قصص الصحابة عن حسن الخلق
قصة أبي بكر مع ضيوفه
في ذلك الزَّمان كان هناك من يُسمَّى بأهل الصُّفَّة، والصُّفَّة هو مكان بمؤخرة المسجد النبويِّ من جهة حجرات النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهم من ليس لهم أهلٌ أو مأوى فكانوا يقيمون بهذا المكان، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرغِّبُ الصَّحابة في إطعام أهل الصُّفّة، ويقول: (طَعامُ الِاثْنَيْنِ كافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافِي الأرْبَعَةِ)، أي أنَّ من يوجد عنده طعامٌ يكفي اثنين فلا يضرَّ أن يأخذ واحداً منهم ليُطعمه ويُسكتَ جوعه وهكذا.
فأخذ أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- ثلاثةً منهم ليُطعِمهم، فذهب بهم إلى بيته وقال لولده عبد الرحمن أن يقوم بإطعامهم حتى يذهب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترةً ومن ثمَّ يعود، فرفض الضيوف أن يأكلوا وفضَّلوا أن ينتظروا مجيء أبو بكرٍ الصِّديق من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعندما رجع أبو بكر الصِّديق وجد ضيوفه لم يأكلوا بعد، فظنَّ أنَّ الذَّنب على ابنه وأنَّه هو من لم يُطعمهم فغضب منه، حتى قالوا له: يا أبا بكر، لم نحبَّ أن نتناول الطعام في بيتك دون وجودك، فأَتَوْا لهم بالطعام حتى أكلوا جميعاً واستشعروا بركة الطّعام حيث ما كانوا يأكلون اللقمة حتى كان مكانها أخرى عِوَضاً عنها.
وفي هذه القصة يظهر حرص أبو بكرٍ الصديق على إكرام ضيوفه، وعدم التأخُّر عليهم في طعامهم، وذلك توجيباً لهم وإعلاءً لشأنهم ومكانتهم، وفي هذا يظهر حسن خلق أبي بكر الصديق في التَّعامل مع الضيوف.
قصة عمر مع المرأة الفقيرة
في يومٍ من الأيَّام وبينما كان الخليفة عمر -بن الخطاب- يتجوَّل في المدينة ويتفقَّد أحوال الرَّعيّة، إذ سمع صوت بكاء أطفال فأسرع ليرى ما الأمر، فرأى امرأةً تضعُ وعاءً على النَّار وكأنَّها تطهو، وعندها طفلان يبكيان، وسمِعها تشكو عمر بن الخطاب إلى الله -عزَّ وجل- من فقرها وحاجتها، ولأنَّ عمر لا يعلم بحالها.
فذهب عمر -رضي الله عنه- ليسألها عن أمرِها، وأمرِ أطفالها الذين يبكون، فقالت: لا أملك طعاماً أسدُّ به جوع أطفالي، وكلَّما همُّوا بالبكاء، قمتُ فوضعتُ ماءً في القِدر وأضعه على النار، وأقول لهم: ناموا حتى ينضج الطعام، فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك من المرأة، لامَ نفسه، كيف أنَّ هناك من هو من رعيَّته وينام في جوعه من حاجته وقلَّة حيلته.
فذهب -رضي الله عنه- و جاء بكيسين يحوِيان طعاماً وشراباً، وقام بإعداد الطَّعام لتلك المرأة وأطفالها، ولمَّا نضج الطَّعام طلب من المرأة أن توقِظ الأطفال لكي يأكلوا، فأيقظتهم وقامت بإطعامهم، وجعل عمر يُصلِّي، ويستغفر الله، ويطلبُ منه المغفرة والعفو عمَّا كانت به المرأة من حاجةٍ ومن شكواها إيّاه إلى الله -عزَّ وجل-.
