الوطنيّة، نُشرت في ديوانه الثاني "أوراق الزيتون" الصادر عام 1964م، عدد أبيات القصيدة 66 بيتًا تتوزّع على ستة مقاطع، وهي من نوع الشعر الحر الذي يعتمد على تفعيلة مفاعلتن.
كتب محمود درويش قصيدة سجل أنا عربي لأوّل مرة عندما كان عمره 15 عامًا باللغة العبرية، ليردّ على العسكري الذي سأله عن قوميته، لكنّه أعاد إصدارها بالعربية بعد 25 عامًا في بيروت، بعد القصف الإسرائيليّ عليها، وشعوره بأنّ الفلسطينيّ غريب عن لبنان.
كانت القصيدة الأولى صيحَةً ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ، أما إلقاؤها مرة ثانية، فكان بسبب الحرب الأهلية التي رأت في الوجود الفلسطيني في لبنان أمرًا مُنكرًا، وفيما أبيات قصيدة سجّل أنا عربي التي تُعدّ من أهم القصائد الوطنيّة:
شرح الأبيات من (1-6)
فيما يأتي شرح الأبيات من (1-6):
:سجِّل
:أنا عربي
:ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
:وأطفالي ثمانيةٌ
:وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
:فهلْ تغضبْ؟
يبدأ درويش المقطع بفعل الأمر للجندي الذي أمامه، وينتهي بالاستفهام، ليُظهر الواقع اليومي لحياة الفلسطيني في ظل الاحتلال؛ لأنّ العربي يحاول دائمًا حماية هويته الفلسطينية التي يحاول الاحتلال أن يطمسها، ثم يبدأ بعرض عد أفراد أسرته الذي يزداد؛ للدلالة أنّ الفلسطينين لن ينقرضوا، بل هم في ازدياد.
شرح الأبيات من (7-17)
فيما يأتي شرح الأبيات من (7-17):
:سجِّلْ
:أنا عربي
:وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
:وأطفالي ثمانيةٌ
:أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
:والأثوابَ والدفترْ
:من الصخرِ
:ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
:ولا أصغرْ
:أمامَ بلاطِ أعتابكْ
:فهل تغضب؟
يُكرر الشاعر هنا أسلوب الأمر والاستفهام، إلا أنه في وسط المقطع يصف الفقر الذي يعيشه الفلسطيني، من خلال وصفه مشقّة تحصيل رغيف الخبز من خلال الكدح في المحجر والحفر في الصخر، بينما يتنعّم المحتل بخيرات بلاده المسروقة.
مع ذلك لا يقبل الفلسطيني الصدقة والتسول على باب المحتل حتى ليؤمِّن أبسط احتياجاته، بل يتساءل إن كانت عزّة نفسه تُغضب المُحتلّ.
شرح الأبيات من (18-35)
فيما يأتي شرح الأبيات من (18-35):
:سجل
:أنا عربي
:أنا اسم بلا لقبِ
:صَبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
:يعيشُ بفَوْرةِ الغضبِ
:جذوري
:قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
:وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
:وقبلَ السّروِ والزيتونِ
:.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
:أبي.. من أسرةِ المحراثِ
:لا من سادةٍ نُجُبِ
:وجدّي كانَ فلاحًا
:بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
:يُعَلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
:وبيتي كوخُ ناطورٍ
:منَ الأعوادِ والقصبِ
:فهل تُرضيكَ منزلتي؟
:أنا اسم بلا لقبِ!
يطغى على هذا الجزء الغضب من محاولة نزع الفلسطيني من تراثه وهويته التاريخية مهما كان فقيرًا، تاريخه الذي بدأ مع بداية الخليقة، وهنا يؤكد الشاعر أنَّ ميلاد العدو حديث ولا يربطه بالأرض شيء، أما الفلسطيني فهو قديم بعمر شجر السرو والزيتون، ولا يخجل من العمل في أراضيه بالفِلاحة.
