قصيدة البردة للإمام البوصيري
قصيدة البردة للإمام البوصيري
محمد بن سعيد البوصيري من أشهر الشعراء في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وله العديد من القصائد والأشعار، ولكن من أكثرها شهرة هي قصيدة البردة التي ما زالت محط إلهام للشعراء، حيث يقول الإمام البوصيري في مدح النبيّ في قصيدته البردة:
أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ
- مزجتَ دمعًا جرى من مقلةٍ بدمِ
أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمةٍ
- وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا
- ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ
أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ
- ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعًا عَلَى طَلَلٍ
- ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلمِ
فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ
- بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم
وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَةٍ وضَنًى
- مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ
نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني
- والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً
- منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ
عَدَتْكَ حالِيَ لا سِرِّي بمُسْتَتِرٍ
- عن الوُشاةِ ولا دائي بمنحسمِ
مَحَّضَتْنِي النُّصْحَ لكِنْ لَسْتُ أَسْمَعُهُ
- إنَّ المُحِبَّ عَن العُذَّالِ في صَمَمِ
إني اتهمتُ نصيحَ الشيبِ في عذلٍ
- والشَّيْبُ أَبْعَدُ في نُصْحٍ عَنِ التُّهَم
فإنَّ أمَّارَتي بالسوءِ ما اتعظتْ
- من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهرمِ
ولا أَعَدَّتْ مِنَ الفِعْلِ الجَمِيلِ قِرَى
- ضيفٍ ألمَّ برأسي غير محتشمِ
لو كنت أعلم أني ما أوقره
- كتمت سرًّا بدا لي منه بالكتم
من لي بِرَدِّ جماحٍ من غوايتها
- كما يُرَدُّ جماحُ الخيلِ باللجمِ
فلا تَرُمْ بالمعاصِي كَسْرَ شَهْوَتِها
- إنَّ الطعامَ يُقَوِّي شهوةَ النهمِ
والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على
- حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم
فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ
- إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ
وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمةٌ
- وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم
كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّةٍ لِلْمَرءِ قاتِلَةً
- من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وَاخْشَ الدَّسائِسَ مِن جُوعٍ وَمِنْ شِبَع
- فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
واسْتَفْرِغ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأتْ
- مِنَ المَحارِمِ وَالْزَمْ حِمْيَةَ النَّدَمِ
وخالفِ النفسَّ والشيطانَ واعصهما
- وإنْ هُما مَحَّضاكَ النُّصحَ فاتهم
وَلا تُطِعْ منهما خَصْمًا وَلا حَكمًَا
- فأنْتَ تَعْرِفُ كيْدَ الخَصْمِ والحَكمِ
أسْتَغْفِرُ الله مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
