قصص إكرام الضيف من القرآن والسنة النبوية
قصص إكرام الضيف في القرآن الكريم
ورد في كتاب الله -تعالى- قصصاً متعددة لإكرام الضيف والاهتمام به، حيث يوجد للضيف مكانة عند الناس في سائر الأزمان والأماكن، وخلّد الله -تعالى- هذه المواقف حتى يُعلِّم أمة الإسلام حسن الضيافة وإكرام الضيف، وحتى تكون أمة الإسلام أَوْلى بالضيوف من غيرها من الأمم، فهي أول الأمم مكانة يوم القيامة.
قصة ضيف إبراهيم -عليه السلام-
جاء إلى إبراهيم -عليه السلام- ثلاثة من الملائكة على هيئة بشر، هم جبريل وميكائيل وإسرافيل -عليهم السلام- ليبشروه بولد صالح عليم هو إسحق -عليه السلام-، وكذلك يبشّروه بإهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام بسبب كفرهم وإتيانهم الفواحش، فاستبشر هو وزوجته وتعجباً من قدرة الله -تعالى- على إعطائهما الولد بالرغم من كبَر سن إبراهيم عليه السلام، وأن زوجته لا تنجب.
وعندما رأى إبراهيم -عليه السلام- الملائكة على هيئة بشر لم يعرف أنهم من الملائكة، فسلموا عليه فرد عليهم السلام، ثم أسرع إلى ذبح عجل ليطعمهم، وشواه لهم على حجارة محمّاة بالنار، وقدمه لهم، مما يدل على شدة كرمه وإيثاره واهتمامه بالضيف.
رفض الملائكة الأكل من الطعام، فعندما رفضوا الأكل شعر بالخوف منهم، لأن الذي لا يأكل من طعام من استضافه ربما يخفي في نفسه عداوة له أو شر، لكنهم سرعان ما طَمْأَنوه أنهم ملائكة من عند الله -تعالى-، جاءوا ليبشروه بولد عليم، ويعاقبوا قوم لوط على كفرهم وفُحشهم.
قال -تعالى- في قصة ضيف إبراهيم -عليه السلام-: (وَلَقَد جاءَت رُسُلُنا إِبراهيمَ بِالبُشرى قالوا سَلامًا قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَن جاءَ بِعِجلٍ حَنيذٍ*فَلَمّا رَأى أَيدِيَهُم لا تَصِلُ إِلَيهِ نَكِرَهُم وَأَوجَسَ مِنهُم خيفَةً قالوا لا تَخَف إِنّا أُرسِلنا إِلى قَومِ لوطٍ).
قصة ضيف أهل مديَن -عليه السلام-
ضيف أهل مدين الذي قص الله -تعالى- علينا قصته هو؛ موسى -عليه السلام-، حيث خرج من مصر خائفا يراقب من يلحق به من آل فرعون، فأسرع ماشيا نحو صحراء سيناء حتى وصل إلى مدين، حيث يسكن الرجل الصالح الذي أضاف موسى -عليه السلام- عنده.
وصل موسى -عليه السلام- إلى مدين فوجد امرأتين تريدان سقاية الأغنام، ووجدهما تنتظران انتهاء سقاية الناس للأغنام، لأنهما لا تستطيعان مزاحمة الرجال ولا تستطيعان رفع الحجر الذي على البئر، فتسقيان من فضل الماء بعد سقاية الناس.
ولما سقى لهما وسمع أبوهما بفعله وشهامته وقوته، قرر أن يستضيفه، فكانت نعم الضيافة، فبعد أن استراح وأكل الطعام وقص عليه قصة فرعون طَمأنه وقرر أن يكافئه بتزويجه إحدى الفتاتين اللتين وجدهما عند البئر، مقابل أن يرعى له الغنم ثمان أو عشر سنين، ويقيم عنده، فكانت أطول ضيافة وأكرم ضيافة، وكانت نتيجتها زواج وذرية موسى عليه السلام، وبهذه الذرية عاد إلى مصر نبياً.
قال تعالى في ضيافة الرجل الصالح لموسى -عليه السلام-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
ومن قصص إكرام الضيوف في القرآن الكريم:
- ضيوف لوط عليه السلام من الملائكة، عندما أمر قومه أن يكرموا ضيوفه وأن لا يسببوا له الحرج فيهم.
- ضيف عزيز مصر، وهو يوسف عليه السلام، عندما طلب العزيز من زوجته إكرامه لعله يكون بمثابة ولد صالح لهم.
- ضيافة الحجيج ومن يضحي في يوم الأضحى بأن يقدم من لحم الأضحية للغني والفقير وجميع الناس.
- ضيافة أهل يثرب من الأنصار للمهاجرين -رضوان الله عليهم-، حيث آثروا ما عندهم على أنفسهم وقدموا لهم ما يحتاجون من غير ضيق في نفوسهم.
قصص إكرام الضيف في السنة النبوية
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر الناس جوداً وإكراماً لضيوفه، وقال -عليه السلام- موجباً إكرام الضيف: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، وكان أهل المدينة المنورة قد استضافوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قدم إليهم مهاجراً، فأقام عند أبي أيوب الأنصاري سبعة أشهر حتى تم بناء مسجده وبيته -عليه السلام-.
ومن أعجب قصص إكرام الضيف الواردة في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً جاء إليه فقال يا رسول الله، إني مجهود، أي متعب من الجوع، فأرسل النبي -عليه السلام- إلى بعض زوجاته -رضي الله عنهن- يطلب منهن طعاماً ليطعم الضيف، فكلهن اعتذرن عن تقديم الضيافة لعدم وجود الطعام في بيوتهن إلا الماء.
وسأل النبي -عليه السلام- أصحابه: من يضيف هذا الليلة؟ فقام أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى امرأته أم سليم فسألها عن طعام، فأخبرته أنه لا يوجد في البيت إلّا طعام أولادها لليلة واحدة، فقال لها: أشغليهم بشيء، فإذا دخل الضيف أطفئي السراج حتى يظن أنا نأكل، فدخل الضيف وأكل حتى شبع.
ولما أصبح أبو طلحة ورآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (قدْ عَجِبَ اللَّهُ مِن صَنِيعِكُما بضَيْفِكُما اللَّيْلَةَ)، [9] عجب الله -تعالى- من فعل إنسان عظيم بصفاته وأخلاقه، خالَفَ بحُسن خُلُقه وإيثاره كل طبائع البشر، وقدم الضيف على نفسه وأبنائه، رضي الله عنه وأرضاه.