يؤكد أنّ الدفاع عن الأرض وأحقيّتها لا ترتبط بالحسب أو النسب، بل إنّ الكوخ البسيط من الأعواد والقصب يُعلِّم الشاعر الشموخ قبل أن يُعلّمه قراءة الكتب، ويتساءل الشاعر باستنكار في نهاية المقطع عن منزلته البسيطة التي لا ترضي العدو!
شرح الأبيات من (37-48)
فيما يأتي شرح الأبيات من (37-48):
:سجلْ
:أنا عربي
:ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
:ولونُ العينِ.. بنيٌّ
:وميزاتي:
:على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
:وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
:تخمشُ من يلامسَها
:وعنواني:
:أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
:شوارعُها بلا أسماء
:وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
:فهل تغضبْ؟
يعود الشاعر إلى أسلوبي الأمر والاستفهام، ويتحدّث بينهما عن شكل العربي المميز بشعره الأسود، ولون عينيه البني، ولباسه الشعبي (العقال والكوفية)، وكفوفه الخشنة نتيجة العمل في الأرض.
يصف أيضًا القرية المعزولة التي لا أسماء لشوارعها، دلالة أنّ كل فلسطيني يعرف أرضه وطريقه دون الحاجة إلى أسماء الشوارع، وأن كل سكانها يعملون في الزراعة أو المحجر؛ أي أنهم كلهم يعيشون حياة بسيطة، ويختم المقطع باستفهام استنكاري من غضب المحتل من كل الأشياء الاعتيادية.
شرح الأبيات من (49-62)
فيما يأتي شرح الأبيات من (49-62):
:سجِّل!
:أنا عربي
:سلبتُ كرومَ أجدادي
:وأرضًا كنتُ أفلحُها
:أنا وجميعُ أولادي
:ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
:سوى هذي الصخورِ
:فهل ستأخذُها
:حكومتكمْ.. كما قيلا!؟
:إذنْ
:سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
:أنا لا أكرهُ الناسَ
:ولا أسطو على أحدٍ
:ولكنّي.. إذا ما جعتُ
:آكلُ لحمَ مغتصبي
:حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
:ومن غضبي!
يبدأ الشاعر المقطع بالأمر مثل المقاطع السابقة، ويُصوّر بغضبٍ شديد سرقة المحتلين الأراضي التي يفلحها الفلسطينيون، ولم يتركوا لهم سوى المحاجر الخالية من الخيرات للعمل بها، وحتى المحاجر لم يتركوا فيها إلا الصخور التي لا تنفع حتى المحتلين.
يأمر المحتل من جديد أن يسجل أنه مع كل ذلك لا يكره الناس ولا يُفكر في السرقة أو السطو لتعويض خسائره، مثلما سطا الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، وفي النهاية يتوعّد المحتلين بأنه سيتحوّل إلى وحش كاسر ويأكل لحم محتليه، ووحشيته ردّ فعل طبيعي على وحشيّة المحتل، وطريقة دفاع مشروعة ولا يملك غيرها.