- لقد نسبتُ به نسلًا لذي عقمِ
أمرتكَ الخيرَ لكنْ ما ائتمرتُ بهِ
- وما استقمتُ فما قولي لك استقمِ
ولا تَزَوَّدْتُ قبلَ المَوْتِ نافِلةً
- ولَمْ أُصَلِّ سِوَى فَرْضٍ ولَمْ أَصُمِ
ظلمتُ سُنَّةَ منْ أحيا الظلامَ إلى
- أنِ اشْتَكَتْ قَدَماهُ الضُّرَّ مِنْ وَرَم
وشدَّ مِنْ سَغَبٍ أحشاءهُ وَطَوَى
- تحتَ الحجارةِ كشحًا مترفَ الأدمِ
وراودتهُ الجبالُ الُشُّمُّ من ذهبٍ
- عن نفسهِ فأراها أيما شممِ
وأكَّدَتْ زُهْدَهُ فيها ضرورتهُ
- إنَّ الضرورةَ لا تعدو على العصمِ
وَكَيفَ تَدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورَةُ مَنْ
- لولاهُ لم تخرجِ الدنيا من العدمِ
محمدٌ سيدُّ الكونينِ والثَّقَلَيْنِ
- والفريقينِ من عُربٍ ومن عجمِ
نبينَّا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
- أبَرَّ في قَوْلِ «لا» مِنْهُ وَلا «نَعَمِ»
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
- لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
دعا إلى اللهِ فالمستمسكونَ بهِ
- مستمسكونَ بحبلٍ غيرِ منفصمِ
فاقَ النبيينَ في خلْقٍ وفي خُلُقٍ
- ولمْ يدانوهُ في علمٍ ولا كَرَمِ
وكلهمْ من رسول اللهِ ملتمسٌ
- غَرْفًا مِنَ البَحْرِ أوْ رَشْفًا مِنَ الدِّيَمِ
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدِّهمِ
- من نقطةِ العلمِ أومنْ شكلةِ الحكمِ
فهْوَ الذي تَمَّ معناهُ وصُورَتُه
- ثمَّ اصطفاهُ حبيبًا بارئ النَّسمِ
مُنَّزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ
- فَجَوْهَرُ الحُسْنِ فيهِ غيرُ مُنْقَسِمَ
دَعْ ما ادَّعَتْهُ النَّصارَى في نَبيِّهِمِ
- وَاحكُمْ بما شِئْتَ مَدْحًا فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ
- وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ
- حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَمِ
لو ناسبتْ قدرهُ آياتهُ عظمًا
- أحيا اسمهُ حينَ يُدعى دارسَ الرِّممِ
لَمْ يَمْتَحِنَّا بما تعْمل العُقولُ بِهِ
- حِرْصًا علينا فلمْ ولَمْ نَهَمِ
أعيا الورى فهمُ معانهُ فليس يُرى
- في القُرْبِ والبعدِ فيهِ غير منفحِمِ
كالشمسِ تظهرُ للعينينِ من بُعُدٍ
- صَغِيرَةٍ وَتُكِلُّ الطَّرْفَ مِنْ أممٍ
وكيفَ يُدْرِكُ في الدُّنْيَا حَقِيقَتَهُ
- قومٌ نيامٌ تسلَّوا عنهُ بالحُلُمِ
فمبلغُ العلمِ فيهِ أنهُ بشرٌ
- وأنهُ خيرُ خلقِ اللهِ كلهمِ
وَكلُّ آيٍ أَتَى الرُّسْلُ الكِرامُ بها
- فإنما اتَّصلتْ من نورهِ بهمِ
فإنهُ شمسٌ فضلٍ همْ كواكبها
- يُظْهِرْنَ أَنْوارَها للناسِ في الظُلَم
أكرمْ بخلقِ نبيٍّ زانهُ خُلُقٌ
- بالحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بالبِشْرِ مُتَّسِمِ
كالزَّهرِ في تَرَفٍ والبَدْرِ في شَرَفٍ
- والبَحْر في كَرَمٍ والدهْرِ في هِمَمِ
كأنهُ وهو فردٌ من جلالتهِ
- في عَسْكَرٍ حينَ تَلْقاهُ وفي حَشَمِ
كَأَنَّما اللُّؤْلُؤُ المَكْنونُ في صَدَفِ
- من معدني منطقٍ منهُ ومبتسمِ
لا طِيبَ يَعْدِلُ تُرْبًا ضَمَّ أَعْظُمَهُ
- طُوبَى لِمُنْتَشِقٍ منهُ ومُلْتَئِم
أبان مولدهُ عن طيبِ عُنصرهِ
- يا طِيبَ مُبْتَدَأٍ منه ومُخْتَتَمِ
يومٌ تفرَّسَ فيهِ الفرسُ أنهمُ