يتجلَّى في هذه القصة حسن أخلاق خليفة المسلمين عمر بن الخطاب حيثُ التواضع، والإحسان، والتضرُّع والالتجاء إلى الله، فما أعظم أخلاق صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قصة عثمان بن عفان مع تُجَّار المدينة عام الرَّمادة
عندما كان عام الرَّمادة، والنّاسُ يعانون القحط وجَدَبَ الأرض، والفقر، والحاجة، وقلَّة الطَّعام والشَّراب، حتى شعروا ذات يومٍ باهتزازٍ في الأرض فعرفوا أنَّ هناك قافلةً تسير إليهم، فلمَّا أقبَلت فإذ بها قافلة عثمان -رضي الله عنه- تحملُ أصنافاً ممَّا يحتاج إليه النَّاس.
فأقبل عليه النَّاس من كلِّ مكانٍ يريدون شراء بضاعته، فقال عثمان: كم تعطونني ثمناً لها؟ قالوا: نعطيك درهماً، قال لهم: هناك من دفع لي أكثر من ذلك، فقالوا: نعطيك بدل الدرهم اثنين، فقال: هناك من دفع لي أكثر، فقالوا: نعطيك بدل الدرهم ثلاثة، وكذا ردّ عليهم بأنّ هناك من أعطاه ثمناً أكثر من ذلك، فقالوا: يا عثمان، لم يسبقنا أحدٌ لشراء بضاعتك، ولا يوجد تجارٌ غيرنا هنا، فمن هذا الذي دفع أكثر منا؟ فأجابهم عثمان -رضي الله عنه-: الله -تعالى- أعطاني بكلِّ درهمٍ عشراً، ثمَّ قال: اللهمّ إنّي وهبتُها لفقراء المدينة، بلا ثمنٍ ولا مُقابل، فتصدّق -رضي الله عنه- بكلِّ ما في القافلة.
وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُّ على حسن خلق صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- حيثُ لم يقبل باستغلال ظروف أهل المدينة من الفقر والحاجة وقام ببيعهم بضعف الثَّمن، بل رضي بالأجر من ربِّه -عزَّ وجل- وقام بالتَّصدُّق بقافلته.
قصة أبي هريرة وطاعته لوالدته
كانت والدة أبي هريرة -رضي الله عنه- مُشرِكةً، فقام بدعوتها إلى الإسلام ومحاولة تحبيبها فيه، فقامت بسبِّ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فحزن أبو هريرة جداً من سباب رسول الله وغضب له، فذهب إليه يبكي ويقول: يا رسول الله، إنَّ أمي قامت بسبِّك، فادعُ الله لها أن يهدِيَها للإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهمَّ اهدِ أمَّ أبي هريرةَ).
ورجع أبو هريرة إلى أمّهِ حتى إذا اقترب من الباب، فسمعت أمُّه صوت أقدامه فقالت له: ابقَ مكانك يا أبا هريرة، فسمع صوت خضخضة ماء، ثمّ خرجت عليها بعد أن اغتسلت ولبست ثوبها، فقالت يا أبا هريرة: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، فعاد أبو هريرة إلى رسول الله وهو يبكي فرحاً ليبشِّره بإسلام أمِّه، ففرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخبر وحمد الله -تعالى-، ثمَ طلب أبو هريرة منه أن يدعو له ولأمِّه، فدعى لهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهمَّ حبِّب عُبيدَكَ هذا وأمَّهُ إلى عبادِكَ المؤمنينَ وحبِّبْهم إليْهما).
يعدُّ تصرُّف الصحابي أبو هريرة -رضي الله عنه- مع أمِّه حين سبَّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصرُّفاً نابعاً من حُسن الخلق والأدب في التَّعامل مع الوالدين، حيث غضب لرسول الله ولكنَّ غضبه لم يجعله يسيء الأدب مع والدته، بل ذهب وطلب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يدعو لها.
تعرّض المقال لبعض القصص من حياة بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- والتي تُظهر حسن الخلق عندهم، منها قصة عثمان بن عفان مع تُجَّار المدينة عام الرَّمادة، و قصة أبي بكر مع ضيوفه، وغيرها.