معاني مفردات قصيدة سجل أنا عربي
تتميّز قصيدة بطاقة الهوية بمفرداتها السهلة، ومن المعاني التي تضمنتها ما يأتي:المفردة | معنى المفردة |
الكدح | صوت الحصى يُرمى عند هبوب الريح، أو صوت لزجر السبع، ومن يكدح في عمله: يُجهد نفسه فيه. |
أسلُّ | من أسلَّ الشيء أي سرقه، سَلَّه؛ انتزعه وأخرجه برفق. |
الحقب | السنون وهي جمع سنة. |
ترعرع | نشأ وشبَّ. |
نُجُب | نَجُبَ الولد: أي كَرُمَ حَسَبُهُ، أَيْ كَانَ كَرِيمَ الأَصْلِ، نَجُبَ الرجل: حَمُدَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ. |
حسب | ما يَعُدُّه المرءُ من مناقبه أَو شرف آبائه. |
نسب | القرابة. |
شموخ | مصدر شَمَخَ: وهو الإِبَاءً وَالأَنَفَةً، اِعْتِزَازًا وَتَكَبُّرًا. |
فحميّ | اسم منسوب إلى الفحم، ويعني شديد السواد. |
عِقال | جَديلة من الصُّوف، أو الحرير المقصَّب، تُلَفُّ على الكوفية فتكونان غطاء للرأس، والجمع: عُقُلٌ. |
تخمش | فعل من الاسم (خَمش) وهو اسم لجرح البشرة، والجمع: خُموشٌ. |
عزلاء | مؤنث أعزل: وهي التي لا سلاح معها. |
الكَرم | حقل العنب. |
الأفكار الرئيسة في قصيدة سجل أنا عربي
قصيدة أنا عربي نص شعري مترابط ملتزم بالتفعيلة (مفاعلتن)، يسعى محمود درويش فيه إلى إيصال الأفكار الآتية:
- توضح فكرة إسهام الفلسطينيين مع غيرهم من العرب في بناء تاريخيّ يهدف إلى تحرير الأرض.
- تعريف بالشاعر وأصله العربي، ورقم بطاقته وأطفاله الثمانية.
- يذكر الشاعر مهنته التي يكسب رزقه منها، وهي العمل في المحجر مع رفاقه الكادحين أيضًا.
- يُثبت الشاعر مكان وزمان ولادة أجداده ووالده ومكان ولادته نفسه، وهو علی أرض فلسطين، التي يمتلكها كل الفلسطينين فقط، وليس لأحد من المحتلين شيءٌ منها.
- يذكر الشاعر أوصافه الخلقية، وهي لون العينين ولون الشعر، ويصف ملابسه التراثية وملابس أبناء شعبه، ويحدد مكان إقامته في قرية خالية من الأسلحة، كل سكانها يعملون في مهنهم التقليدية؛ وهي الفلاحة في الحقول، أو في المحجر.
- يكشف الشاعر حقيقة سلب المُحتلِّ لأرض أجداده وأحفاده، ومزارع وطنه، التي لم يكتفِ العدو بها، بل يفكر أيضًا في سرقة الصخور.
- يعلن الشاعر غضبه من سرقة أرضه وسرقة قوت شعبه، ويُهدّد بأنه سيتحوّل لوحش يأكل لحم المحتلين.
- يؤكّد أنّ النضال الفلسطيني جزء لا يتجزأ من مشروع تحرير العرب كلهم، والتأكيد على مطالب الفلسطينيين بالحرية والاستقلال.
الصور الفنية في قصيدة سجل أنا عربي
القصيدة بسيطة من ناحية الأسلوب البلاغيّ لكنّ أفكارها عميقة، ومن الصور الفنية التي اشتملت عليها القصيدة ما يأتي:
- أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ
استخدم الشاعر الرمزية ليبيّن إصراره على استرجاع الحق، وليبيّن كيفية الحفاظ على الأنفة وعزّة النفس، حتى لو كلّفته أن يسلّ رغيف الخبز سلًّا، والاستعارة هنا وفاقية؛ أي أنّ الشاعر أراد أن يتحدّث عن صعوبة العيش والإصرار على عزة النفس.
- قبل ميلاد الزمان رست
نوع الاستعارة تصريحيّة؛ حيث شبه جذور الفلسطيني الراسخة في أرضه بالسفينة الراسية، ووجه الشبه هو الثبات في المكان نفسه وعدم مفارقته.
- قبلَ تفتّحِ الحقبِ
شبّه الحِقب بالزهرة المتفتحة، وشبه بداية الزمان بمولد الكائن الحي، فالاستعارة تصريحيّة؛ لأنه صرّح بالمشبه به.
- كفي صلبة كالصخر
شبه كفّه بالصخرة الصلبة الخشنة في الوقت نفسه، التي تؤذي كل من يقترب منها، فالاستعارة تصريحيّة.