- قد أنذروا بحلولِ البؤسِ والنقمِ
وباتَ إيوانُ كسرى وهو منصدعٌ
- كشملِ أصحابِ كسرى غيرَ ملتئمِ
والنَّارُ خامِدَةُ الأنفاس مِنْ أَسَفٍ
- عليه والنَّهرُ ساهي العين من سدمِ
وساء ساوة أن غاضتْ بحيرتها
- ورُدَّ واردها بالغيظِ حين ظمي
كأنَّ بالنارِ ما بالماء من بللٍ
- حُزْنًا وبالماءِ ما بالنَّارِ من ضرمِ
والجنُّ تهتفُ والأنوار ساطعةٌ
- والحَقُّ يَظْهَرُ مِنْ مَعْنًى ومِنْ كَلِم
عَموُا وصمُّوا فإعلانُ البشائرِ لمْ
- تُسْمَعْ وَبارِقَةُ الإِنْذارِ لَمْ تُشَم
مِنْ بَعْدِ ما أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
- بأَنَّ دينَهُمُ المُعْوَجَّ لَمْ يَقُمِ
وبعدَ ما عاينوا في الأفقِ من شُهُبٍ
- منقضةٍ وفقَ ما في الأرضِ من صنمِ
حتى غدا عن طريقِ الوحيِ مُنهزمٌ
- من الشياطينِ يقفو إثرَ منهزمِ
كأَنُهُمْ هَرَبًا أبطالُ أَبْرَهَةٍ
- أوْ عَسْكَرٌ بالحَصَى مِنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي
نَبْذًا بهِ بَعْدَ تَسْبِيحِ بِبَطْنِهما
- نَبْذَ المُسَبِّحِ مِنْ أحشاءِ مُلْتَقِمِ
جاءتْ لدَعْوَتِهِ الأشجارُ ساجِدَةً
- تَمْشِي إليهِ عَلَى ساقٍ بِلا قَدَمِ
كأنَّما سَطَرَتْ سَطْرًا لِمَا كَتَبَتْ
- فروعها من بديعِ الخطِّ في اللقمِ
مثلَ الغمامةِ أنىَ سارَ سائرةٌ
- تقيهِ حرَّ وطيسٍ للهجيرِ حمي
أقسمتُ بالقمرِ المنشقِّ إنَّ لهُ
- مِنْ قَلْبِهِ نِسْبَةً مَبْرُورَةَ القَسَمِ
ومَا حَوَى الغارُ مِنْ خَيْرٍ ومَنْ كَرَم
- وكلُّ طرفٍ من الكفارِ عنه عمي
فالصدقُ في الغارِ والصديقُ لم يرِما
- وَهُمْ يقولونَ ما بالغارِ مِنْ أَرمِ
ظَنُّوا الحَمامَ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على
- خيْرِ البَرِيَّةِ لَمْ تَنْسُجْ ولمْ تَحُم
وقايةُ اللهِ أغنتْ عن مضاعفةٍ
- من الدروعِ وعن عالٍ من الأطمِ
ما سامني الدهرُ ضيمًا واستجرتُ بهِ
- إلاَّ استلمتُ الندى من خيرِ مُستلمِ
لا تنكرُ الوحيَ من رؤياهُ إنَّ لهُ
- قَلْبًا إذا نامَتِ العَيْنانِ لَمْ يَنمِ
وذاكَ حينَ بُلوغٍ مِنْ نُبُوَّتِهِ
- فليسَ يُنْكَرُ فيهِ حالُ مُحْتَلِمِ
تَبَارَكَ الله ما وحْيٌ بمُكْتَسَبٍ
- وَلا نَبِيٌّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
كَمْ أبْرَأَتْ وَصِبًا باللَّمْسِ راحَتهُ
- وأَطْلَقَتْ أرِبًا مِنْ رِبْقَةِ اللَّمَمِ
وأحْيَتِ السنَةَ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ
- حتى حَكَتْ غُرَّةً في الأَعْصُرِ الدُّهُمِ
بعارضٍ جادَ أو خلتَ البطاحَ بها
- سيبٌ من اليَمِّ أو سيلٌ من العرمِ
دعني ووصفي آياتٍ له ظهرتْ
- ظهورَ نارِ القرى ليلًا على علمِ
فالدرُّ يزدادُ حُسنًا وهو منتظمٌ
- وليسَ ينقصُ قدرًا غير منتظمِ
فما تَطاوَلُ آمالُ المَدِيحِ إلى
- ما فيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ والشِّيَمِ
آياتُ حقٍّ من الرحمنِ محدثةٌ
- قَدِيمَةٌ صِفَةُ المَوْصوفِ بالقِدَم
لم تقترنْ بزمانٍ وهي تخبرنا
- عَن المعادِ وعَنْ عادٍ وعَنْ إرَمِ
دامَتْ لَدَيْنا فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ
- مِنَ النَّبِيِّينَ إذْ جاءتْ ولَمْ تَدُمِ
مُحَكَّماتٌ فما تبقينَ من شبهٍ
- لذي شقاقٍ وما تبغينَ من حكمِ
