قصة قوم صالح
الأنبياء والرسل عليهم السلام
خلق الله تعالى البشر ولم يتركهم هملاً تائهين على وجوههم لا يميّزون الحقّ من الباطل، بل بعث إليهم الأنبياء والرسل، وجعل الجنّة جزاءً لمن اتّبع الرسل، والنار لمن عصاهم وتكبّر عليهم؛ ولذلك فإنّ أفضل البشر على الإطلاق هم الأنبياء والرسل ، فهم الذين بذلوا حياتهم في الدعوة إلى الله تعالى، وإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن وحل الفساد وسوء الخُلق إلى حياة الصلاح والإصلاح، كما في قول الله تعالى عن الصالحين من آل إبراهيم عليه السّلام: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، ومن الجدير بالذكر أنّ كلّ الأنبياء والرسل بدأوا دعوتهم بالنداء إلى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، والتحذير من خطر الوقوع فيه، فكان كلّ رسولٍ يقول لقومه: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ)، وكانت دعوتهم تشمل الملأ من القوم وعامتهم؛ لأنّ هدفهم صلاح الناس جميعاً.
قصة قوم سيدنا صالح عليه السلام
قوم صالح عليه السلام
قوم صالح -عليه السّلام- هم قومٌ من العرب العاربة، واسم قبيلتهم ثمود ، وقد عاشت ثمود في منطقة الحجر الواقعة في شمال الجزيرة العربية وبالتحديد بين الحجاز والشام، ومن أهمّ ما كان يميز هذه القبيلة؛ التقدّم الحضاري في كافة المجالات، فقد كانوا متقدمين في مجال العمارة، حيث أنشأوا المساكن الفاخرة، وكانوا ينتقلون في الشتاء للسكن في بيوت نحتوها داخل الجبال، وفي الصيف يسكنون بيوتاً أقاموها في المرتفعات الجبليّة، وتقدموا في مجال الزراعة أيضاً حيث أقاموا مزارع النخيل والنباتات المختلفة، وعيون الماء، وجنات الثمار، بالإضافة إلى تطورهم العلمي والصناعي الذي يدلّ على قوتهم العقليّة الكبيرة، فقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم ، حيث قال: (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)، والمقصود بمستبصرين؛ أنّ لديهم القدرة على النظر والبصر والتدبّر، وكانوا على مستوى رفيعٍ من المدنيّة، حيث أقاموا مجلساً مكوناً من تسعة أشخاصٍ؛ ليقود قبيلتهم سياسياً، ويدفعهم إلى الأمام، وعلى الرغم ممّا أكرمهم الله تعالى به من النعم والخيرات، ومنها القوّة العقليّة، إلّا أنّهم لم يستخدموها في معرفة الحقّ واتباعه، وإنّما استخدموها في اتّباع أهوائهم وتحقيق شهواتهم، فكانوا من أتباع الشيطان ، وعبدوا الأصنام من دون الله تعالى، بالإضافة إلى أنّ مجلس قيادتهم المكون من تسعة أشخاص قد ضلّلهم وأبعدهم عن الهدى واتّباع الحقّ، كما قال تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)، فكانت النتيجة فسادهم أخلاقياً ودينيّاً، كما قال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، حيث أسرفوا في الملذات والفساد، وبالغ كبرائهم بالكبر والغرور، فبعث الله تعالى صالحاً عليه السّلام؛ ليدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى وإخلاص العبودية له سبحانه، حيث قال تعالى: (وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ)، فما كان جوابهم من الدعوة إلّا أن سخروا واستهزءوا وأصروا على كفرهم.
معجزة صالح عليه السلام
بعد أن دعا صالح -عليه السّلام- قومه مراراً وتكراراً، مرّ عليهم في أحد الأيام وهمّ مجتمعون في ناديهم، فذكّرهم بالله تعالى ووعظهم وحذّرهم من خطر ما هم عليه من الشرك وعبادة الأصنام، فطلبوا منه أن يخرج لهم من صخرةٍ كانت في ذلك الموقع ناقةً، وطلبوا منه أن تكون متّصفةً بمجموعةٍ من الصفات، ومنها؛ أن تكون طويلةً عشراء، فقال لهم صالح عليه السّلام: (أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم، أتؤمنون بما جئتكم به، وتصدقوني فيما أرسلت به؟)، فقالوا: (نعم)، فأخذ عليهم العهود والمواثيق بأن يؤمنوا بالله تعالى عند تحقّق تلك المعجزة ، ثم ذهب فصلّى ودعا الله تعالى أن يحقّق له تلك المعجزة، فما كاد ينهي صلاته، حتى أمر الله تعالى الصخرة بأن تنفطر عن ناقةٍ عظيمةٍ، فيها كلّ ما ذكروا من الصفات، فكانت ناقةً طويلةً عشراء، فتعجّب قوم ثمود لمّا رأوا المعجزة الباهرة، ولم يبق أيّ مجالٍ للشكّ في أنّ صالحاً -عليه السّلام- مؤيّداً بقدرةٍ إلاهيّةٍ، وأنّه مرسلٌ من الله تعالى، فأمن فريقٌ من قوم صالحٍ على رأسهم رجلٌ يدعى جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس، بالإضافة إلى عددٍ من أشرافهم، ومنهم: الخباب صاحب أصنامهم، ورباب بن صمعر بن جلمس، وذؤاب بن عمر بن لبيد، وكفر أكثرهم على الرغم من العهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم، وتّم بعدها الاتفاق على أن ترعى الناقة حيث شاءت في أرضهم، وأنّ لها يوماً تشرب فيه الماء ولهم يومٌ؛ لأنّها كانت تشرب في يومها ماء البئر كاملةً، ويشربون هم من لبنها كفايتهم، كما قال الله تعالى : (وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)، وبعد فترةٍ من الزمن، اجتمع الملأ من قوم ثمود؛ ليتباحثوا في أمر الناقة، ثمّ اتّفقوا على نحرها بحجّة أنّها تشرب ماءهم، ويريدون أن يستريحوا منها، واتّفقوا على أن يتولى نحر الناقة رئيسهم قدار بن سالف بن جندع، ويقال إنّه كان أحمر أصهب، وكان ابن زانيةٍ، ولد على فراش سالف، وفي صبيحة اليوم التالي قام ذلك المجرم بنحر الناقة، كما قال تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ* فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)، فحقّ بذلك العذاب على الكافرين من قوم صالح عليه السّلام.