قصص عن الإحسان إلى الجار
حسن الجوار بين الدين والعبادة والعادة
قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا).
والجار في هذه الآية إما أن يكون جاراً قريباً، وهو المقصود في قوله -تعالى-: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ)، أو جاراً بعيداً، وهو المقصود بقوله -سبحانه-: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، وقد يكون هذا الجار البعيد جاراً مسلماً أو غير مسلم.
وقيمة حسن الجوار انتقلت من كونها عادة وسلوكاً بين الناس، إلى عبادةٍ ودين مترسخةً في أذهان الناس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)،كذا حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره).
الرسول في ضيافة أصحابه وأدبهم في مجاورته
كان لأبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أدب جمٌّ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما نزل في ضيافته، وكان لأدب المجاورة في منزله أدب عظيم يستأنس به في ذوقيات التعامل مع الضيف وأدبيات العلاقة بين الجيران لاسيما المتجاورين في الشقق السكنية والطوابق العليا.
وقد نقل أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري قصة نزول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند مولاه حيث يقول: (فنزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفل وأبو أيوب في العلو، قال: فانتبه أبو أيوب ليلةً، فقال: نمشي فوق رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فتنحوا فباتوا في جانب، ثم قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: السفل أرفق، فقال أبو أيوب: لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي -صلى الله عليه وسلم- في العلو، وأبو أيوب في السفل).
ولهذا من آداب الجوار -ما نعيشه اليوم الشقق السكنية في الطوابق- ألا يزعج الناس بعضهم بعضاً؛ في قوة الحركة والصوت المزعج والمرتفع وغيرها من السلوكات التي تخرج عن الذوق العام، ومن حسن الجيرة الإرفاق بالجار ومشاركته الطعام؛ لوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر بالجار فقال: (يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك).
السلف الصالح وحسن الجوار
ومن سير الصحابة الكرام في هذا أنهم كانوا أحرص الناس على تعاهد جيرانهم، حتى ولو كانوا كفاراً مخالفين لدينهم؛ فعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ).
وهنا نجد أن الصحابة الكرام كانوا في تطبيق عملي لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم: (لا يشبع الرجل دون جاره)، وحسن التعامل مع الجيران قد ورد عن الحسن: "ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى"، وفي هذا الباب قصة له، في امرأة محتاجة جاءته، فقالت: أنا جارتك، قال: كم بيني وبينك؟ قالت: سبعة أدؤر، (جمع دار)؛ فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم، فأعطاها، وقال: كدنا نهلك.
ومن قصص حسن الجوار عند التابعين -أيضاً- أن أبا الجهم العدوي باع داره بمائة ألف درهم، ثم قال: "فبكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ قالوا: هل يشترى جوار قط؟، قال: ردوا عليّ داري وخذوا مالكم، ما أدع جوار رجل إن قعدت سأل عنيّ، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني جائحة فرج عني. فبلغ ذلك سعيداً، فبعث إليه مائة ألف درهم".
وعليه نجد أن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد سرى سلوكاً في حسن الجيرة، لا سيما وأن ما يرويه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيمة عليا في المجتمع، حيث قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المؤمنُ مَنْ أمِنَه النّاسُ، ألا إن المهاجر مَنْ هَجَرَ السوءَ، أَلا إن المسلمَ مَنْ سَلمَ مِنْهُ جاره، والذي نفْسي بيده لا يدخلُ الجنةَ رجلٌ لا يأمنُ جارُه بوائقَه).
قصة صارت مثلاً
هناك قصصٌ ذهبت مثلاً في سوء الجوار منها قصة أبو أسود الدؤلي المشهور بنقط حروف اللغة العربية عندما سئل عن دار باعها ورحل عنها، فسأله سائلٌ: "بعت دارك؟" فأجاب: "بعت جاري ولم أبع داري"، بمعنى أنه باع منزله بسبب الجيرة السيئة، وسرت مثلاً بين الناس.
ونجد أن العرب في الجاهلية كانوا يحترمون الجار؛ إذ يقول أبو سفيان إذا نزل به جار قال: "يا هذا إنك قد اخترتني جاراً واخترت داري داراً، فجناية يدك على دونك، وإن جنت عليك يد فاحتكم علي حكم الصبيّ على أهله".وبهذا نجد أن الإسلام جاء متمماً لمكارم الأخلاق والارتقاء بالمجتمعات في سلوكاتها وعاداتها الاجتماعية وترسيخها قيمة تعبدية المؤصلة في نفوس البشرية.