ما حُورِبَتْ قَطُّ إلاَّ عادَ مِنْ حَرَبٍ
- أَعْدَى الأعادي إليها مُلقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بلاغَتُها دَعْوى مُعارِضِها
- ردَّ الغيور يدَ الجاني عن الحُرمِ
لها معانٍ كموجِ البحرِ في مددٍ
- وفوقَ جوهَرِهِ في الحُسنِ والقيَمِ
فما تُعَدُّ وَلا تُحْصَى عَجَائبُها
- ولا تُسامُ عَلَى الإكثارِ بالسَّأَمِ
قرَّتْ بها عينُ قاريها فقلت له
- لقد ظفِرتَ بِحَبْلِ الله فاعْتَصِمِ
إنْ تَتْلُها خِيفَةً مِنْ حَرِّ نارِ لَظَى
- أطْفَأْتَ نارَ لَظَى مِنْ وِرْدِها الشَّبمِ
كأنها الحوضُ تبيضُّ الوجوه به
- مِنَ العُصاةِ وقد جاءُوهُ كَالحُمَمِ
وَكالصِّراطِ وكالمِيزانِ مَعدِلَةً
- فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناس لَمْ يَقُمِ
لا تعْجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُها
- تَجاهُلًا وهْوَ عَينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
قد تنكرُ العينُ ضوء الشمسِ من رمدٍ
- ويُنْكِرُ الفَمُّ طَعْمَ الماء منْ سَقَمِ
يا خيرَ من يَمَّمَ العافونَ ساحتَهُ
- سَعْيًا وفَوْقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
وَمَنْ هُو الآيَةُ الكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ
- وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
سريتَ من حرمٍ ليلًا إلى حرمِ
- كما سرى البدرُ في داجٍ من الظُّلَمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً
- من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها
- والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ
- في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ
حتى إذا لَمْ تَدَعْ شَأْوًا لمُسْتَبِقٍ
- من الدنوِّ ولا مرقًى لمستنمِ
خفضتَ كلَّ مقامٍ بالإضافة إذ
- نُودِيتَ بالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَم
كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مستترٍ
- عن العيونِ وسرٍّ أيِ مُكتتمِ
فَحُزْتَ كلَّ فَخَارٍ غيرَ مُشْتَرَكٍ
- وجُزْتَ كلَّ مَقامٍ غيرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلَّ مِقْدارُ ما وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
- وعزَّ إدْراكُ ما أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
بُشْرَى لَنا مَعْشَرَ الإسلامِ إنَّ لنا
- من العنايةِ رُكنًا غيرَ منهدمِ
لمَّا دعا الله داعينا لطاعتهِ
- بأكرمِ الرُّسلِ كنَّا أكرمَ الأممِ
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتهِ
- كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غَفْلًا مِنَ الغَنَمِ
ما زالَ يلقاهمُ في كلِّ معتركٍ
- حتى حَكَوْا بالقَنا لَحْمًا على وضَم
ودوا الفرار فكادوا يغبطونَ بهِ
- أشلاءَ شالتْ مع العقبانِ والرَّخمِ
تمضي الليالي ولا يدرونَ عدتها
- ما لَمْ تَكُنْ مِنْ ليالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
كأنَّما الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
- بِكلِّ قَرْمٍ إلَى لحْمِ العِدا قَرِم
يَجُرُّ بَحْرَ خَمِيسٍ فوقَ سابِحَةٍ
- يرمي بموجٍ من الأبطالِ ملتطمِ
من كلِّ منتدبٍ لله محتسبٍ
