قصة سقوط قرطبة
قصة سقوط قرطبة
لفترة طويلة من الزمن كانت قرطبة الواجهة المشرقة للعالم العربي الإسلامي، فلقد وصلت أوج حضارتها وازدهارها بما حوته من علم وأدب وعمران يضاهي كل الدول الأوروبية الآن، وقد كان سقوطها بمثابة قاصمة ظهر للعرب والمسلمين، إلا أنَّ هذا السقوط لم يكن وليد اللحظة، إنما هو أعوام من الدسائس والنخر في الأساسات، بالإضافة لما صاحبه من ترف أدَّى بأهلها ظهور المجن.
أسباب سقوط قرطبة
لم يكن سقوط قرطبة مُفاجئاً، بل كان نتيجة لجملة من الأسباب التي ترسخت في كيان الدولة الإسلامية في الأندلس، ومن أهم أسباب سقوط قرطبة ما يأتي:
- تمركُز الجاليات العربية في قرطبة، في حين وجود بقية أهل الأندلس من البرابرة والصقالبة والمستعربون واليهود في جميع أنحاء الأندلس تقريبًا وبتمركزات مختلفة، مثل طليطلة ومالقة وغرناطة وقرمونة وغيرها، مما أدَّى إلى سهولة استقلال كل مدينة بما تحويه من قاطنين والانشقاق عن الخلافة المركزية في قرطبة.
- امتداد رقعة الدولة الأندلسية جغرافيًا، حيث يرى الدكتور حسين مؤنس أنَّ هذا الامتداد الواسع أدَّى إلى تراخي أواصر التعارف بين أهل الأندلس عامة، مما ساهم في تقسيمها لاحقًا وسقوط الخلافة في قرطبة.
- تراجع الحنكة السياسية التي ألفها العرب سابقًا وعلى مر العديد من القرون، فقد كان تقريب فئة معينة من سِدَّة الحكم العربي كفئة البرابرة والصقالبة وغيرهم مثيرًا لضغائن بقية الفئات، لا سيما العربية منها، ثمَّ إنَّ توليها للسلطة أودى بالنهاية إلى استلامهم زمام الحكم وسحب بساط الخلافة من تحت قدمي العرب تمامًا.
- اتباع أساليب القوة والبطش من قِبل الولاة والأمراء المؤتمنين على القيام بشؤون الرعية الإسبانية في حِماهم، على عكس ما درجت عليه عادات العرب المسلمين، مما كان سببًا أساسيًا في سرعة انقلابهم على العرب المسلمين لمَّا سقطت قرطبة.
- تفشي الفساد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين عناصر المجتمع الإسباني وحكَّامه والانقسام والتشرذم الذي عانوه.
- الترف الاقتصادي الكبير الذي كان بمثابة نقمة على أهل الأندلس، حيث جعل نظرتهم للأمور مادية كثيرًا على مرِّ السنوات، وتقلصت بالتالي معاني الجهاد والرغبة في الدفاع عن الوطن ووحدة البلاد حيث انصبَّ الاهتمامهم على أنفسهم وثراءهم.
- عجز الخلفاء المسلمين على تكييف الأفكار السياسية في الدين الإسلامي مع الواقع، وهذا عجز يرتبط بالدرجة الأولى بالفهم الخاطئ للإسلام وكينونة المسلمين، على عكس ما ساد أيام رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأيام الخلفاء الراشدين كذلك.
- انعدام الهيئة السياسية الواضحة بقواعد بيِّنة تساعد الخلفاء على اتخاذ القرارات، ما يعني اليوم سياسات النظام الداخلي للدولة، فقد أخضع كل خليفة الدولة وفق أهواءه وحسب ما يراه مناسبًا لإدارة سدة الحكم، يعود هذا بالدرجة الأولى لعدم الارتكاز على الإسلام كمنهج لإدارة شؤون الدولة.
- الاختلال الواضح في التوازن الطبقي للمجتمع الأندلسي مما أدى إلى ظهور طبقة عُليا وطبقة دُنيا، مما أدى لخلق فجوة كبيرة بين الطبقتين.
نكبة المسلمين بعد سقوط قرطبة
إنما الدنيا دول كما قال ابن خلدون، وإنَّ الخطأ الفادح الذي ارتكبه العرب المسلمون في الأندلس يشير بشكل أساسي لمدى اللامبالاة التي عاشتها الأمم عندما لا تعتبر من التاريخ، إنَّ ما حصل في الأندلس هو ذاته ما حصل في بغداد إثر سقوط الدولة العباسية، وبنفس التدرجات كذلك، وإنَّه لمن السخيف تكرار الوقوع بنفس الخطأ في كل مرة.
إنما جُمع العرب وتوحدت شوكتهم وقُويت لمَّا تضافروا حول إعلاء كلمة الله في الأرض، لذا فإنَّ الباحث في التاريخ سيجد أنَّ الفتوحات الأولى في عهد عمر ابن الخطاب مثلًا لم تكن للسيطرة على الحكم والاستيلاء والتنكيل بشعب أعزل.
وإنما لهداية الناس، فلمَّا تلاشت هذه القيمة من النفوس وحلَّ مكانها الطمع في الحكم والخلافة هوى كل شيء على رؤوس أصحابه، والمسلمون قومٌ أعزهم الله بالإسلام فإن ابتغوا بغيره طريقًا أذلهم الله.