- يَسْطو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلْكُفْرِ مُصطَلِم
حتَّى غَدَتْ مِلَّةُ الإسلام وهْيَ بِهِمْ
- مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِها مَوْصُولَةَ الرَّحِم
مكفولةً أبدًا منهم بخيرٍ أبٍ
- وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هُم الجِبالُ فَسَلْ عنهمْ مُصادِمَهُمْ
- ماذا رأى مِنْهُمُ في كلِّ مُصطَدَم
وسل حُنينًا وسل بدرًا وسلْ أُحُدًا
- فُصُولَ حَتْفٍ لهُمْ أدْهَى مِنَ الوَخَم
المصدري البيضَ حُمرًا بعدَ ما وردت
- من العدا كلَّ مُسْوَّدٍ من اللممِ
وَالكاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
- أقلامهمْ حرفَ جسمٍ غبرَ منعجمِ
شاكي السِّلاحِ لهم سيما تميزهمْ
- والوردُ يمتازُ بالسيما عن السلمِ
تُهدى إليكَ رياحُ النصرِ نشرهمُ
- فتحسبُ الزَّهرَ في الأكمامِ كلَّ كمي
كأنهمْ في ظهورِ الخيلِ نبتُ رُبًا
- مِنْ شِدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُم
طارت قلوبُ العدا من بأسهمِ فرقًا
- فما تُفَرِّقُ بين البَهم والبُهُمِ
ومن تكنْ برسول الله نصرتُه
- إن تلقهُ الأُسدُ في آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرِ
- بهِ ولا مِنْ عَدُوّ غَيْرَ مُنْقصمِ
أحلَّ أمَّتَهُ في حرزِ ملَّتهِ
- كاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأشبال في أجَم
كمْ جدَّلَتْ كلماتُ اللهِ من جدلٍ
- فيهِ وكم خَصَمَ البُرْهانُ مِنْ خَصِمِ
كفاكَ بالعِلْمِ في الأُمِيِّ مُعْجِزَةً
- في الجاهليةِ والتأديبِ في اليتمِ
خدمته بمديح أستقيل به
- ذنوب عمر مضى في الشّعر والخدم
إذ قلّداني ما تخشى عواقبه
- كأنّني بهما هدي من النّعم
أطعت غيّ الصّبا في الحالتين وما
- حصلت إلّا على الاثام والنّدم
فيا خسارة نفس في تجارتها
- لم تشتر الدّين بالدّنيا ولم تسم
ومن يبع اجلا منه بعاجله
- يبن له الغبن في بيع وفي سلم
إن ات ذنبا فما عهدي بمنتقض
- من النبيّ ولا حبلي بمنصرم
فإنّ لي ذمّة منه بتسميتي
- محمّدا وهو أوفى الخلق بالذّمم
إن لم يكن في معادي اخذا بيدي
- فضلا، وإلّا فقل يا زلّة القدم
حاشاه أن يحرم الرّاجي مكارمه
- أو يرجع الجار منه غير محترم
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
- وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يدا تربت
- إنّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدّنيا التي اقتطفت
- يدا زهير بما أثنى على هرم
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
- سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
- إذا الكريم تحلّى باسم منتقم
فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها
- ومن علومك علم اللّوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلّة عظمت
- إنّ الكبائر في الغفران كاللّمم
لعلّ رحمة ربّي حين يقسمها
- تأتي على حسب العصيان في القسم
يا ربّ واجعل رجائي غير منعكس
- لديك، واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدّارين إنّ له
- صبرا، متى تدعه الأهوال ينهزم
وأذن لسحب صلاة منك دائمة
- على النّبيّ بمنهلّ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا
- وأطرب العيس حادي العيس بالنّغم